"اختطاف" فني لمشروع ماروتا .. مقابلة مع أنطوان شابون مخرج فيلم "البستان" المشارك في برليناله


04 آذار 2025

سليمان عبدالله

صحافي سوري مقيم في ألمانيا، يكتب في مواضيع الهجرة والنقاش العامة المرتبطة بالهوية والعنصرية والفن.

بدت هتافات "الشعب يريد اسقاط النظام"، و"حرية حرية حرية"، التي وضعها المخرج الفرنسي أنطوان شابون في مشهدي افتتاح وختام فيلمه "البستان"، وترددت في صالات عرض مهرجان برليناله منتصف شهر فبراير/ شباط الحالي، صدى للاحتفالات بسقوط النظام السوري قبل شهرين.

عبر فيلمه الوثائقي (٢٣ دقيقة)، المشارك في قسم "المنتدى الممتد"، يروي المخرج أنطوان، على لسان شاهدي فيلمه باسمة وأنس، قصة تدمير نظام بشار الأسد لبيوت سكان منطقة بساتين الرازي في دمشق، عقاباً على مشاركتهم في الاحتجاجات ضد نظامه، بحجة تنظيم المنطقة عمرانياً.

المخرج الذي يجمع في أعماله السينما والرسوم المولدة بالكومبيوتر والأرشيف، (يختطف) مع شاهديه وسوريين آخرين مشروع نظام الأسد، مدينة ماروتا، المقام مكان بيوت سكان بساتين الرازي، عبر تعديل تصاميم المدينة المتوفرة على شبكة الانترنت، وإضافة رسوم غرافيتي اشتهرت خلال الثورة، ونبات الصبارة الذي يحوله المخرج والسوريون/ات المشاركين في الفيلم إلى رمزٍ لمنطقتهم.

تتحدث باسمة وأنس في الفيلم، كيف غيّر مشروع ماروتا بيئة البساتين باقتلاع أشجار الزيتون والصبارة، وزرع أشجار نخيلٍ مكانها. وتجادل باسمة، التي أُخرجتْ من بيتها قبل تدميره، بأنّ من سيقيم في ماروتا سيتي سيجدها بلا روح، وفيها رائحة دم، دم الكثيرين من الأبرياء، ممن قُتلوا برصاص النظام، أو قهراً على بيوتها وأشجارها.

على هامش المهرجان، التقيت مع المخرج أنطوان شابون وكان معه هذا الحوار التالي:

1.كيف بدأت العمل على المشروع، وما كان دافعك لصناعة فيلم عن سوريا؟

عندما كنت أدرس قبل عشرة أعوام في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية في باريس، حضرت فصلين عن الثورة السورية. كنت مهتماً، وسياسيّاً على وجه التحديد، بما يحدث في سوريا، وقد تأثرت حقاً بذلك. ثم التقيت بأصدقاء مثل خالد ضوا ودنيا الدهان وريم علي. أخبروني الكثير عن التعذيب في السجون السورية وعن الثورة السورية. تأثرت كثيراً بذلك.

بدأ المشروع بعد أن التقيت بمحمود حمود الذي ساعدني في العثور على سوريين/ات كانوا يعيشون في حي بساتين الرازي في دمشق. في البداية لم أُرِدُ أن أصنع فيلماً عن سوريا، بل عن هذا الحي والمشروع العمراني الجديد، الذي أراد له الأسد أن يكون الوجه الجديد لسوريا، مؤكداً على مدى جمالها. تحدثنا عن هذا الحي ومشروع ماروتا سيتي عدة مرات، على مدار عدة أشهر. لم أكن أريد حتى صُنع فيلمٍ عن المشروع، ولكن خطوة بخطوة، اعتقدت أنه سيكون من المثير للاهتمام أن نلتقي بالناس لإظهار التناقض بين مدينة ماروتا سيتي الفارهة الجديدة، وما كان يحدث بالفعل في بساتين الرازي.

٢. عادة ما لا يعرف صانع/ة الفيلم الوثائقي النتيجة النهائية في بداية العمل. هل لك أن تتحدث عن مراحل صناعة الفيلم؟

عندما بدأنا، أنا والمنتجون، بالكتابة عن الفيلم لجمع التمويل، كان الأمر يتعلق بسوريٍّ التقيته في جبل لبنان. كنت مهتماً بحياته كبستانيٍّ كان يعمل في بساتين الرازي في سوريا ثم في لبنان، مما يعطي إحساساً بهذا الارتباط بين عمله في كلا البلدين.

