دراما كويريّة سوريّة

شخصيات غير نمطيّة الجندر والجنسانيّة من العصر الذهبي للمسلسلات السوريّة


في هذه المادة والرسومات، يعود بنا الفنان طارق السعدي بالزمن إلى الجيل الذهبي للدراما السوريّة، مسلطًا الضوء على بعض "الشخصيات الكويريّة" التي ظهرت في مسلسلات تابعناها وأحببناها، ولكن "يمكن انتست". يحاول السعدي أن يعيد تركيب هذه الشخصيات "بنظرة كويريّة" تحتفي بهذا التصوير، وتذكرنا بأنّ الكويريين/ات، وعلى الرغم من قلّة التمثيل المرئي في الثقافة السائدة، "موجودون/ات في كلّ مجالات الحياة في سوريا".

19 آب 2022

طارق السعدي

فنان سوري من مواليد السويداء ومقيم في برلين، درس في كلية الفنون الجميلة في دمشق-سوريا والتصميم في مونستر-ألمانيا. أقام عدّة معارض في برلين ومدن مختلفة في ألمانيا. يدرّس الفن ويعطي دورات تدريبيّة في الرسم والطباعة اليدويّة، وشارك في عدّة فعاليات مهتمة بالهويّة الجندريّة وتقبل الذات والآخرين.

الـpop culture كثقافة مرئية شعبية مرتبطة بشكل كبير بمجتمع الميم–عين، إن كانوا من سوريا أو لا، وخصوصي بفترة التسعينات والألفينات كونو ما كان في انترنت. كانت ملجأنا الوحيد لنعبّي أوقات فراغنا، ونبعد عن الجو الغيري المعياري القمعي المحيط فينا من كلّ جهة.

كنت شوف بكل مسلسل، فيلم أو غنية، حدا عمبمثلني، بغض النظر عن إذا كانت هالشخصية فعلا كوير أو لا. كنت كتير انبسط لما تطلع شخصية كوير بشي مسلسل، حتى لو كانت ببعض الأحيان عمتتقدم بشكل سلبي، بس كنت انبسط إنو على الأقل موجودة هالشخصية ومالا متجاهلة كليًا. بالمسلسلات السورية يلي هي البوب كلتشر لإلنا كسوريين بشكل خاص، لإنو ما كان في إنتاج موسيقي كبير مقارنة بلبنان ومصر، كان في عدد جيد من المسلسلات اللي ما بيخلى من شخصية كوير، أو عندا شي كويري بشكل أو بآخر. أنا هون برسماتي عم سلّط الضوء على بعض من هي الشخصيات الكويرية، يلي يمكن انتست، أو عم حاول عيد تركيب شخصيات بنظرة كويرية في الدراما السورية بفترتها الذهبية، يلي ربيت عليها أنا شخصياً.

باب الحارة

باب الحارة هوي أكتر مسلسل سوري مشهور للأسف، وعم قول للأسف لإنو مسلسل بقدم وبيحتفي بالغيرية المعيارية والذكورية السامة بشكل واضح ومؤذي جداً. مع العلم إنو حصول جنس أو حب ومشاعر بين تنين من نفس الجنس بهديك الفترة يلي أحداث المسلسل عمبتدور فيها (عشرينيات القرن العشرين) كان وارد ويصير أكتر بكتير مما منتخيل، ولإنو ما كان في هي المصطلحات الموجودة هلق، وكان يصير هالشي بدون ما ينطوى تحت أي تسمية. فحبيت إعادة تخيّلو هون كـ"باب الحب"، بطريقة بعيدة كلّ البعد عن الطريقة يلي انعرض فيها. يعني ببيئة شامية، بيقضو فيها الشباب كل هالوقت مع بعض لحالهن والصبايا كمان، منعزلين عن بعض، ما كان يصير شي هيك ولا هيك بيناتهن أو بين الكويريين المخبايين منهن؟

نضال، أشواك ناعمة

شخصية "نضال" بمسلسل أشواك ناعمة (2005)، هيي بالنسبة إلي من أول ما شفتا حسيتا شخصية كوير، ومن أكتر الشخصيات يلي حبيتا، بس طبعاً كنت بتمنى تكون النهاية مختلفة عن نهاية هالشخصية بالمسلسل. كان أحلى بكتير لو ضلّت الشخصية متل ما هيي، شخص ذات تعبير جندري غير نمطي، وإنو يصوّر المسلسل إنو الاختلاف مو غلط، بالعكس حلو، وكل إنسان متل ما هوي، ومو ضروري ينجر مع حكم الأغلبية و يكون متلن لحتى يصير محبوب ويتقبلوه، متل ما صار بالمسلسل إنو "نضال" بالآخر صارت متل أغلبية البنات الغيريات ومعياريات الهوية الجندرية والتعبير الجندري، يلي رضيان عنن المجتمع.

