(هذا المقال جزء من ملف بالشراكة بين "حكاية ما انحكت" و"أوريان ٢١"، يستكشف عواقب الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير 2023).
أطلقت الأمم المتحدة بعد زلزال السادس من شباط/ فبراير 2023 ببضع أيام نداء لتمويل الاستجابة للمجتمعات المتضرّرة في سوريا بقيمة 397 مليون دولار. تمّ التبرّع بمبلغ يتجاوز ذلك، بينما لو نظرنا لحجم الاستجابة، بناء على أرقام الشاحنات التي دخلت الشمال السوري خلال ستة أشهر من الزلزال، نجد أنّ عدد الشاحنات أقل من 3800 شاحنة[1]، وهو رقم قريب جداً من معدل الاستجابة خلال عام 2022، حيث دخل ما مجموعه 7566 شاحنة عبر معبر باب الهوى إلى شمال غرب سوريا[2]. وبالتالي، لم تستطع آليات الاستجابة رفع تدفق المساعدات بعد الزلزال، إذ لم تشهد هذه الأشهر زيادة في برامج الاستجابة بل على العكس أظهر الزلزال أنّ نظام الاستجابة كان مرتبكاً وغيرَ مستعد للتعامل مع الكارثة.
قبل الزلزال، وصفت الأمم المتحدة الاستجابة الإنسانية في سوريا بأنها واحدة من أكثر الاستجابات الطارئة تعقيداً في العالم[3]، وقد كان لاستمرار هذه الاستجابة لمدّة ١٢ عام تحت حالة الطوارئ أثر واضح في جعل سوريا بلد معتمد بشكل كبير على المساعدات، وتركها هشّة جداً في مواجهة الزلزال.
بعد الزلزال، كثر الحديث عن تعافي المجتمعات المتضرّرة وإعادة بناء ما هدمه الزلزال، وكأنّ ذلك ممكن بمعزل عن ما هدمته سنوات الحرب، من القصف المستمر للأسد وحلفائه، وحملات التهجير التي فكّكت البنية السكانية للبلاد. أو كأنّ نظام المساعدات بعد الزلزال، سيكون مختلفاً عن 12 عاما من الاستجابة الطارئة.
ازدياد الاعتمادية على المساعدات
بتحليلٍ بسيطٍ للأرقام التي تقدّمها الأمم المتحدة في الاستعراض السنوي للاحتياجات الذي تُبنى عليه خطّة الاستجابة السنوية، نجد أنّ عدد المعتمدين/ات على المساعدات في سوريا استمر بالتزايد منذ عام ٢٠١١ حتى اليوم، كما استمرت الخطة بطرح رقم متزايد بشكل سنوي عن قيمة الاحتياجات في كلّ القطاعات. فمن 4 ملايين شخص يحتاجون للمساعدات في عام 2012 [4]، يصل الرقم ل 13.5 مليون في 2018، ثم إلى 15.3 مليون شخص في نهاية 2022 [5]، 4.2 مليون، منهم في شمال غرب سوريا بنسبة 90% من السكان في هذه المنطقة. بينما تفاقم حجم الاحتياج بالدولار من 335 مليون دولار في عام 2012 إلى 4.4 مليار دولار في عام 2023.[6]
هناك العديد من العوامل التي لعبت دوراً كبيراً في تفاقم الاحتياج عاماً بعد عام، على رأسها العمليات العسكرية التي ساهمت بشكل كبير في تدمير البنية التحتية، وفي تحويل جزء كبير من جهود الإغاثة نحو ترميم وتحصين المرافق الإنسانية والخدمية، عدا عمّا تسبّبت به الحرب من موجات تهجير واسعة فاقمت الاحتياجات. إضافة إلى ذلك، هناك دور واضح لعبه الاستغلال السياسي والعسكري للمساعدات من قبل العديد من الأطراف، وعلى رأسهم النظام السوري[7] الذي يملك هيكلية محكمة وتاريخ طويل لتوظيف هذه المساعدات سياسياً في خدمة مصالحه ولفائدة مقرّبيه. إلى جانب ما سبق، يظهر بوضوح دور نظام الاستجابة الطارئة نفسه في تفاقم اعتمادية السوريين/ات على المساعدات، وخاصة في السنوات الخمس الأخيرة، إضافة للقرار السياسي من المانحين بتجميد برامج التنمية والتعافي ودعم الاستقرار في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، خاصة بعد توّسع هيئة تحرير الشام في شمال غرب سوريا[8]، بينما تستفيد مناطق النظام من بعض برامج التعافي المبكّر تبعاً لسياسة كلّ مانح.
دور المشهد السياسي والعسكري
في عام ٢٠١٨، سيطرت هيئة تحرير الشام على معظم مناطق شمال غرب سوريا تاركة مساحة ضيّقة لفصائل الجيش الوطني المدعوم تركياً، وأصبحت الجهة الرئيسية المسيطرة على شمال غرب سوريا. ترافق ذلك مع حملات عسكرية واسعة من قبل النظام السوري وحليفه الروسي، انتهت بإعادة توزيع جديد للسيطرة، حيث سيطرت قوات النظام السوري على أجزاء من درعا جنوباً مع عقد اتفاقيات مصالحة محلية مع الفصائل المعارضة، بينما سيطرت شمالاً على مناطق ريف حماه الشمالي وريف إدلب الجنوبي، إضافة إلى السيطرة على الطريق السريع بين دمشق وحلب. على التوازي، كان التحالف الدولي ضد داعش مع حلفائه في سوريا يُنهي حقبة سيطرة داعش على شمال شرق سوريا.
عملياً، كانت تلك الأحداث في 2018 و 2019 نهاية لسلسة عمليات عسكرية أعادت التوزيع والسيطرة العسكرية التي لم تشهد خريطتها تغيّرات كبيرة منذ ذاك، كما لم تشهد الأراضي السورية عمليات عسكرية واسعة منذ ذلك الوقت، وتحوّل الصراع السوري إلى صراع مجمّد، مع اختراقات بسيطة، ومسار سياسي معطّل ورغبة دولية بتجميد الوضع، وجهود إقليمية للتطبيع مع النظام السوري.
بعد الزلزال، كثر الحديث عن تعافي المجتمعات المتضرّرة وإعادة بناء ما هدمه الزلزال، وكأنّ ذلك ممكن بمعزل عن ما هدمته سنوات الحرب، من القصف المستمر للأسد وحلفائه، وحملات التهجير التي فكّكت البنية السكانية للبلاد
هذا المشهد العسكري والسياسي أثّر بشكل واضح على هيكلية الاستجابة الإنسانية، حيث أوقف الفيتو الروسي العمليات عبر الحدود من الأردن باتجاه الجنوب السوري، بينما توّقف المعبر الإنساني مع العراق، وبالتالي توقفت وكالات الأمم المتحدة عن العمل في شمال شرق سوريا، وتحوّلت العمليات الإنسانية لتُدار من قبل منظمات دولية ومحلية بشكل كامل. إضافة لذلك بدأ النظام بتغيير سلوك التعنّت في ملف المساعدات عبر الحدود إلى سلوك أكثر مرونة ليملك القرار بدلاً من مجلس الأمن وبدلاً من الأمم المتحدة. هذا التأثير الظاهر للجميع ترافق مع تغيّر واضح في سياسة المانحين للعمليات في سوريا تبعاً لمناطق السيطرة، حيث حثّت هذه التغييرات المانحين الدوليين لمراجعة برامج وخطط التنمية ودعم الاستقرار في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، وتوقفت كلّ التمويلات خارج إطار الاستجابة الإنسانية الطارئة لهذه المنطقة.
بشكل منطقي من المفروض أن يؤدي توقف العمليات العسكرية لتراجع الاحتياج، ولكن سواء قيس الاحتياج بعدد السكان المعتمدين على المساعدات أو بحجم التمويل المطلوب، فسنرى أنّ الاحتياج يتفاقم من عام 2019 بشكل متصاعد عاماً بعد عام، بينما انخفضت نسبة التمويل من 62% من الاحتياج عام 2018 إلى 49% من الاحتياج في عام 2022.
ضمن هذا المشهد هناك تأثير واضح للحصار الاقتصادي والعقوبات على تفاقم الاحتياج في مناطق النظام، التي لا تتجاوز نسبة استفادة السكان فيها من المساعدات المقدّمة لها أكثر من 18 % [9]، بينما يذهب الباقي لجيوب المستفيدين من النظام والمقرّبين منه.
يزيد من تعقيد المشهد غياب حلّ سياسي في الأفق، وعدم وجود آليات مساءلة في سوريا عن سنوات من جرائم الحرب عدا عن قضايا عالقة مثل المفقودين والمعتقلين وحقوق الملكيات والسكن وغيرها الكثير من العوائق التي ستجعل عمليات التعافي المبكر في سوريا منقوصة أمام غياب مكوّن أساسي مثل السلام والتماسك المجتمعي. يفرض هذا الأمر التفكير بآليات لا تترك المجتمعات المنقسمة حسب مناطق السيطرة تحت وطأة نظام مساعدات يفاقم الاحتياج بدل من أن يقلصه.
دور آليات المساعدات الإنسانية
إلى جانب كلّ هذا المشهد يلعب نظام المساعدات الإنسانية الطارئة دوراً كبيراً في زيادة اعتمادية المجتمع على المساعدات، وعلى دول الجوار، والمنظمات الدولية. وبينما تملك الاستجابة الإنسانية أدواتها لتطوير عمليات التعافي المبكر ودعم المجتمعات المحلية لتفعيل اقتصادياتها، وبناء قدراتها لتتمكن تدريجياً من الوقوف لوحدها، إلا أنّ المشهد السياسي والعسكري جعل اللاعبين الدوليين يُوقفون أيّ عمليات من شأنها دعم هذه المجتمعات. يضع المانحون مخاوفهم من انزياح هذه المساعدات لخدمة سلطات الأمر الواقع كحجّة لوقف دعم برامجهم التنموية في شمال غرب سوريا، كما أنّ خفض التصعيد بعد عام 2019 لم ينعكس على الانتقال من الاستجابة الطارئة إلى التعافي. بينما يتم تجاوز ذلك في مناطق النظام، وخاصة من قبل وكالات الأمم المتحدة وبعض المانحين كاليابان مثلا.
يمكن أخذ أمثلة على ذلك من كلّ القطاعات، فبينما تمّ توزيع مساعدات غذائية لما يزيد عن ستة مليون مستفيد خلال 2022[10]، توقفت كلّ البرامج لدعم مشاريع الزراعة والثروة الحيوانية. في قطاع المياه والإصحاح ما زالت مناطق واسعة في شمال سوريا تعتمد على مياه الصهاريج والآبار للشرب، بينما أثقلت شبكات الصرف الصحي عبر سنوات الحرب وازدياد عدد السكان في كثير من المدن مثل إدلب وريف حلب الشمالي، دون صيانة تذكر.
قطاعات أخرى مثل الصحة تمّ تمويلها على مدار سنوات لتقدّم خدمات منقذة للحياة وخدمات رعاية صحية أولية وبقيت معتمدة على القطاع الخاص أو على الإحالات الطبية لدول الجوار لخدمات الرعاية الصحية الثالثية. حتى الزلزال كان يتمّ تحويل ٣٠ مريض يومياً إلى تركيا من شمال غرب سورية رغم محاولات متكرّرة من قبل المنظمات الصحية لتوفير هذه الخدمات محلياً. بشكل أكثر حدّة يظهر ضعف قطاع التعليم أسوأ ما في نظام الاستجابة الطارئة، حيث يقتصر تمويل التعليم على التعليم الأساسي، ما يُبقي 2.4 مليون طفل في سوريا يعانون من انقطاع كامل أو جزئي عن التعليم[11]، ما يجعل الاعتمادية على المساعدات تتجذر على المدى الطويل.
وقف برامج الحوكمة، لا وكيل للضعفاء
أبرز ما أضعف برامج التنمية وزاد الاعتمادية على المساعدات هو وقف دعم برامج الحوكمة وترك الاستجابة محكومة بآليات التنسيق الأممية التي لا يمكن أن تنجو من تسييس المساعدات ومن فساد الجهات المسيطرة.
إيقاف برامج الحوكمة غيّر توازن القوى الفاعلة في الاستجابة والخدمات حيث اليد العليا هي لوكالات الأمم المتحدة وللمنظمات غير الحكومية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وهذا يؤثر وبشكل واضح على أكثر من مسار، فالطرقات تعبّدها منظمات، والمياه تقدمها منظمات، والصحة هو قطاع معتمد على المنظمات. المانحون يفسّرون مفهوم واسع مثل تمكين أنظمة الاستجابة محليا ( Localization of aid ) بتأويل ضيّق جدا، وهو تمكين منظمات غير حكومية فقط دون العمل على تمكين المجتمع المحلي نفسه. تعقيد المشهد السياسي وسيطرة جهات مصنّفة إرهابيا كهيئة تحرير الشام، جعل المانحون يتخذون طرق أكثر سلامة أمام برلماناتهم وصحافتهم مثل الدعم من خلال منظمات غير حكومية مرخصة في دول أخرى لتسهيل عملية الرقابة عليها. على الرغم من محاولات مستمرة من المنظمات السورية لدعم جهود الحوكمة المحلية، ولكن إيقاف الدعم عن برامج الحوكمة والعمل من خلال المنظمات غير الحكومية يُفرغ المجتمع من كوادره، ومن قدراته ويهدم أيّ جهود لدعم الحوكمة المحلية، ما يجعل قدرة هذا المجتمع على التعافي وهمية ومحصورة بمنظمات غير حكومية
تحوّل الصراع السوري إلى صراع مجمّد، مع اختراقات بسيطة، ومسار سياسي معطّل ورغبة دولية بتجميد الوضع، وجهود إقليمية للتطبيع مع النظام السوري.
بينما في مناطق النظام نجد نموذج مختلف، مركزي جداً، ومحكوم بآليات أمنية تضبط عملية المساعدات وعمل أجسام غير حكومية ليتم توظيفها سياسياً لصالح النظام، ما يترك مساحات ضيقة جدا للمجتمع المدني للعمل. في النهاية يدفع المجتمع الثمن على طرفي خطوط الصراع، ويصبح أكثر هشاشة وأكثر اعتمادية على المساعدات.
وأتى الزلزال
لم يكن الزلزال بالحسبان، دمّر ما نجا من سنين الحرب، ومن سوء نظام الاستجابة. ترك السوريين وحيدين، وكشف كلّ مفاصل الضعف في آليات المساعدات ومدى تسييسها وعمق فسادها.
الوصول عبر الحدود وربطه بقرار مجلس الأمن، عرقل وصول المساعدات في الأيام الأولى من المعبر الوحيد الذي يغذّي شمال غرب سوريا، باب الهوى. كما أنّ ضعف التمويل وانخفاض المخزون داخل سوريا، جعل الفرق المحلية مكتوفة الأيدي. وضع منطقة شمال غرب سوريا العسكري والسياسي، جعل فرق البحث والإنقاذ الدولية تحجم عن الوصول إليها، عدا عن مسؤولية كبيرة على الأمم المتحدة والدول التي تملك قوات عسكرية على الأراضي السورية، وخاصة الولايات المتحدة لعدم توظيف قدراتها في البحث والإنقاذ، أو تيسير وصول فرق دولية على الأقل.
عدم وجود حوكمة محلية وارتباط الاستجابة بنظام معقد يُقاد عن بعد عبر الحدود جعل مصيره معلّقاً بمنصّات الاستجابة، ما جعل الضرر الذي أحدثه الزلزال في غازي عنتاب وانطاكية التركيتان، مقرّي الاستجابة البرامجي واللوجستي، ذو أثر مضاعف في سوريا.
لفهم حجم الأثر الذي أحدثه الزلزال، وما كان بالإمكان فعله لتكون الاستجابة أفضل، لا بد من النظر إلى الوضع في 5 شباط/ فبراير، قبل الزلزال بيوم. بالتأكيد للعامل العسكري والسياسي وسنوات الحرب الطويلة أثر كبير، ولكن كان لهذه الاستجابة أن تكون أفضل من ذلك، لو كان نظام الاستجابة الإنسانية في سوريا مصمّماً بشكل أفضل.
هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟
هناك عوامل مباشرة مثل تعطل نظام جمع المعلومات الأممي منذ بضعة أشهر قبل الزلزال وغياب قيادة إنسانية، حيث كان منصب نائب المنسق الإقليمي، أعلى منصب أممي في غازي عنتاب التركية شاغراً، عدا عن انخفاض في منسوب المخزون في مستودعات المنظمات الإنسانية داخل سوريا. فعلياً، لو جردنا هذه العوامل لكانت الاستجابة أفضل. ولكن هناك عوامل مزمنة، وإجراءات لمواجهتها، كان من شأنها جعل الاستجابة أفضل، ولا بدّ من النظر إليها:
- الاستفادة من انخفاض العمليات العسكرية لتعزيز عمليات التعافي ودعم الاستقرار في كافة المناطق السورية: كان من شأن تعزيز ارتباط العمل التنموي مع الإنساني تعزيز أيّ جهود نحو حلول سياسية بدلاً من انتظار الحلول السياسية لتبدأ عمليات التعافي. كان على المانحين البحث عن حلول لتجاوز آليات النظام السوري وغيره من سلطات الأمر الواقع في السيطرة على المساعدات وتوظيفها سياسياً وعسكرياً بدلاً من حصر الاستجابة بالاستجابة الإنسانية الطارئة.
- تجاوز التوظيف السياسي لقرار عبر الحدود عبر مجلس الأمن أو موافقة النظام لضمان وصول كامل عبر الحدود، ومن كافة المعابر في كافة المناطق خارج سيطرة النظام في شمال شرق وشمال غرب سوريا.
- بناء آليات رقابة شفافة وصارمة على المساعدات، وخاصة في مناطق النظام السوري.
- توسعة مفهوم التمكين المحلي ليتجاوز الإطار الإنساني: في عام 2016 وفي القمّة الإنسانية في اسطنبول، قدّم الفاعلون الإنسانيون الدوليون من مانحين ووكالات أمم متحدة ومنظمات دولية ما يسمّى "الصفقة الكبرى" Grand Bargain، وهي التزام منهم بتمكين الاستجابة محلياً في كافة الدول التي تواجه كوارث، أو ما سمّي وقتها ب Localization . تمّ وضع آليات لقياس التقدم في هذا المفهوم، ولكن إضافة إلى ضعف التقدّم في تنفيذ هذا الالتزام بشكل كبير حول العالم، فإنّ هناك عيب أساسي فيه في سوريا، وهو حصره للتمكين المحلي بالمنظمات غير الحكومية الإنسانية في سوريا في إغفال واضح للشق التنموي وأهميته، عدا عن عدم تضمينه لتمكين المجتمعات الأهلية التي لعبت دوراً واضحا في الاستجابة للزلزال. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ تطبيقه حتى الآن ما زال شكلياً على الرغم من إثبات بعض المؤسسات السورية قدرات عالية، وخاصة حين تركت وحيدة أمام الزلزال.
- بناء نظام حوكمة محلية للاستجابة: وضع المانحون قيوداً كبيرة على تعامل المؤسسات الإنسانية مع سلطات الأمر الواقع في سوريا، ولم يعملوا على إيجاد بدائل من خلال نقابات، مديريات أو أجسام مستقلة موّحدة على غرار نموذج الدفاع المدني في البحث والإنقاذ، حيث تعتمد الاستجابة كلياً على المنظمات غير الحكومية مع تهميش كبير للمجالس المحلية وغيرها من أجسام الحكم المحلي. يظهر هذا الموضوع معقداً جداً في مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب سوريا كإدلب في ظلّ وجود حكومة الإنقاذ وتصنيف هيئة تحرير الشام كتنظيم إرهابي، إلا أنّ الجهات المانحة فضلت دفن رأسها بالرمال والابتعاد عن أي شكوك بالتعامل مع سلطات محلية، وألقت بالمخاطر بشكل كامل على عاتق المنظمات الإنسانية، ويدفع الضريبة بالنهاية المدنيين مرتين، مرّة بسيطرة هيئة تحرير الشام على مناطقهم، ومرّة بسلوك المانحين.
- إنّ وجود نظام حوكمة محلي للاستجابة الإنسانية من شأنه تحسين الاستجابة متعدّدة القطاعات، وخاصة في حالات مثل الكوارث الطبيعية حيث تحتاج تضافر جهود السلطات ومقدمي الخدمات والقطاع الخاص والمجتمع الأهلي جنباً إلى جنب. يوجد احتكار واضح لعملية التنسيق الإنساني وجمع المعلومات من قبل الأمم المتحدة ووكالاتها التي تعمل في شمال غرب سوريا عن بعد، وتتعامل مع المؤسسات السورية المحلية كمنفذ فقط، حيث تحرص الأمم المتحدة على عدم إفساح المجال لأيّ برامج أو مؤسسات تقود تنسيق محلي، ويساعدها على ذلك التنافس السلبي بين منظمات المجتمع المدني السوري.
في الأعوام الخمسة الأخيرة، و منذ بدء انحسار العمليات العسكرية في سوريا، خصّص ما يزيد عن ١٢ مليار دولار للاستجابة في سوريا. بالتأكيد لا تستطيع هذه المليارات حلّ الأزمة الإنسانية، خاصة أنه بالكاد تصل ٥٠٪ من الاحتياج، وخاصة أنّ مبالغ كبيرة تصرف منها على المصاريف الإدارية للمنظمات الدولية، ولكن بالتأكيد كان من الممكن توظيفها بشكل أفضل لتجعل الاستجابة في سورية أقل هشاشة في وجه الزلزال، ويقف خلف كلّ هذا المشهد عجز دولي في تحقيق حل سياسي يضمن العدالة والمساءلة.
المراجع:
[1] https://app.powerbi.com/view?r=eyJrIjoiODBjZWY5NTctNGZjMy00MDYwLThhMDMtNzY4ZDQ4NjMwMGIzIiwidCI6IjBmOWUzNWRiLTU0NGYtNGY2MC1iZGNjLTVlYTQxNmU2ZGM3MCIsImMiOjh9
[2] https://reports.unocha.org/en/country/syria/card/32GuzlG9ee/
[3] https://reliefweb.int/report/syrian-arab-republic/syrian-arab-republic-2023-humanitarian-needs-overview-december-2022
[4] https://reliefweb.int/report/syrian-arab-republic/2017-humanitarian-needs-overview-syrian-arab-republic-enar
[5] https://reliefweb.int/report/syrian-arab-republic/syrian-arab-republic-2023-humanitarian-needs-overview-december-2022
[6] https://fts.unocha.org/appeals/396/summary
[7] https://www.washingtonpost.com/politics/2019/08/06/humanitarian-aid-syria-is-being-politicized-too-many-civilians-need-arent-getting-it/
[8] https://reliefweb.int/report/syrian-arab-republic/humanitarian-update-syrian-arab-republic-issue-01-19-february-2019-enar
[9] https://medirections.com/index.php/2019-05-07-15-50-27/wartime/2020-07-06-16-04-04?fbclid=IwAR3T4UVVJBTuNZiQSyj69J47mejiLkz9j39f6jdIT-QwSiMNRrPo6gvWJTo#_ftnref51
[10] https://www.wfp.org/operations/annual-country-report?operation_id=SY03&year=2022#/25291
[11] https://www.unicef.org/press-releases/after-almost-ten-years-war-syria-more-half-children-continue-be-deprived-education