عشت في لبنان في عام 2019 لأتعلم اللغة العربية الفصحى لمدة شهر في جامعة القديس يوسف، لكنني نسيت كل شيء تقريباً (يقول ضاحكًا). ومنذ ذلك الحين، زرت لبنان عدة مرات.

منذ البداية، كنت متأكداً من أنني سأستخدم الأنيمشن لإظهار دعاية الأسد وشركات الاعمار. كانت نيتي أن أعرض هذه الرسوم المتحركة الرائعة والراقية إلى جانب قصص الناس الذين كانوا يعيشون هناك.

تتحدث باسمة وأنس في الفيلم، كيف غيّر مشروع ماروتا بيئة البساتين باقتلاع أشجار الزيتون والصبارة، وزرع أشجار نخيلٍ مكانها. وتجادل باسمة، التي أُخرجتْ من بيتها قبل تدميره، بأنّ من سيقيم في ماروتا سيتي سيجدها بلا روح، وفيها رائحة دم، دم الكثيرين من الأبرياء، ممن قُتلوا برصاص النظام، أو قهراً على بيوتها وأشجارها.

ثم التقيت بالكثير من السوريين من بساتين الرازي. ساعدني محمود، الذي ذكرته للتو، في مقابلة حوالي ستةٍ ممّن شهدوا ما حصل.

بعد أشهر من البحث فكّرتُ؛ سيكون من المثير للاهتمام أكثر أن أُظهر أنس وباسمة فقط في الفيلم، يتحدثان عن ذكرياتهما في البساتين، أولاً لأن عائلتيهما كانتا تعرفان بعضهما بعضاً، وثانياً لأنهما من جيلين، هو في الثلاثينيات من عمره وهي أكبر منه. بنتْ باسمة وزوجها منزلهما في بساتين الرازي. وهذا قوّى ذكرياتها عن منزلها. وبالإضافة إلى أنّ بطليّ الفيلم، القادمين من البساتين، يشيران إلى بيتيهما على الخريطة، نرى دمشقيين آخرين في الفيلم، يجلسون أيضاً أمام أجهزة الكمبيوتر. ثم هناك عشرة دمشقيين آخرين يرددون الشعارات.

استغرقت عملية تصوير الفيلم بأكمله خمس سنوات. هذا وقتٌ طويل، لكن هذا طبيعي إذا أردت أن تروي قصتهم بشكل ملائم، لا أن تستغلها. يمكنك أن تتخيل عدد المقابلات التي أجريتها مع السوريين على مدى فترةٍ طويلة من الزمن. لم تكن باسمة متأكدة من رغبتها في المشاركة في البداية، فقد فكرت ”ماذا يعرف هذا الرجل الفرنسي عن بساتين الرازي، وماذا يريد؟“، ثم تحسنت الأمور بعد ذلك.

"أثر الأشباح" .. خلاص السوري عبر محاسبة جلاده

06 أيلول 2024
يتناول المخرج الفرنسي جوناثان ميليت موضوعي العدالة في سوريا والخلاص من التراوما في فيلمٍ إنساني مشوّق، عُرض في مهرجان كان قبل أشهر، يدور حول مطاردة ناج من معتقلات النظام السوري...

٣. نسمع الشهود وهم يروون ذكرياتهم، لكننا لا نرى وجوههم لأسباب أمنية. هل من الصائب أن نفترض: لو كنت قد صنعت الفيلم بعد سقوط نظام الأسد، كنا سنرى فيلماً مختلفاً؟

طوال فترة صناعة الفيلم، وكذلك جمع التمويل، حرصت على حماية هوية المشاركين فيه، من خلال تغيير الأسماء في ملف الفيلم. أثناء التصوير، طلبت منهما تغيير المكانين اللذين يشيران إلى أنهما كانا يعيشان فيه. أنت لا تعرف أبداً ما يمكن أن تفعله المخابرات السورية.

إنه أمر مثير للاهتمام. قبل أيام قليلة، عندما كنا نتحدث أنا وصديقتي السورية دنيا (التي شاركت في الفيلم أيضاً) وكنت أسجل مقابلة ”زووم“، قالت لي ”أنطوان، أنت أكثر ارتياباً منا نحن السوريين، فيما يتعلق بالتواصل“.

لذلك بالطبع لم يكن بإمكاني إظهار الوجوه. كان السؤال هو كيفية إظهار المشاعر. ولكن بعد ذلك قررت أن أظهر الكثير من الأيدي، فمن خلالها يمكنك أن تتخيل صاحبها وعمره، كبيراً أكان أم صغيراً. ويمكن للأصوات أن تنقل الكثير من المشاعر. كانت باسمة غاضبة... كانت تبكي.

عندما قابلت مديرة التصوير السينمائي جولييت بارات والمونتيرة لورا ريوس آران، قدّمت الفيلم لهما كفيلمٍ عن الأيدي والأصوات.

وعندما سقط الأسد، اتصل بي الشهود وقالوا: بإمكاننا أن نصنع فيلماً آخر يظهر وجوهنا. ولكن كما نعلم، يستغرق الأمر وقتاً طويلاً.

الآن بتنا في عهدٍ آخر؛ هل أصبح بإمكان الشهود في فيلمك أن يذكروا أسماءهم الكاملة؟ ربما، ما زلنا حذرين، علينا أن نسألهم.

٤. الآن بتنا في عهد آخر؛ هل أصبح بإمكان الشهود في فيلمك أن يذكروا أسماءهم الكاملة؟

ربما، ما زلنا حذرين، علينا أن نسألهم.

٥. من المفهوم أن فيلمك سياسيٌّ للغاية. هل يمكنك شرح قرارك بتضمين الهتافات المؤيدة للثورة في المشهدين الأول والأخير من الفيلم؟

كان لدينا بضعة أيام في التصوير. اعتقدت أنه، وكوننا لا نملك الوجوه، فقد يكون من المثير للاهتمام إدخالُ أناشيد وأغاني الثورة. السوريون العشرة الذين نراهم في الفيلم يغنون العديد من الأغاني. لم نضمّن الفيلم سوى عددٍ قليل منها. تمّ تصويرهم وظهورُهم إلى الكاميرا.

لذا في الواقع، اخترتها لأن ذلك يتماشى مع الصور. أعني، عندما يبدأ الفيلم، نرى الرسوم المتحركة للمدينة، ثلاثية الأبعاد، معلقةً في السماء. ظل الشاهدان يقولان لي أن الأمر بدا لهما وكأنه وهم، سراب. ففكرتُ: لنصنع سراباً، وعلى النقيض من ذلك أردت أن أصنع كولاجاً عبر أجزاء من أغاني الثورة السورية مثل ”حرية“ و”جنة جنة“ التي هي جزءٌ من الثورة، على غرار الغرافيتي.

كما أنني اعتقدت أنّ وجودها في الفيلم مهمّ، فحين لا نرى وجوه الشخصيّات الرئيسية في الفيلم، يمكن للهتافات أن تحمل مشاعرها.

٦. عندما تشاهد الفيلم، يتولد لديك انطباعٌ بأنه يدور حول مجموعة من الأشخاص اليائسين من رؤية وطنهم سوريا مرةً أخرى، ويرون في هذا المشروع خاتمةً تساعدهم على المضي في حياتهم قدُماً. 

لقد صنعنا الفيلم قبل سقوط نظام الأسد. مشاهدتي للفيلم الآن، بعد رحيل الأسد، تؤثّر بي. في المشهد الذي تقرأ فيه باسمة بعض الكتابات على الجدران، اخترت اثنتين منها: ”سننهي قصتنا وسنعود“ والآخر ”المدن الخاوية لا تتنفس، سنعود“. هنا نسمع دنيا تتساءل عن ذلك بيأسٍ وسخرية: 'نعم، سنعود. بالطبع سنعود'. وها نحن الآن نشاهد الفيلم وقد عاد الكثير من السوريين/ات إلى دمشق.

الأفلام السوريّة.. هل تُنتج لجمهور غربي؟ وهل يشاهدها السوريون/ات؟

03 تشرين الأول 2024
ما هو الفيلم السوري؟ كيف يتم إنتاجه؟ وهل يتم إنتاج الأفلام السوريّة لجمهور غربي؟ وهل يمكن الحديث عن موجة سينمائية جديدة في سوريا؟ هذه الأسئلة وغيرها تعالجها هذه الدراسة.

٧. بالحديث عن سقوط النظام، هل فكرت في مونتاج الفيلم ليكون فيه إشارة إلى سقوط النظام في النهاية، قبل تقديمه إلى مهرجان برليناله؟

فكرت في ذلك، لكن مع معرفتنا بالموعد النهائي للتقديم، لم نتمكن من القيام بذلك.

لقد صنعنا الفيلم قبل سقوط نظام الأسد. مشاهدتي للفيلم الآن، بعد رحيل الأسد، تؤثّر بي. في المشهد الذي تقرأ فيه باسمة بعض الكتابات على الجدران، اخترت اثنتين منها: ”سننهي قصتنا وسنعود“ والآخر ”المدن الخاوية لا تتنفس، سنعود“. هنا نسمع دنيا تتساءل عن ذلك بيأسٍ وسخرية: 'نعم، سنعود. بالطبع سنعود'. وها نحن الآن نشاهد الفيلم وقد عاد الكثير من السوريين/ات إلى دمشق.

٨. بطريقة ما، يبدو فيلمك وداعاً للذكريات الجميلة، وللحيّ الذي فقده السوريون/ات. والآن أصبحت العودة بالنسبة لأبطال فيلمك ممكنة.

أرسل لي محمود نصاً باللغة العربية، هو مسودة قرارٍ متداول على وسائل التواصل الاجتماعي، يقول إنّ بناء ماروتا سيستمر، وحين سيكتمل أول مبنى، سيُعطى لأهالي البساتين الذين فقدوا منازلهم. سيكون هذا لطيفاً إن صدق الخبر، لأن النظام طرد الكثيرين من منازلهم وأزال مبانيهم.

حاول الكثير من أهالي البساتين، ولا يزالون، البقاء في ضواحي دمشق الأخرى. وكما تعلم، كان السكن في وسط المدينة مكلفاً جداً، أما الأحياء الأخرى، مثل داريا واليرموك وجوبر، فقد سُوّيتْ بالأرض.

أعني، حتى لو أرادوا شراء شقةٍ في ماروتا سيتي خلال حكم الأسد، لم يكن ذلك ممكنًا. كانت باهظة الثمن.

٩. هل زارت شخصيتا فيلمك سوريا بعد سقوط الأسد؟

أجل بالفعل. لكن العودة إلى أجلٍ غير مسمى سؤالٌ مختلف.

١٠. لقد أصبح الصبّار نبتةً رمزية لبساتين الرازي، خاصة في المشهد الذي (تخطفون) فيه مواد التحريك في ماروتا سيتي.

نعم، لقد (اختطفنا) فيديوهات ماروتا التي تم نشرها على قناة يوتيوب. بينما كنا نكتب الفيلم، كنت أنا ودنيا ومحمود ولاورا نتبادل الأفكار. ماذا يجب أن نفعل بهذه الرسوم المتحركة المبهرة؟ كان لدينا الكثير من الأفكار، مثل تركيب حرائق أو حشود ثورية عليها، لكننا اعتقدنا أنها ليست شاعرية. ثم توصلنا إلى فكرة وضع رسوماتٍ ثورية سورية على الجدران. وجدنا الآلاف منها على موقعٍ سوري اسمه الذاكرة السورية، إن لم تخني الذاكرة.  كنت قلقاً من أن تمر كتاباتنا على الجدران من دون أن يلاحظها الجمهور. لذا، قررت أن أضيف الصبار إلى الفيديوهات لأنني اعتقدت أن الأمر يتعلق بالنباتات والأشجار.. فهي متجذرة في الأرض منذ مائتي عام، حتى قبل أن يحكم آل الأسد في سوريا. إنه بيانٌ شاعري. أخبرتني دنيا، إحدى بطلات الفيلم، أنها كلما فكرت في بساتين الرازي تفكر في الأشجار في السماء، معتبرةً أنه يمكننا استخدام خيالنا كأداةٍ للمقاومة.

١١. هل تخطط لعرض الفيلم في دمشق؟

هذا ممكن، لكنني في الوقت الحاليّ لا أعرف كيف. أودّ أن يعرض الفيلم حتى في مبنى في ماروتا سيتي. سيكون ذلك مثيراً للاهتمام.

 شكراً أنطوان وحظاً موفقاً.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد