يدي تحضن بطاقة سفري: برلين- بيروت ثم إلى السويداء يوم 15 تموز.. وحقائبي محزومة. فيها شوكولا لأهلي، فلم يذوقوها منذ زمن.. فيها هدايا عمليّة لهم وكومة ثياب لي، فسوف أقيم هذه المرة طويلاً هناك.. تدغدغني الخيالات.. سوف تلاقيني ألف ضحكةٍ وضحكة، أشبع من عناقهم أولاً، أنام آمنةً في سريري العتيق، أفيق، أشرب قهوتي العربية مع زوجي.. وأنطلق، كأي إنسانٍ عاديّ، للعمل في عيادتي وافتتاح مركزٍ لتعليم وتمكين النساء، وأتابع كتابتي من أرضٍ أشعر بصلابة صخرها تحت قدميّ كما لم يمنحني أيّ مكانٍ آخر..
13 تموز/ يوليو
تطلع الأخبار؛ بدأت الاشتباكات وأُغلقت المعابر للخروج من السويداء.. فقط إليها، ولجماعاتٍ بعينها. جماعاتٌ منفلتة تجتاح القرى الغربية والشمالية من ريف السويداء، تقتل وتحرق البيوت، تقتطع الزيتون ثم تحرق البساتين، وينزح أهل القرى أفواجاً، عميان العيون عن وجهةٍ محدّدة يلوذون إليها. جماعاتٌ من درعا تهاجم القرى الجارة لدرعا، قرية "الدويرة" في الريف الغربي، مسقط رأسي ومسكن أخوالي، وجارتها "تعارة" المولودة بمعظمها من انتقال أبناء الدويرة إليها، تحترقان، كذلك قرية "الدور" و"الطيرة".. ثم أبعد، "الثعلة"، "كناكر"، "عرى".. ومن الريف الشمالي.. من "الصوة الكبيرة" حتى تخوم "أم الزيتون".. قرى كثيرة، كثيرة، واشتباكٌ بين الدروز والبدو في السويداء، معمعاتٌ تجول وتستشري وتتوسع، ويا هلع قلبي من أن تعمّ!
أهرع إلى مكتب السفريات، سأؤجل سفري أسبوعاً، أطمئن نفسي: سيدخل الأمن العام ويفضّ الاشتباك وتهدأ المدينة ومن بعدها ريفها.
يقول صاحب المكتب: أجّلي أكثر.. أو لا تسافري!
أنا محبوسةٌ في برلين..

14 تموز/ يوليو
انطباعاتٌ أوليّة عن عودتي الخاطفة إلى سوريا/ السويداء
07 شباط 2025
خوفي صار حقيقة، صار رعباً شخصيّاً هذه المرّة.. أهلي كلهم في السويداء، وأختي نزحت من قرية "نجران" إليها، وقد وصل المهاجمون إلى تخوم مدينتنا! كلّ أنسيٍّ، كل شبرٍ منها يعنيني، لكنّ سلامة أهلي هي الهاجس الأمضّ، الأمضّ..
زوجي، الطبيب الجراح أسامة أبو الحسن بقي حتى ما بعد منتصف الليل في المشفى، يشتغل، وفق الحاجة، طبيباً وممرّضاً وعتّالاً وعامل تنظيفاتٍ معاً، ومعه ابن أختي تيم، طالب سنة رابعة طب، بعدها غادرا ليرتاحا قليلاً ويعودا في الصباح التالي.
أتصل بأمي، يرنّ هاتفها ولا تردّ. أمي لا تردّ! ما الذي يمنع أمّاً عن الرد على هاتف ابنتها؟ أُسكّن قلبي: يمكن مشغولة، الموبايل بعيد عنها، ما سمعت.. أكتب لأختي نهى، تقول بهدوءٍ ضاعَف رعبي: "الكهرباء والماء والإنترنت مقطوعة، نحن في البيت، أبي يرفض الخروج، تجهّزنا بالعصيّ وسكاكين المطبخ، وقنبلة، خيارٌ أخير، نشدّ صاعقها لتقتلنا إذا ما، لا سمح الله، لم يقتلونا إنما قرروا خطفنا.
تتقاتل خيالاتي ما بين خيارات الحرق والقتل والإصابات وخطف النساء.. يتوضّح بسرعةٍ قياسيّة، أنّ الجماعات المنفلتة ليست إلا قوى الأمن العام ومَن تنكّروا بزيٍّ آخر، تحت قيادته وتوجيهه، فهذا الأمن العام لم يدخل، ولو برتلٍ نظاميٍّ واحد، عبر طريق دمشق السويداء، بل كانوا هم عصابات الغزو التي بدأت منذ أمس باجتياح الريف من كل مكانٍ ما عدا طريق دمشق السويداء، المغلق بأمر الحكومة منذ يومين.
الشريان الرئيس والوحيد للمحافظة مغلق، ولا ماء ولا كهرباء ولا محروقات ولا انترنت.
السويداء محاصرة.
15 تموز/ يوليو
انقلب العالم صباحاً، سيطر الغزاة على المدينة، أهلها ينزحون إلى القرى الشرقية والجنوبية من ريف السويداء، التي لم يُشنّ هجوم من صوبها.
تكتب أختي نهى: "أختي شفيقة وعائلتها صاروا في صلخد، نجوى وأولادها صاروا في امتان.. آمال عالقة في دمشق حيث كانت في زيارة عمل، أخي قاسم حمل بشاحنته الصغيرة (بحجم سوزوكي لكنها صناعة صينية) زوجته وأولاده وزوجة وأولاد أخي سامي إلى قرية الكفر، الآمنة حتى حينها، وأنا وأمي وأبي وبقيتنا ما نزال في بيتنا.
يكتب زوجي: أنا محبوسٌ في البيت، حذّروني أنّ الطريق إلى المشفى ساحة معارك، هذا غير القنّاصين.
أكتب لأختي نهى، تقول بهدوءٍ ضاعَف رعبي: "الكهرباء والماء والإنترنت مقطوعة، نحن في البيت، أبي يرفض الخروج، تجهّزنا بالعصيّ وسكاكين المطبخ، وقنبلة، خيارٌ أخير، نشدّ صاعقها لتقتلنا إذا ما، لا سمح الله، لم يقتلونا إنما قرروا خطفنا.
أقرأ على فيسبوك: *قنص الدكتورة فاتن هلال برصاصة في رأسها وهي في طريقها إلى المشفى. أُكذّب الخبر. د. فاتن زميلتي وطبيبتي.. طيب وأخلاق الدنيا يجتمعون فيها.
*مجزرة لرجال آل رضوان المجتمعين، مدنييّن عُزّلاً، في مضافتهم، أجسادهم مشلوحة على أرضها، دمهم يعوم، صور المجاهدين على جدارها مثقبة بالرصاص. يا ربّ الكون: هذه المضافة ليست بعيدةً عن بيت أهلي، أهمس لنفسي.
*عجيان يحلقون شوارب شيخٍ ثمانينيّ، ليوافق السُّنّة النبوية، يقولون هازئين، ويده نصف اليابسة لا تطاوعه في ردعهم عن أحد رموز كرامته. سأعرف فيما بعد أنه الشيخ مرهج شاهين، هجموا على مضافته في قرية الثعلة وهو بين تشكيلة دلال القهوة والنحاسيات التي يهوى جمعها، ويقال إنّ طعم قهوته لا يُضاهى..
* أربع إخوة من آل قرضاب، جامعيون وطلاب جامعة، صفّوهم بالرصاص أمام عيون أمهم وأبيهم.
*تناشد صبيّة: "نداء لمن يعرف أي خبر عن رجال عائلتي، ثمانية من آل سرايا، حسام من بينهم يحمل الجنسية الأمريكية، أخذهم الأمن العام".
