تُنشر هذه المقالة ضمن ملف ملف اقتصاد سياسي، عنوانه: «الاقتصادات العربية ومرايا أزماتها»، الذي تعدّه شبكة فبراير بمساهمة من منصات عربية مستقلة. بإمكانكم قراءة مقدّمة الملف من خلال هذا الرابط.
داخل خيمتها في مخيّم المرج الواقع على أطراف سهل البقاع، والذي تقطنُ فيه منذ عشر سنوات، تجلسُ اللاجئةُ السورية خولة (اسم مستعار/ ٣٤ عاماً)، وهي تحمل بيدها أصغر أبنائها، وبنظرةٍ حانية تُشيرُ إليه برأسها وتقول: "لم يكن قد بلغ شهره الرابع عندما شعرتُ بعلاماتِ حمل آخر، كنت على يقين أنّني لا أريد هذا الجنين، لا أستطيع الإنفاق عليه". الانهيار الاقتصادي الذي أتى عليها بعد سبع سنوات من اللجوء جعلَ الاختيار بين إجهاضِ الجنين، أو إنجابه محمّلاً بصعوبات أكبر.
لم تكنْ على درايةٍ بحملها، فقد كانت تعاني من دورةٍ شهريةٍ غيرَ منتظمةٍ، ينتجُ عنها نزيفٌ متقطّعٌ خارجَ أوقاتِ الحيض، ما يعني أنّ المؤشّر الأوّلي للاستدلال على الحمل غائب بفعلِ الالتهابات النسائية، والتي تتصل بشكلٍ مباشر بالواقع الاقتصادي المنهار الذي أجبر خولة، والغالبية العظمى من النساء القاطنات في المخيّم على استبدالِ الفوط النسائية الصحيّة بالأقمشةِ القطنية، إثرَ ارتفاع سعرها بعد الانهيار الاقتصادي من ثلاثين ألف ليرة لبنانية، إلى ما يتجاوز مئتي ألف ليرة.
في العام ٢٠١٩، وتحديداً شهر آب، انفجرتْ سنواتٌ من مراكمةِ سوء إدارة البلاد والإهمال والسرقة، متمثّلةً بانهيارٍ اقتصادي، صنّفه البنك الدولي ضمن أشدّ ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
أدّى هذا الانهيار إلى انخفاضٍ في الناتجِ المحليّ الإجمالي عام ٢٠٢١ نحو ٢٠.٥ مليار دولار، وفقدتْ الليرةُ اللبنانيةُ أكثر من ٩٠٪ من قيمتها، الأمر الذي دمّر القدرة الشرائية للمواطنين/ات واللاجئين/ات، ورفع تكلفة جميع المواد والسلع أضعافاً، وبوتيرةٍ متسارعة.
وضّحت دراسة أعدّها ونشرها موقع صفر، أنّ الاقتصاد اللبناني كان مفخّخاً بعيوبٍ بنيويةٍ منذ عقود، ولكنّه انفجر عام ٢٠١٩ ما أغرق البلاد بأزمةِ ديونٍ تجاوزت فيها نسبة الدين من الناتج المحلّي الإجمالي ١٨٠٪، وهو ما أكدّته بيانات جمعية المصارف اللبنانية حينها، إذ أشارتْ إلى أنّ الدين الخارجي للبلاد بلغ ٩١ مليار دولار. كما أوضحت الدراسة ذاتها أنّ القطاع الصحي كان من أكثر القطاعات تضرّراً على مستوى كلّ من رأس المال البشري والمادي.
على هامشِ هذا كلّه، وربّما في عمقِ أثره المباشر، كان على خولة إيجاد وسيلة للوصول إلى عيادةٍ نسائيةٍ، لمعرفةِ سبب النزيف المتكرّر الذي تعاني منه، لكنّ زيارة العيادة النسائية الخاصة ليستْ خياراً مُتاحاً حتى في حالات الطوارئ، وذلك تبعاً لارتفاعِ تكلفة المعاينة فيها، والتي تتفاوتُ بين ٩٠٠ ألف (نحو ١٢ دولار) وثلاثة ملايين ليرة (ما يعادل ٣٨ دولار)، وهو ما اضطرّها للاعتماد على المستوصفات العامة التي تقدّم خدمات الرعاية الصحية للاجئات/ين بالتعاون مع المفوضية السامية للاجئين، وتبلغ كلفة المعاينة فيها مئة ألف ليرة لبنانية.
قد يبدو هذا الرقم زهيداً، فهو يعادل الدولار الواحد تقريباً (حين إعداد هذه المادة خلال شهر أيلول ٢٠٢٣) لكنّه لن يبقى كذلك عندما نعلم أنّ هؤلاء النساء يعتمدن مع أسرهنّ بشكلٍ شبه كامل على مساعداتِ المفوضية العامة لشؤون اللاجئات/ين، والتي تبلغ ٢٥ دولاراً أمريكياً للعائلة المكوّنة من خمسة أشخاص فأقل، و٢٠ دولاراً تقدّم على هيئة سلّة غذائية.
يجبرُ هذا الواقع الممزوج بين العزلةِ القسرية التي تفرضها السلطات اللبنانية على اللاجئات/ين السوريات/ين بعيداً عن المجتمع وكافة مجالات العمل والحياة، والمساعدات الشحيحة التي تقدّمها المفوضية لجزءٍ من العائلات، النساءَ على وضعِ طعامِ أطفالهنّ أولوية على صحتهنّ الجنسية والإنجابية، وهي واحدة من آليات "النجاة" التي اعتمدن عليها في ظلّ ظروفٍ غير اعتياديةٍ كالانهيارِ الاقتصادي.
تقولُ خولة "بهي الميتين أو المية ألف يلي بدّي جيب فيها فوط أو روح عالدكتورة، فيني اشتري شي أعمل منه غدا لأولادي، ولو كان شوربة".
من جهتها، تعرّف منظمة الصحة العالمية الصحة الجنسية والإنجابية على أنّها حالة من السلامة الجسدية والنفسية الاجتماعية الكاملة في جميعِ الأمورِ المتعلّقة بالجهازِ التناسلي. وتشمل التمتّع بحياةٍ إنجابيةٍ مُرضيةٍ وآمنةٍ، والقدرة على إنجابِ الأطفال، وحريّة القرار فيما يتعلّق بإنجابِ الأطفال وموعده وعدد مرّاته.
وللحفاظ على الصحةِ الجنسيةِ والإنجابيةِ، يحتاجُ الإنسان/ة إلى الوصولِ للمعلومات الدقيقة والمعاينة الملائمة بسعرٍ معقول، إلّا أنّ الذهاب إلى المستوصف أيضاً لم يكن سهلاً بالنسبة لخولة، ولا متاحاً طيلةَ الوقت، فالعيادة النسائية تفتحُ أبوابها ليومٍ واحدٍ فقط في كلّ أسبوع. ويتعيّن على النساء المحتاجات لزيارتها أن يخرجن من الصباح الباكر لتحصيلِ دورٍ للمعاينة.
"قصدت المستوصف عدّة مرات بعد أن تغيّبت دورتي لمدّة شهرين، كنت أنتظر من الساعة السابعة صباحاً، وكثيراً ما ينتهي الدوام عند الساعة الرابعة قبل أن يصلني دور المعاينة إليّ"، تضيف خولة.
اضطرتْ للذهابِ عدّة مرات، والانتظار طويلاً حتى حالفها الحظ بالدخولِ إلى المعاينة، فعلمتْ هناك بأنّها حامل. حاملٌ في بلدٍ منهارٍ داخل مخيّم لا تستطيع تأمين أقل متطلبات الحياة فيه. تردف، وهي تزيحُ بيدها الغبارَ عن الأرضيةِ الإسمنتيةِ للخيمة "أخبرت الطبيبة أنّني لا أرغب باستكمال الحمل، ولا أودّ الاحتفاظ بهذا الجنين، فأجابتني أنّ الجنين لديه نبض وإجهاضه غير قانوني كما أنّها خدمة لا يقدّمها المستوصف".
"بهي الميتين أو المية ألف يلي بدّي جيب فيها فوط أو روح عالدكتورة، فيني اشتري شي أعمل منه غدا لأولادي، ولو كان شوربة".
في هذا الخصوص تذكر المفوضية العامة لشؤون اللاجئين/ات في موقعها الإلكتروني توضيحاً عن نشاطها فيما يخصّ الصحة الإنجابية أنّ الخدمات التي تقدّمها "تولي احتراماً للعادات الدينية والثقافية المختلفة"، وهو ما يفسّر عدم تقديم الإجهاض كخدمةٍ طبيّةٍ في المستوصفات التابعة للمفوضية، أو المتعاقدة معها.
ليست العادات والتقاليد فقط ما يقف عائقاً أمام الإجهاضِ الآمن للنساء، فالقانون اللبناني يجرّم الإجهاض، في المادة رقم ٥٤٢ من قانون العقوبات التي تنصّ على "من أقدم بأيّ وسيلة كانت على تطريح امرأة أو محاولة تطريحها يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات حتى ولو كان بموافقتها"، فيما تتضمّن المادتان ٥٣٩ و ٥٤٠ من القانون نفسه "يعاقب حتى من يعمل على نشر وسائل الإجهاض أو توزيعها أو تسهيل استعمالها، وكذلك من يبيع أو يعرض للبيع تلك الوسائل بالحبس والغرامة".
وعليه، كان على خولة البحث عن طريقٍ للإجهاضِ خارج المستوصف، إلا أنّ المشافي القليلة التي تجري هذه العملية تكلفتها ٩٠٠ دولار أمريكي، أمّا في العيادات الخاصة فتكلفتها ٤٠٠ دولار. ولأنّها لا تملك المبلغ لم تستطعْ التخلّص من الحمل. تختم حديثها بالقول "كنت أودّ لو أنني أجهضت داخل مشفى، على سريرٍ نظيف، لكنّ التسعمئة دولار التي طلبت منّي للحصول على الإجهاض داخل مشفى حالت دون ذلك".
ويعدّ الإجهاض في العياداتِ الخاصة بظروفه الحالية إجهاضاً غير آمن، نظراً للمعايير الطبيّة التي يجب على الإجراءِ الجراحي تحقيقها ليصنّف آمناً، وهو ما علّقت عليه طبيبة نسائية لبنانية رفضت التصريح عن اسمها لما يترتب على الإدلاء بتصريحاتٍ حول الإجهاض من مساءلة قانونية، "الإجهاض الآمن يتم بطريقتين، الأولى عن طريقِ حبوب الإجهاض التي تكون فعالة وآمنة لآخر الشهر الثالث من الحمل، تُعطى حسب تعليمات مقدّمة الرعاية الصحية للمرأة، أما الطريقة الثانية فهي في المستشفى ضمن غرفة عملياتٍ مجهزةٍ ومعقمةٍ، تتضمّن طبيبَ تخديرٍ ومعدّات، ومتابعة طبية للحالة الصحيّة للمرأةِ تمتد بعد إجراءِ الإجهاضِ بيومين، وتراعي المضاعفات التي يمكن أن تتعرّض لها المرأة المجهضة من نزيفٍ أو غيره".
بحسب منظمة الصحة العالمية في تقرير نشر في أواخر عام ٢٠٢١ يتسبّب الإجهاضُ غير الآمن بما يتراوح بين ٤.٧ و١٣.٢٪ من وفياتِ الأمّهات سنوياً. وتشيرُ التقديراتُ في البلدان المتقدّمة إلى أنّ ثلاثين امرأة تلقى حتفها من بين كلّ مئة ألف حالة إجهاض غير آمن، بينما يرتفع هذا العدد في البلدان النامية إلى ٢٢٠ وفاة من بين كلّ مئة ألف حالة إجهاض غير آمن.
كما يشيرُ التقريرُ إلى أنّ عدد النساء اللواتي عُولجن في المستشفيات جرّاء مضاعفات الإجهاض غير الآمن سبعة ملايين امرأة في البلدان النامية وحدها.
رحلة بين خطرين
اختبرتْ سمر، وهي لاجئة سورية (اسم مستعار/ ٣٢ عاماً)، تجربةَ الإجهاض غير الآمن عام ٢٠٢٢، عندما كانتْ في الشهرِ الثالث من الحمل ولكن بخطورةً مضاعفة. تستذكر الحادثة بكثيرٍ من الأسى، فتقول "خاطرت بحياتي، وتعاملت مع مهرّب أقلني في سيارته نحو الأراضي السورية بعد أن فقدتُ الأمل من أن أستطيع تأمين الإجهاض هنا. قصدتُ عيادةً في حمص، وكنت خائفة طيلة الطريق وأرتعب عند كلّ نظرة يوجّهها المهرّب نحوي لكنني كنت على يقين من أنّني لا أريد هذا الجنين، وهذا ما كنت أقوله لنفسي كي أشتّتَ انتباهي عن الخوف".
الفرق بين الإجراء في لبنان أو سوريا ليس الأمان، بل المبلغ المدفوع، ففي لبنان يتوجّب عليها دفع مبلغ ٤٠٠ دولار لإجهاضٍ غير آمن، في عيادةٍ خاصةٍ غير مجهّزة، الأمر ذاته من الناحية الطبيّة سيحدث في سوريا التي يجرّم قانونها الإجهاض أيضاً، ولكن تكلفة هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر مع إجراء العملية "لم يصل إلى ربع المبلغ المطلوب في لبنان، بحسب سمر.
خلال محاولتها الحصول على الإجهاضِ تعرّضتْ للكثير من اللّوم، إن كان من قبل الأطباء الذين عاينوها أو من قبل المقرّبين منها. تعلّق على ذلك قائلة "يصفون محاولة الإجهاض بأنني أريد قتل طفلي، القطة تأكل صغارها حينما تشعر بالخطر المحدّق بهم، أعلم أنني لست هرّة، لكن عليهم أن يعلموا أيضاً أنّ الإنجاب في ظروف كهذه قتلٌ لي وللطفل".
ما زالت سمر حتى اليوم، وبعد سنة من العمليةِ تُعاني من آلامٍ دائمة، ونزيفٍ متكرّرٍ، كما يتعذّر عليها الوصول إلى الخدمات الصحيّة اللازمة أيضاً بسبب ارتفاعِ كلفتها.
تستذكر سمر، صديقة لها اسمها سميرة كانت حاملاً حين هجرها زوجها، وهي في العشرينات من عمرها، فأرادت التخلّص من الحمل "ذهبت لإجراء العملية في إحدى عيادات البقاع، وتوفيت بعدها بأيام. لم نستطع رفع دعوى فالطبيب لبناني ونحن لا حول لنا ولا قوّة".
غياب الأوراق الثبوتية واللجوء، والعزلة الاجتماعية التي تختبرها اللاجئات، جعلتهنّ الفئة الأكثر هشاشة، وبالتالي الأكثر تضرّراً من الانهيار على صعيدِ العنايةِ بصحتهنّ الإنجابية، ووفق إحدى العاملات في مجالِ الصحةِ الجنسيةِ والإنجابية (رفضت نشر طبيعة عملها خوفاً من الملاحقة والتجريم) "الانهيار الاقتصادي جعل الوصول إلى هذه الخدمات أكثر صعوبة، بشكلٍ عام كما صعّب الاحتفاظ بحملٍ مرغوب فيه بالاستناد إلى عدّة أسباب يذكر منها اضطرار عائلتين أو أكثر إلى تشاركِ مسكنٍ واحد، وهو ما يحصل بالفعل داخل مخيّمات اللجوء التي تعاني أصلاً من وصمةِ كثرةِ الإنجاب، وهو ما يحوّل خيار الاحتفاظ بالحمل من عدمه إلى شأن عام يتباحثه المجتمع والسلطة ويلقون باللوم من خلاله على النساء وعائلاتهن بذريعة تسببهنّ/م بالانهيار".
وتضيف "تجريم الإجهاض لا يستطيع منع النساء من التخلّص من الحمل غير المرغوب فيه، إنّما يجعل هـذه العملية غير آمنة وخطرة، كما يجعلهن عرضة للاستغلال المالي والابتزاز الجنسي من خلال التوّجه إلى عياداتٍ غير شرعية".
الامتيازات تؤمّن الإجهاض
على عكس الأخريات، كان لكلّ من منال وحنان تجربة مختلفة مع إجهاضٍ آمنٍ في بيروت، فرغم أنّ الأزمة المالية الناتجة عن الانهيار أتت على الجميع، وأنّ تجربة الإجهاض في ظلّ قانون يصفه بالـ"الجريمة" فيها من الصعوبة ما يكفي، إلّا أنّ النساء اللواتي ينتمين إلى طبقةٍ ماديةٍ ميسورةٍ استطعن تأمين الإجهاض داخل مستشفى كما لو أنّها عملية تجري في بلدٍ متماسك، في وقتٍ يظلّ فيه التجريم القانوني عثرةً أمام الجميع.
حنان (اسم مستعار ٣٢ عاماً)، مواطنة لبنانية أجرت إجهاضاً آمناً العام الماضي داخل إحدى مستشفيات بيروت. تقول: "كلفتني العملية ٩٠٠ دولار، وبطبيعة الحال أُدرجت العملية تحت استطباب آخر، فأُجريت على أنّها إزالة أكياس عن المبيض بدل الإجهاض لأنّه ممنوع، ولكنها كانت خالية من التعقيدات. قصدت طبيبي الخاص الذي أجرى لي فحص «الإيكو» وتبعه فحص الدم للتأكد من أنّ نسبة هرمون الحمل طبيعية، ثم حدّدنا موعداً للعملية التي لم تأخذ أكثر من ربع ساعة، وبقيت بعدها ليومين في المشفى من أجل متابعة حالتي الصحية".
بحسب منظمة الصحة العالمية يتسبّب الإجهاضُ غير الآمن بما يتراوح بين ٤.٧ و١٣.٢٪ من وفياتِ الأمّهات سنوياً.
أما منال (اسم مستعار/ ٢٨ عاماً) لاجئة سورية، فقد كانت "محظوظة" بامتيازها الاجتماعي الذي تمثّل بدائرة من العلاقات والصداقات الآمنة المتصلة بجهاتٍ أو ناشطاتٍ يعملن بشكلٍ فرديٍّ وسريٍّ على تأمينِ حبوب الإجهاض من خلال إحضارها معهنّ من أوروبا، وتوزيعها مجاناً للنساء الراغبات بالإجهاض، فكانتْ هي واحدة منهنّ.
تقول "كان عمر الحمل ١٢ أسبوعاً، استطاعتْ صديقتي تأمين حبوب الإجهاض لي مجاناً. حبتان، الأولى اسمها «الميفيبرستون»، مهمتها فصل كيس الحمل عن الرحم لتسهيل نزوله، أمّا الثانية فهي السايتوتك، تساعد على تدفق الدم والتخلّص من كيس الحمل والأنسجة المغذية له".
وتتابع قائلة: "شرحت لي صديقتي بالتفصيل كيفية استخدامها بعد التواصل مع إحدى الجهات التي تقدّم هذه الإرشادات بمساعدةِ طبيبات، أو من خلال التثقيف الذاتي، لأنّ الطريقة نفسها موجودة على الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية. كان الأمر سهلاً جداً بالنسبة إليّ، أشبه بآلام الحيض، ولم أعاني بعدها من التهابات أو أيّة عوارض أخرى".
ثم تنهي حديثها معنا بالقول: "ولكنّني أعتبر نفسي محظوظة، فالوصول إلى هذه الحبوب ليس يسيراً، أولاً هي غير متوّفرة في لبنان، بل يتم إحضارها من قبل بعض الجهات والناشطات بشكلٍ سرّي وتُوزّع حسب الحاجة وضمن دوائر معيّنة، لأنّ توزيعها يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون كما أنّه من الممكن طلبها أون لاين، لكنها عملية معقدة ومكلفة".
ومن الجدير بالذكر أنّ أدوية الإجهاض هذه مدرجة ضمن قائمة الأدوية الضرورية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، لكنّ ثمنها الذي يتراوح بين ١١٠ و١٣٠ يورو يطرح سؤالاً حول إمكانيةِ تأمينها لنساءٍ يقبعن في مخيّمات، وصّفت وضعها دراسة للأمم المتحدة بأنّ "تسعاً من كل عشر أسر سورية تعيش في فقر مدقع وأن متوسط الديون المتراكمة على الأسر قد ارتفع بنسبة ١٨ في المئة، إذ بات يقارب ١,٨٤٠,٠٠٠ ليرة لبنانية للأسرة الواحدة". هذه الدراسة نشرت عام ٢٠٢٠ ولا شكّ أنّ الوضع اليوم أصبح أسوأ بأضعاف ممّا كان عليه في ذلك الوقت.
على وقعِ تسارعِ الانهيار الاقتصادي، الذي تقوده وترعاه السلطات اللبنانية، ذاتها التي تجرّم الإجهاض، تتراجع قدرة النساء على الوصول إلى الخدمات الصحية المتعلّقة بالإنجاب، تحديداً اللاجئات اللواتي يفتقرن إلى المال، ولا يصلن إلى شبكات العلاقات الاجتماعية، أو حتى الافتراضية لتأمين المستلزمات، أو الحصول على استشارة ما.
ولا يمكن الاعتماد على "الامتيازات" للقول أنّ الإجهاض الآمن متاح وموجود، لأنّها حالات فردية تشكّل جزءاً من صورةٍ عامة، تعاني فيها النساء على اختلافِ جنسياتهنّ وطبقاتهنّ وقصصهنّ لانتزاع حقِ الإجهاض الآمن أمام مشرّع ما يزال يعتبره جرماً.