في حين لا يتأتّى لأيِّ من الهُويّات الجندرية على اختلافها حريّة التعبير عن ميولها الجنسيّة في دمشق، يواجه مجتمع الميم تحدّيات مرتبطة بالميل الجنسي والهُويّة الجندريّة، ولكن طبيعة هذه التحدّيات وسياقها يمكن أن يختلفا بناءً على عوامل الأدوار الاجتماعيّة للجنسين وتوقّعات المجتمع.
تتمتّع المثليات أو العابرون الذكور بقبولٍ أكبر من المجتمع بالمقارنة مع المثليين والعابرات، لكنهن في المقابل يُواجهن (أستخدم جمع التأنيث للمثليات والعابرين اجتهاداً واختياراً، لا أتبع فيه قواعد اللغة العربية التي تجمع بالتذكير جماعة الإناث والذكور)،تنميطاً وانحيازاً أشدّ باعتبارهن من النساء، ما يحدّ من فرصهن لعيش علاقاتهن كما يرغبن. تُلصق بالرجولة في سوريا صفات مستحبة، فتُقابل المثليات بارتياحٍ أكبر ممّن حولهم باعتبارهن (مسترجلات)، في الوقت الذي تُمارس كراهيّة النساء بأعنف أشكالها ضدّ المثليين والعابرات وتحطّ من شأنهم.
مثلي مثلك
غالباً ما تُواجه المثليات تمييزاً على أساس الجنس، فيلعب التحيّز ضدّ المرأة دوراً كبيراً في التحدّيات التي يواجهنها، بما في ذلك قضايا مثل الجنسنة (sexualization) للعلاقات المثليّة النسائية وتقليل قيمة علاقات النساء في مجتمعٍ أبوي، لا يعتبر علاقات الإناث جنساً (حقيقياً)، إذ تخلو من الإيلاج القضيبي ومن خطر فقدان ما يسمّى بغشاء البكارة. غالباً ما يتركّز التمييز ضدّ المثليين على توجههم الجنسي دون الطبقة الإضافية من التمييز القائم على الجنس، لكنهم يواجهون رهاباً أكثر حدّة ضدّ المثلية والعبور، خاصة في السياقات التي تُقدّر فيها الرجولة التقليدية. تصعد النساء درجةً باقترابهن من سلوكيّات تُنمّط بذكورتها، يصبحن (أخوات رجال)، يُعتمد عليهن أكثر لأداء مهام متنوّعة تُلصق بالذكر عادةً. الذكور يهبطون درجة باقترابهم من سلوكيّات الإناث، لعبورٍ جنسي أو سمعةِ علاقةٍ يكونون فيها الطرف الذي يُولج به. دينياً، ينظر المجتمع لمثليّة النساء بشكل أقل صرامة، نتيجة تركيز النصّ القرآني على العلاقات المثليّة الذكوريّة (اللواط) وتحريمها بشكلٍ صريح، دون التطرّق بمثل تلك المباشرة إلى العلاقاتِ الأنثويّة. تتمتّع المثليّات لهذا كله برضا عن أنفسهم وقبول أكبر بالمقارنة مع المثليين، ما يتيح لهنّ إيجاد سبل تصالح نفسيّة أجدى، ولو في ممارسةٍ تُعاش في السرّ أصلاً.
المحو والتشييء
قد يتم التغاضي عن علاقاتِ المثليّات أو تجاهلها بسبب التوقّعات المجتمعيّة عن (طهارة) النساء المُفترضة أو الصور النمطيّة حول صداقاتِ النساء، وتشاركهن تفاصيل العناية بالنفس أو المرور بتقلبات الدورة الشهريّة، التي تُفضي إلى شكلٍ من الحميميّة المقبولة اجتماعياً. يؤدّي هذا إلى (محو المثليات)، حيث تُمحى الهُويّات والعلاقات المثليّة النسائيّة أو لا تُؤخذ على محمل الجد. يفيد عدد من الذكور في دمشق بعدم اعتبارهم علاقات النساء مهدّدة ولا يعتبرون انخراط شريكاتهم بعلاقةٍ جنسيّة مع أنثى أخرى خيانة، بقدر ما تتراوح آراؤهم بين تصنيف تلك العلاقات كخللٍ أخلاقي أو عنصر إثارة لهم كذكور. علاقاتُ المثليين غالباً ما تكون أكثر وضوحاً وتُعرف بشكل أكبر على أنّها علاقات رومانسيّة أو جنسية، ما قد يؤدّي أيضاً إلى أشكال أكثر وضوحاً من التمييز والعنف ضدّهم. ترتبط رؤى المجتمع الدمشقي للميول المثليّة لدى الذكور بالتسيّب الجنسي والإيدز والساديّة والماسوشية، فيما لا تُلاحظ ميول النساء، وتعتبر (صبينتهن) طيشاً يمكن مداواته ببعض المساحيق والملابس الداخلية المخرّمة، وقد تختبأ تحت غطاء الولع بالرياضة، فلا تُلام ولا تُنتقد. جنس النساء يعتبر مداعبة، أو لعباً لجذب الرجال، ولا ينظر له كجنس أصلاً، خاصة في بعض الأفلام الإباحيّة، ما يقلّل من قيمة علاقاتهن، على صعوبة إنشائها بالدرجة الأولى.
تسرد المثليات في دمشق وريفها حكايات عن مرافقة حبيبات لحفل الزفاف مُرغمات على تجاهل ما كان بينهن يوماً
مساحات ضيّقة
تجد المثليّات عناءً في العثور على مجتمعاتٍ داعمة، فالإناث في دمشق أكثر تحفّظاً من الذكور حيال علاقاتهن، هنّ مُتكتمات بفعل الضرورة أو العادةـ وإن خرجن عن صمتهن، فغالباً ما يجدن تخوّفات تصمهن بالتحرّش أو تبالغ في التحفظ وإخفاء الجسد أمامهن، وكأنّ النساء اللائي يبحثن بينهن عن شريكات، يُلمن فيهن ميلهن لهن أكثر من الذكور. كثيراً ما تجد المثليات أنفسهن مادةً للتجربة من الإناث، اللائي لا يأخذن العلاقات المثليّة الأنثوية بجدّية، ويعود ذلك لتوقّعات المجتمع التي تدفع بالإناث للتفكير بالزواج والإنجاب كنهايةٍ حتميّةٍ لحياتهن العاطفيّة، وعدم إتاحة هذا الواقع في سوريا بعد، حتى ولا ذكره. تسرد المثليات في دمشق وريفها حكايات عن مرافقة حبيبات لحفل الزفاف مُرغمات على تجاهل ما كان بينهن يوماً.
لدى المثليين بشكل عام شبكات اجتماعيّة أكثر واستقراراً، لكنها حصرية واستبعادية تجاه المجموعات الأخرى من مجتمع الميم. وفي حين يتأتّى للذكر مساحة خصوصيّة أكبر وامتيازات باعتباره ذكراً، من الخروج بحريّة إلى التمتع بغرفة خاصة (كثيراً ما يعطى الأخ الذكر في المجتمعات الدمشقية -وفي ريف دمشق بشكل خاص- غرفة خاصة، بينما تحشر الأخوات في غرف مشتركة. يعلل هذا بالانتعاظ الصباحي لدى الذكور، وضرورة نيل الذكر خصوصيّة أعلى لذلك)، ومن توفّر الأماكن العامة والرياضية كمساحاتٍ ذكورية بامتياز، يتعرّض الذكور المثليون لقمع أكبر بالضرورة، نتيجة احتكاكهم مع المجتمع بشكلٍ أعمق وأكثر علنيّة وانفتاحاً، من الأحاديث المفتوحة مع سائقي التاكسي إلى نصائح رجال الدين. تتناولهم التعليقات بضرورة الالتزام بالمظهر الذكوري المعياري، فيما تُبارك ملابس النساء الفضفاضة والعمليّة وابتعادهن عن التركيز على إبراز أو كشف أجسادهن.
السلامة والممكن
تواجه المثليات إشكاليات تتعلّق بصحتهن، فلسن بقادرات على إجراء عمليّات التحويل الجنسي والعلاج الهرموني حسب رغبتهن، كما يتم تجاهل احتياجاتهن من قبل أطباء وطبيبّات النسائيّة، وقد لا يتورّع مقدّم الرعاية الصحية عن توجيه ملاحظاتٍ مُسيئةٍ لهن. في الوقت نفسه، يعاني الذكور من واقعٍ مماثل، لكن إمكانية وجود أطباء لإجراء عمليّات التحويل الاختياري إلى الأنوثة تبدو ممكنة على قلّتها، في الوقت الذي تنتظر فيه المثليات العابرون طريقة تسمح لهن بالسفر ليفكرن بتحوّل كذاك.
التعبير عن النشاط الجنسي بشكلٍ علني، يبدو مشابهاً للتعبير عن النشاط السياسي أو اللاديني؛ غير محقّق ما زالت الحريّة مجالاً مغلقاً أمام التنظير والتجريب من السوريات والسوريين.
يعتبر الاغتصاب أو التحرش التصحيحي عنفاً موجهاً وقائماً ضد كثير من المثليات في دمشق وريفها، رغم ترحاب المجتمع بالسلوك الذي يوصف بالذكوري بالحيز العام، إلا أن إدراك وجود نشاط جنسي مثلي قد يعتبر مستفزاً في بعض السياقات، أو مثيراً أو أمراً يتم تجاهله كميول والتركيز على النشاط الجنسي بحد ذاته كدافع للتحرش. يتعرّض المثليون لجرائم كراهيّة أو استغلال جنسي بدرجةٍ أعلى نتيجة التواجد العلني أو إظهار الميول بشكلٍ واضح، بينما تشغل المثليات مجتمعات النساء المغلقة، والتي تكون أكثر أماناً في معظم الأحيان.
تقاطعات
يبدو أنّ تقاطع الميول الجنسيّة مع الجندر تكلّف المثليين امتيازات معيّنة، غالباً ما تتعلّق بالالتزام بمظهر وسلوك الذكورة التقليديّة، في حين تدفع بالمثليّات إلى الرضوخ لمعايير تحدّ من حياتهن كاملة. لكنها في الوقت نفسه تخلق محدوديّة وتوقّعات أقل للمثليات، تسمح لهن باستغلال المساحات الخاصة، وعيش حياة سريّة بشكلٍ أسهل، ما يسمح لهن في مدينةٍ كدمشق بالنجاة بأقل الأضرار، في الوقت الذي لا يبدو أنّ راحة الذكور في الحيّز العام تفيد أصحاب الميول المثلية بالكثير، بل قد تتسبّب بأفعالِ كراهيةٍ أعنف واستغلال أكبر.
لا يبدو أنّ الخروج من الخزانة مُتاح حتى لأصحاب الميول المغايرة، في أيّ وقتٍ قريب، رغم أنّ النشاط والوعي الخاص بمجتمع الميم والحريّات الجنسيّة في زيادة لا نقصان، لكن التعبير عن النشاط الجنسي بشكلٍ علني، يبدو مشابهاً للتعبير عن النشاط السياسي أو اللاديني؛ غير محقّق ما زالت الحريّة مجالاً مغلقاً أمام التنظير والتجريب من السوريات والسوريين.