شخصياً، أعرف نصف هؤلاء الرجال، أضبط حدسي يتمتم: لن يأتيها سوى خبر شؤمٍ حلّ بآل سرايا.
رحل "الغالي" من دون أن يودّعنا
29 أيار 2025
كلّ ما كان رعب خيالٍ تجسّد صوراً واقعية. الكوابيس التي راودتْنا ونحن نقرأ عن مآسي (الآخرين)، أصبحنا، نحن، في قلب دائرتها.
تكتب أختي نهى: لا ترسلي رسائل صوتية، اكتبي فقط باختصارٍ شديد، فنحن نقنّن وحدات الموبايل، لا صلة لنا بالعالم سواها، أخبرنا قاسم أنه أوصل الأطفال والنساء وهو في طريق العودة. تكتب بعد قليل: تأخّر قاسم، وهاتفه لا يردّ..
أخي قاسم يشتغل في الخبز ولم يحمل سلاحاً يوماً..
تكتب شقيقتي نهى بعد قليل: بعد عشرات الاتصالات الخائبة على موبايل أخي، ردّ صوتٌ غريبٌ على آخرها، يضحك: "قاسم؟! إي معنا.. ذبحنالكن اياه من الذينة للذينة".. سمعتها أمي التي أنجبتْ تسع بنات قبل أن يأتيها قاسم..
أتحجّر في زاوية الكنبة في شقتي البرلينية الصغيرة، أصطكّ كلّي.. من شعر رأسي حتى أخمص قدميّ، أسمع اصطكاكي كأنه قرقعات جسدٍ غريب عني، آتٍ من عالمٍ آخر.. أسمع لساني، كأنه لا ينتمي إليّ، يتمتم بالـ (اللجمات) التي سمعتها من ستّي قبل خمسين سنة، علّمتنا كيف نقولها إن صادفَنا كلبٌ هائج، وظننتها اندثرتْ مني منذ أصبحتُ خرّيجة كلية الطب، العلمانية.. فإذا بها تتلبّسني ويتمتم لساني وقلبي بها من برلين.. عسى فيها شفاعةً لأخي..
لا أستطيع ضبط أصابعي لتعاود البحث عن رسالة واتساب جديدة من أختي. بكل عسر، أضبط أصابعي لتنقر حروفاً كثيفة، بالعدد الأقل من النقرات، سؤالاً مختصراً لزوجي الطبيب، يُفترَض أنّ أعصابه أمتن قليلاً من أعصاب الآخرين. "خيّي.. قاسم.. شو..؟" وعليه أن يجيبني فقط بكلمةٍ وحيدة: كذب.. ينشرون إشاعاتٍ توهن النفوس، أخوكِ بخير.. أخوكِ حيّ، وسأصدّقه لأنني لن أتقبّل أن يكتب لي سوى ما أريد سماعه..
يكتب لي زوجي: "سأذهب الآن للبحث عنه على طريق الكفر"، حيث يفترض أن يكون أخي.
يتكثّف وعيي على غير انتظار: "إياك أن تغادر البيت..". أردع زوجي، بعنف، عن إسعاف أخي أو حتى حمل (جثته). جثّته! يا للكلمة الطاعنة. زوجي سند أهلي بعد أخي، ولا تحتمل عائلتي خساراتٍ جديدة..
جسدي يصطكّ، أفكاري تنمعس، تنهرس، تتطعّن؛ كيف هي حال أمي الثمانينية الآن؟ هل طقّت وماتت؟ كيف هو أبي، 85 عاماً، الجويّد الوقور الصبور ذو الشاربين الأبيضين المسترسلين دون تشذيب، كما خلقهما الله، واللحية البيضاء الطويلة؟ هل لا يزال على رزانته؟ هل طقّ صبره هو الآخر وفقعتْ روحه بصمت؟
تكتب شقيقتي نهى بعد قليل: بعد عشرات الاتصالات الخائبة على موبايل أخي، ردّ صوتٌ غريبٌ على آخرها، يضحك: "قاسم؟! إي معنا.. ذبحنالكن اياه من الذينة للذينة".. سمعتها أمي التي أنجبتْ تسع بنات قبل أن يأتيها قاسم..
تكتب أختي: "أبي سيذهب الآن إلى شيخ العقل، يوسف جربوع، ليتأكد منه حول خبر أخي، وليساعده رجال الشيخ جربوع في معرفة مكانه لاستعادة جثته..". هل من حقي ردعُ أبٍ عن محاولة أي فعل لينقذ ابنه أو (جثة) ابنه؟!
نعم وفقط نعم. من حقي أن أُحذّر أبي، الحيّ حتى اللحظة، من احتمال الموت أو الإهانة. فلا انترنت لدى أهلي ليروا على فيسبوك فيديو مجزرة آل رضوان ولا فيديو حلاقة شوارب الشيخ الثمانيني، في لحظةٍ أخال جرماً شبيها يُرتكَب بأبي فيما لو أمسك به البرابرة، أكتب لأختي: "إياكم أن يخرج أبي أو أحدكم من البيت..".
أصحو من اصطكاكي على رنين هاتفي، أستوعب أنّ ثلاث ساعاتٍ قد انقضت. زوجي يغامر باتصالٍ صوتيّ يستهلك وحداتٍ هاتفية ثمينة، هي الثروة الأغلى وسط الحصار: "قاسم حيّ، أوصله أحدٌ ما إلى المشفى، سمعتُ صوته فيما الممرّض يخيط جراحه.. لم يذبحوه.. جراحٌ فقط.. فقط أخذوا سيارته وموبايله.."
سوف يتوضّح الخبر فيما بعد:
أمّن أخي قاسم على أطفال عائلتنا وقسمٍ من نسائها وعاد. في طريق عودته رأى نساءً ورجالاً جرحى، أصعدهم معه إسعافاً إلى المشفى الوطنيّ. أنزلهم وتابع إلى البيت. رأى شابّاً ومعه طفل، أصعدهما، الشاب يريد تأمين الطفل ثم يأخذ سلاحه من بيته ويلتحق بالمقاتلين.
قال أخي للشابّ: "الطريق الذي تطلبه خطر.. أوصلُك إلى أقرب مسافةٍ ممكنة منه، ويبقى ابنك عندنا في البيت". فجأةً أوقفهم حاجزٌ لجماعة الأمن: طلبوا الموبايلات.. لا شيء لفتَهم في موبايل أخي. في موبايل الشابّ الراكب معه صورةُ رفيقٍ له، مع بارودته، وتسجيلٌ صوتيٌّ من ذلك الرفيق: "إذا استشهدت، اعمل صورتي ستوري على واتساب". صاح رجل (الأمن العام): آه يا خنازير، انزلوا من السيارة. أبعدوا الطفل جانباً.. بطحوا أخي في عربة شاحنته، وقربه مرافقه الشابّ، الذي لم يسأله أخي عن اسمه، صعد بعضهم فوق جسديهما.. وساق أحدُ الجنود شاحنة أخي.
السويداء/ دمشق: عاد الطريق وغابت الطمأنينة
05 حزيران 2025
لا أحد يعلم ماذا حلّ بالطفل المتروك على الطريق..
في العربة الصغيرة وقف جنودهم على ظهر أخي ومرافقه، يرفسونهما ويضربون ويضربون ويقولون (يا خنازير)، وأخي لا يعرف أنه يُضرب بالسكين. قال أخي إنه لم يشعر بألم بل بثقل رفسات أبواطهم، سمع أحد شباب الأمن يقول لرفاقه من جماعتهم: (خلينا نزتّه)، شعر أنه يريد إنقاذه حقا.. شكراً من القلب لهذا الجندي الصغير الطيب. يتذكر أخي أنه، وفيما يرمونه، رأى أبواط الجنود ملطخةً بالدم، حينها تحسّس ظهره، فامتلأت يده بالدم، وأفاقت أوجاع جسده كله..
قبل أن يُغمى على أخي، يذكر أنّ أحدهم سقاه ماءً، وكان هذا الطيّب يُعطي ظهره لزملائه كي لا يروه يسعف جريحاًز. لا يعرف أخي مَن ولا كيف أسعفوه.. كان ظهره مليئاً بطعناتٍ من رأس سكين، أحدها اخترق عضلة في كتفه، لم يتوقف نزفها إلا في المشفى بعد الخياطة، هو ما أخبر أحدُ الممرضين لزوجي على الهاتف.
لم يكونوا قد ذبحوا أخي (من الذينة للذينة) كما أخبروا أهلي، كان فقط خطاب ترهيبٍ وإرعاب.
خرّجوا أخي من المشفى لاكتظاظه بمصابين جراحهم خطيرة، مشى بصعوبة إلى بيت أقارب لنا قرب المشفى، بقي عندهم ليومين لا يستطيع الوصول إلى البيت، وأبي وأمي وأخواتي وحدهم فيه..
16 تموز/ يوليو
المشفى محاصر بالدبابات، صباح ذلك اليوم. قتلوا زميلنا الدكتور طلعتْ عامر، وهو من أمهر جرّاحي سوريا، على حاجز قرب المشفى، فيما كان متوجهاً ليقف إلى جانب الطاقم المحاصر داخله. قالوا لزوجته على الهاتف: "بدلته الخضرا صارت حمرا".
انتشر فيديو إعدام آل سرايا رشاً بالرصاص في ساحة خلدون زين الدين، بثّه القتلة أنفسهم.
هجموا ظهراً على بيوت حارة أهلي، وهي من أفقر الحارات، نائيةٌ عن كل حاجزٍ أو نقطة اشتباك، وقد هشل كثير من سكانها منها. ركَن رجال الأمن العام سيارتهم أمام بيت أهلي، ودخلوا. قال لهم أبي: "إذا جايينا ضيوف تفضلوا البيت بيتكن ونسقيكم قهوة.." أشار واحد منهم بيده إلى لحية أبي، وأبي رجل دين، 85 عاماً، ويمشي على عكاز، قال له: "مبيّن من ذقنك إنك شيخ عشيرة.. هات خبرني: مين هو الهجري؟. شيخي. تبرّأ منه. لن أتبرّأ. اشتمه. لن أشتمه. إذاً أنت معه!. هذا شيخ طائفتي. لن أشتمه، ولستُ مع أحد!
صوّب رجل "الأمن العام" سلاحه إليه. قال أبي وهو يستند على عكازه: "ان كنت زلمي صفّيني..". ركضت أختي نوال، وقفت أمام أبي وصاحت: "اقتلوني أولا ثم اقتلوه..". أسرعتْ أمي الثمانينية على عكازها وانضمّت لأختي: "اقتلنا إلنا بالأول وبعدين اقتلوه.." كأن يد رجل "الأمن العام" لم تطاوعه بالضغط على الزناد، لا بدّ أنه تربّى لدى أمّ طيّبة أحسنت تربيته. مضوا وتركوهم أحياء..
صوّب رجل "الأمن العام" سلاحه إليه. قال أبي وهو يستند على عكازه: "ان كنت زلمي صفّيني..". ركضت أختي نوال، وقفت أمام أبي وصاحت: "اقتلوني أولا ثم اقتلوه..". أسرعتْ أمي الثمانينية على عكازها وانضمّت لأختي: "اقتلنا إلنا بالأول وبعدين اقتلوه.." كأن يد رجل "الأمن العام" لم تطاوعه بالضغط على الزناد، لا بدّ أنه تربّى لدى أمّ طيّبة أحسنت تربيته. مضوا وتركوهم أحياء..
اكتشف أهلي بعد مغادرتهم، أنهم سرقوا المال وكثيراً غيره من بيت أخي، وحطموا آلة العود التي يتدرب ابنه على العزف عليها.
وصل خبر استشهاد إياد ابن عمي، المتديّن الروحاني، بحُسن أخلاق يوسف الصديّق، خطّاطٌ فنّان، عدوّ كل سلاحٍ أو معركة، قُتل في بيته.
مساء، وحين غادر الجنود الحارة، تجرأ أهلي على العبور إلى بيوت الجيران الملاصقة، ليكتشفوا أنّ سبعةً من الشباب العُزّل، في البيوت الملاصقة لبيتنا، (أسماؤهم عندي اسماً اسماً..) مقتولين في بيوتهم، وحلقوا شوارب ثلاثة آخرين من رجال الدين أعمارهم تتجاوز الستين، وخطفوا اثنين منهم، وأخذوا كل المال والذهب وموبايلات الجميع.
أشرد وأضبط نفسي أبتسم وسط نحيبي الصامت.. نبيل، أحد المقتولين، رفيق طفولة، كان يصنع لنا من أعواد القمح (زمّيرات)، ما كان أعذب صوت الصفير الطالع منها!
17 تموز/ يوليو
نساءٌ يُحاورن الحجر ويكسرن تابوهات الحاضر
10 حزيران 2025
تكتب أختي: "كل لحظة عم نكتشف خازوق جديد..". تكتب: "أحصينا اليوم قتلى جدد في البيوت الأبعد قليلاً عن بيتنا (موثقين عندي بالأسماء): أيمن وابنه رمّاح، عاصم، أمجد وأخوه وأولادهما الأربعة، عصام وأخوه، وابن عصام الذي عثروا عليه مختبئاً في خزّان فقتلوه. ضرب مبرّح وحلاقة شوارب لرجلين مسنّين وثالث شابّ. حرق: 2 بولمان وميكروباص واحد و3 سيارات. سرقة 4 سيارات. تكسير زجاج سيارة. تقطيع أسلاك سيارة". حرق بضعة بيوت. سرقة معظم البيوت. أسماء الضحايا وأصحاب البيوت والسيارات موثّقة عندي.
اتصالات من الموبايلات المسروقة، شتمٌ لدينهم، استجرار الأهل إلى أماكن ما، ربما بهدف خطفهم أو ترويعهم وبثّ إشاعاتٍ لا تُحصى..
تكتب أختي في رسالة أخرى: اليوم سمعتْ بخبر اختطاف ابنة خالي، كان ذلك منذ 4 أيام. لا أتذكر إن كان في اليوم نفسه أو الذي بعده، عندما رأيتُ لقاءً على تلفزيون العربي مع رجلٍ بلباس العشائر يضع نساء في المقعد الخلفي لسيارته. قال إنه يتوجّه صوب درعا، خلفه امرأةٌ تتحجب على طريقة السّنّة وتتكلم باللهجة الدرزية: هني قالوا بدهن ياخذونا معهن".
تنشب أحداث الساحل في رأسي.. تصفعني كلمة (مخطوفات..)، تتوالى الأخبار: خطف نساء من قريباتنا في الريف، بعضهنّ كنّ في المزارع حول القرى، بعضهن كنّ لائذاتٍ في المزار الدينيّ، ضربوا الرجال على رؤوسهم، كتبت امرأة نجا موبايلها منهم: "أكلونا بعيونهن.. قلت له لا تتطلّع فينا هيك.. قال لي: حقّكن رصاصة..). سوف أعرف فيما بعد أنّ ثمة رجال أولاد أصول في درعا هرّبوا سرّاً قسماً من النساء إلى جرمانا.. وبعضهن لا يزال مصيرهن مجهولاً حتى اليوم.
اليوم 03.08.2025 ما تزال السويداء محاصرة..