بس رغم هالشي برأيي ما لازم النهاية تغطي عن التعاطي القوي والجميل مع الشخصية خلال المسلسل كلو. يعني مثلًا إسمها الشخصية "نضال"، اللي هوي للشباب والبنات، إنو بالنهاية الاسم معبّر عن شخصية كويرية غير نمطية الجندر عم تناضل. وبالرسمة حبيت ارسم الشخصية بشكل يضل متناسب مع اسمها، عمبتناضل وتحارب بمجتمع غير متقبّل لشخصيتها "الخارجة عن المقبول اجتماعيًا". وشخصية نضال كويرية بامتياز، يعني بين كونها ذات تعبير جندري لانمطي، وبين إنو بعدين تقول بدها تعمل عملية تصير ترانس مان، تمّ طرح هالمواضيع بشكل قوي بفترة كانت لسا أصعب من هلق.

ومن اللحظات الحلوة بالمسلسل، واللي كتير قوية بالمسلسل، هيي وقت أبوها بيندعى عالمدرسة ليقولو لإلو إنو بنتك تصرفاتها غريبة ومو مقبولة إلها كبنت، بيقلن: بنتي جاية هون تتعلم مو جاية تحاسبوها كيف تتصرف. أبوها كان كتير داعم لإلها، وفي لحظات كتيرة مهمة بالمسلسل فيها رسائل إيجابية مبطنة، باستثناء النهاية اللي فرجونا فيها إنو عشقها لشب خلاها ترجع "طبيعية"، واللي يمكن انعملت لترضي المجتمع السوري المشاهد.

فلة وسعدو، بقعة ضوء

"فلة وسعدو"، هي سكتش صغير بمسلسل بقعة ضوء من سنة ٢٠٠٤، وعلق ببالي كتير هالسكتش. شخصية "سعدو" يلي قدمها الممثل "قصي خولي"، هي شخصية كتير كوير بشكل واضح. سعدو شب نعوم وشعرو طويل وتصرفاتو "أنثوية" وبيشتغل بملهى ليلي. بالرغم من التعاطي الكوميدي مع الموضوع، مهم بالنسبة إلي كان إني شوف في تعاطي مش دائما سلبي مع الشخصية بلحظات معينة بالسكتش، متل إنو كان "سعدو" كان عم يتغزل بالشباب يلي فاتوا عالكباريه، وما كان في أي تعليق سلبي منن على هالشي، ومجرّد وجودو عالشاشة بإطار برنامج كوميدي متلو متل كامل شخصيات المسلسل حسسني إنو مو دائمًا عم نضحك عليه، بس معو كمان؟

شخصية سعدو مرقت بالسكتش، وما انجاب سيرة لا ميول ولا شي، بس كان إنو واضح إنها شخصية غير نمطية، وهالشي بحس مهم ينعرض بمجتمعاتنا، وينطرح بكل بيت. وبالرغم من الإطار الكوميدي، معلش يكون في رسالة للمجتمع، إنو نحنا الكوير موجودين بكل جوانب الحياة. طبعاً بالسكتش تمّ الربط بين الكويريين والعاملات في الملاهي الليلية، ومع إنو تأطير بحط الكويريين بخانة محددة و"سلبية" من نظر المجتمع، إلا إنن الاتنين كمان جزء من المجتمع والأقليات المضطهدة، فكيف فينا نصير ننتقد إنو يتم تصوير المثلية بشكل منمّط، المقصود فيه الإهانة، من دون ما نعتبر إنو هي الشخصيات الكويرية والشغل اللي بتشتغلو (إن كان عامل/ة جنس، ولا بملهى ليلي، ولا فنانة) هيي المشكلة؟

أبو جانتي و"الطنط"

بصراحة أنا اتذكرت المشهد اللي بيكون في أبو جانتي و"الطنط" (2010) بحديثي مع صديق مؤخراً، ولما ارجعت شفتو اتذكرت قديش كان يصير معنا هيك شغلات بالواقع، وقديش وارد كان بالشام أو بمدن عربية تانية إنو يصير غزل أو إطراء بين شبين، خاصة في سياق الركوب بالتكسي، متل ما صار بين أبو جانتي شوفير التكسي والشب "الطنط"، يعني صار غزل خفيف ومزح شوي في إيحاء جنسي حتى من قبل "الطنط". طبعاً عم اتخيلهن بالرسمة اللي رسمتها عم يتغزلو ببعض بشكل كامل وبالتراضي، مو بس بداعي السخرية من ناحية "أبو جانتي"، وبتمنى لو كانت النهاية قصة حب بين "أبو جانتي والداندي". وكلمة "الداندي" نقيتا لأنها بتزبط عالقافية أكتر، وهيي كلكمة إنكليزية قديمة بتشير للرجال اللي كتير بيهتمو بأناقتهن وبلبسبهن اللي ممكن يكونو كوير وممكن لا، بس اهتمامهن بحالن بيضيع الناس اللي كتير بيربطو بين الشكل واللبس والميول الجنسية. حسيتها أخف عالسمع من كلمة طنط، وقديش بحيط فيها شغلات سلبية لهالكلمة بمجتمعاتنا لأنو هيك معلمين من نحنا وصغار للأسف، وهالشي لسا عمنشتغل عليه، وعم نحاول نسترجع الكلمة ونعطيها معنى سياسي إيجابي، بحيث إنو تصير كتير عادية، وما فيها أي شي سلبي بالعكس تمامًا.

 

بتمنى يظل ينشغل على موضوع الكوير بسوريا، ويتأكد على وجودنا أكتر، إن كان بمسلسلات أو اجتماعات أو أي شي بمجالات الحياة كلها بسوريا، لإنو ببساطة نحنا موجودين بكل المجالات، بس بسبب رواسب المجتمع والتاريخ القمعي يلي اتعرضنالو، فيه دائما تجاهل منحس حالنا غير مرحب فينا، أو غير مرئيين، ومنشان هيك مهم إنو ينحط الموضوع أكتر على الطاولة، وينطرح دائما ونرجع كعاملين/ات بالمجالات الفينة نبحبش بزاويا الثقافة السائدة، لنعرف كيف تم تصويرنا قبل حتى ما ندرك إننا ميم-عين. 

مقالات متعلقة

أمل عمران: "سوف أعلمكم التمثيل"

18 آذار 2022
يعتبر السينمائي والمخرج إياس المقداد، فيلم "صندوق الدنيا" للمخرج السوري، أسامة محمد، واحدًا من أكثر الأفلام استثنائيّة ونضجًا في التجربة السينمائيّة السوريّة. وفي سعيه للبحث عن آثار الفيلم، قرّر إجراء...
الثقافة الشفوية الشعبية والطائفية، تحليل مادي (13)

30 تشرين الأول 2018
بعد أن نشر موقع حكاية ما انحكت، عدداً من الشهادات التي تتعلق بالثقافة الشفوية للطائفية والقومية والإقليمية والمناطقية في سورية، يأتي دور تحليل هذه الشهادات ونقدها وقراءتها. في هذا البحث،...
أحوال المسرح السوري اليوم

17 أيار 2021
في افتتاحيّة ملف "المسرح السوري" تكتب الدكتورة ماري إلياس، وهي معدّة هذا الملف، عن المسرح السوري، وتسرد في نظرة عامة واقع هذا المسرح وماضيه، وتحكي عن آليات الإنتاج وعن الكتابة...
حلا عمران: التمثيل مساحة حرّة وفيها الكثير من اللعب

19 نيسان 2022
في سعيه للإلمام بكافة الكواليس والأجواء وآليات العمل التي رافقت فيلم "صندوق الدنيا" للمخرج أسامة محمد، وللوقوف على الطريقة التي أْنتج وصُوّر بها هذا الفيلم الذي وصل إلى مهرجان كان...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد