بقعة ضوء على المجتمع المدنيّ السوريّ : الحلقة السادسة

المجتمع المدني يرفع صوته حيال مجازر السويداء في ظل صمتٍ حكوميّ


ولّدت الأحداث الدموية التي وقعت في السويداء، واستهداف المدنيين من الطائفة الدرزية والبدو، ردود فعل قوية من قبل المجتمع المدني، الذي وثق الانتهاكات، ووجه انتقادات للسلطات الانتقالية بخصوص إدارة الأزمة. الكثير من الأصوات طالبت بالابتعاد عن التجييش الطائفي والمزيد من إراقة الدماء، وبناء حوارٍ عام، بغية التوصل إلى حلٍّ سياسيّ شامل لكل سوريا. في ظل حصارٍ خانق، يتحدث عن تفاصيله ناشطو السويداء يومياً، تكاثرت الدعوات إلى رفعه، فيما تنفي الحكومة فرضه في المقام الأول.

05 آب 2025

شيلان شيخ موسى

صحافية وباحثة من سوريا، مقيمة في القاهرة، مختصة في شؤون الإسلام السياسي وقضايا الأقليات. لديها عدة مقالات وأبحاث ودراسات تعنى بالشأن السياسي والإقليمي والتحول الديمقراطي.

”بقعة ضوءٍ على المجتمع المدنيّ السوريّ“، سلسلةٌ تهدف إلى تسليط الضوء على أصوات منظمات المجتمع المدنيّ السوريّ والناشطين/ات والصحفيين/ات، والذين يدافعون عن الحلول الإيجابية وحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ووضعها في سياقها الصحيح.

السياق:

مأساةٌ أخرى شهدتها سوريا خلال الأسبوعين الماضيين، طالت الدروز في الجنوب السوري. بدأ المسار الكارثيّ للأحداث، في يوم 11 تموز/يوليو الجاري إثر تعرّض تاجرٍ درزيّ لتعذيب من قبل عشائر البدو المسلحة قرب طريق دمشق-السويداء، ما فجّر الاشتباكات، اتسعت رقعتها في غضون يومين بين العشائر والفصائل المحلية الدرزية، وفق "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، لتعلن الحكومة السورية لاحقاً أنها ستتدخل بشكلٍ مباشر عبر "وحدات من قوات وزارة الداخلية، وبالتنسيق مع وزارة الدفاع"، لـ"فض النزاع وإيقاف الاشتباكات، وفرض الأمن". لكن الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، المتشكك حيال حكومة دمشق الانتقالية، رفض دخول السلطات السورية، مطالباً بتوفير حماية دولية فورية.

في 14 تموز/يوليو، ومع دخول القوات الحكومية إلى السويداء، زادت حدة التصعيد العسكري بين مجموعات عشائر البدو وعناصر وزارتي "الدفاع" و"الداخلية" من جهة، والفصائل الدرزية من أبناء السويداء من جهة أخرى، وترافق معه نزوحٌ جماعي من القرى والأرياف.

بالتزامن شنت إسرائيل غاراتٍ على مواقع للجيش السوري قرب دمشق، ثم استهدفت مواقع استراتيجية في قلب العاصمة، كوزارة الدفاع وهيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي، للضغط على الرئيس الانتقالي أحمد الشرع للانسحاب من السويداء، مما أجبر الأخير على سحب قواته بالكامل بالفعل، وألقى خطاباً فجر يوم 17 تموز/يوليو، معلناً تكليف "فصائل محلية" وشيوخ الدروز بمسؤولية حفظ الأمن في السويداء. ورغم أن المدينة "بدت خالية من القوات الحكومية، لكن الوضع كان كارثياً مع وجود جثث في الشوارع"، وفق مدير شبكة "السويداء 24"، ريان معروف.

المأساة لم تنته هنا؛ نزحت عوائل البدو خوفاً من اعتداءاتٍ انتقامية من الدروز، وسُجلت انتهاكاتٌ من قبل الفصائل المحلية الدرزية ضدهم. فيما أعلنت العشائر العربية، في اليوم التالي، النفير العام وذلك "فزعة" لعشائر البدو في السويداء، وعلى إثره تجددت الاشتباكات، قبل التوصل إلى اتفاق تهدئة بوساطةٍ أميركية وعربية، وفق خطاب آخر للشرع في 19 تموز/يوليو. وبحسب آخر إحصائية لـ"المرصد"، فقد أسفرت المقتلة بالسويداء عن مقتل 1420 شخصاً، بينهم 250 امرأة وطفلاً جرى إعدامهم ميدانياً.

السويداء/ دمشق: عاد الطريق وغابت الطمأنينة

05 حزيران 2025
"لم يعد الطريق بين السويداء ودمشق كما كان. لا من حيث المرور، ولا من حيث المعنى. عادت السيارات، وعادت معها الحياة اليومية، لكن شيئاً في الداخل لم يعد يتحرّك بالسرعة...

تركّز هذه المادة على تفاعل المجتمع المدني مع أحداث وملابسات ما جرى بالسويداء، وبالأخص ممن تصدوا لخطاب الكراهية وحمولته الطائفية، فضلاً عن الدعوات لتعزيز السلم الأهلي، وكذا الانتقادات الموجّهة للحكومة على خلفية فرض الحصار على السويداء، الذي تنفي الحكومة وجوده.

محاولةٌ لتفسير خطاب السلطة مع تكرار الانتهاكات

غاب عن الخطاب الثاني للشرع بشأن أحداث السويداء، أيّ إدانة صريحة للانتهاكات التي ارتكبتها قواته، بما فيها الإعدامات الميدانية، والتي وثّقتها شبكات محلية، ومال إلى استخدام عباراتٍ مسيّسة، متكررة تتهم فئات من الدروز بالرغبة في"الانفصال" و"الاستقواء بالخارج".

الكاتبة السورية ريما فليحان علّقت على خطابه عبر فيسبوك، بالقول: إن الشرع "أشاد بطرفٍ ارتكب جرائم حرب، وامتدح دعمه للدولة، في حين وضع مكوناً سورياً كاملاً في موضع الاتهام، حتى وإن حاول التخفيف بالقول (البعض منهم)"، وهو ما اعتبرته فليحان "تحريضاً واضحاً".

وتقول الصحفية والكاتبة مناهل السهوي، وهي من عوائل ضحايا السويداء، إن "خطاب السلطة هشٌّ وموارب، لا يختلف عمّا اعتدناه في مجازر الساحل أو تفجير الكنيسة، ولا يبتعد كثيراً عن خطاب نظام بشار الأسد في ذروة قمعه. خطابٌ قائم على معادلة مكرّرة (مجموعات خارجة عن القانون، تدخّلٌ حاسم من السلطة، تعبئة الحواضن)".

وأشارت في حديثها لـ"حكاية ما انحكت"، إلى أن "المجازر والانتهاكات المتكررة، كشفت أن السلطة لا تزال تفتقر إلى أبسط مقومات الحكم، وتعتمد بدلاً من ذلك على التحشيد العشائري كوسيلة لإدارة الأزمات. فالموافقة الضمنية، بل والتسهيل الواضح لوصول بعض العشائر إلى المدينة لتنفيذ عمليات قتل بذريعة (تحقيق العدالة)، كشفت عن إدارةٍ ممنهجة للقمع عبر أذرع ميليشياوية. وبينما ترفض السلطة انتشار السلاح في يد أبناء السويداء، تغضّ الطرف عن سلاح العشائر، بل وتترك لهم الدور في التعامل مع ما تعتبره حالات مستعصية".

وفي شهادة خاصة لـ "حكاية ما انحكت"، اعتبر المحامي أيمن شيب الدين،  المقيم في السويداء، أن الجرائم في السويداء ترقى إلى وصفها بـ"جرائم حرب ممنهجة" وليست حوادث فردية، وأنّ "ما جرى لم يكن مجرد حرق منزلٍ أو اثنين، بل عمليات تدميرٍ واسعة النطاق، خصوصاً في ريف السويداء الغربي".

وأشار شيب الدين الذي يعمل على توثيق الانتهاكات مع العديد من النشطاء في السويداء، إلى أن القطع الكامل للاتصالات والإنترنت، وانتشار قوات الأمن والجيش والفصائل الرديفة من العشائر، شكّل عائقاً كبيراً أمام توثيق الانتهاكات والوصول إلى المعلومات.

ورأى أن القوات الحكومية قدمتْ تحت ذريعة "فض الاشتباك بين الدروز والبدو"، لكنها في الواقع "جاءت لإخضاع الدروز بالقوة، وتجريدهم من سلاحهم، وإهانتهم وإذلالهم"، في إشارة إلى مقاطع فيديو تظهر انتهاكاتٍ كقصّ الشوارب، وترديد عبارات مسيئة كـ"الدروز خونة" و"الدروز خنازير".

الشائعات.. كجذرٍ من جذور الطائفية

23 أيار 2025
يرفض المنخرطون في الصراع الطائفي تصديق الحقائق، هم لا يرون إلا أنفسهم كحقيقةٍ مطلقة ويقبلون أيّ خبرٍ يتوافق مع قناعاتهم الراسخة بخطر الآخر.

وتقول الناشطة المدنية والمديرة التنفيذية لمنظمة "مدنيّة"، سوسن أبو زين الدين خلال ندوةٍ لمركز "مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط"، (مع تأكيدها على أنها تتحدث بصفتها الشخصية ولا تمثل مدنيّة)، إن المشهد في السويداء معقّدٌ بطبيعته، مشيرةً إلى أن الحراك المدني كان ممتداً منذ أكثر من عام ونصف قبل سقوط نظام الأسد، بالتزامن مع بروز السلطات الدينية، وتحديداً الشيخ حكمت الهجري، بدعمٍ واضح من أطراف دولية تعاملت معه كبوابةٍ وحيدة للحراك، على حساب البنى المدنية والتنظيمات المجتمعية الأخرى، مؤكدةً أن الهجري لم يكن يوماً مرجعية جامعة للدروز، معتبرة أن احتكار مشهد الحراك أدى إلى خلطٍ كبير في الأوراق.

وتضيف: "رغم أن الهجري كان يطرح خطاباً يدعو لدولة ديمقراطية وعلمانية، وسط علاقته بالفصائل والأطراف الدولية، فإن هذا الطرح لا يعكس بشكلٍ كامل مواقف القوى الوطنية المدنية الفاعلة بالسويداء. وبالتالي هذا الخلط زاد من تعقيد المشهد، وسط حالةٍ من التجييش الطائفي والهجوم الكبير الذي طال المحافظة"، لافتة إلى أن هذه الأصوات المدنية نفسها باتت تُبدي اليوم عداءً جلياً للحكومة الانتقالية، نتيجة ما شهدته وتعتبره من تورّطٍ مباشر وغير مباشر للأجهزة الحكومية في المجازر التي وقعت في السويداء، وصولاً إلى خطاب لجنة "السلم الأهلي"، ومن ثم خطاب الرئيس الشرع عقب وقف إطلاق النار، معتبرةً أن كل ذلك أسهم في تعزيز قناعةٍ مجتمعية برفض أيّ دورٍ حكوميّ في مستقبل الحل السياسي في سوريا، على المدى القصير.

مستدركة، رأت أن الحلّ لا يكمن في الرهان على الحكومة الحالية، ومع ذلك هي مدخل الحل على المستوى المتوسط والبعيد، إلى جانب إجراءات بناء الثقة مع المجتمع المحلي (مثل السماح بدخول بعثة تقصّي حقائق دولية ومستقلة)، وتأسيس عمليةٍ سياسية حقيقية تعالج المخاوف والتعقيدات، ليس فقط في السويداء، بل في عموم الجغرافيا السورية.

دعوات السلم الأهلي تُجابه باعتداءاتٍ ورفض حكومي

وفي حين كانت الاشتباكات تدور على أشدها في السويداء، أثارت تصريحات بعض أعضاء "اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي" في سوريا، موجة انتقاداتٍ واستنكار، بعد أن عبّروا علناً عن دعمهم لعشائر البدو المتحالفة مع الحكومة ضد الدروز.

فقد كتب أنس عيروط، عضو "لجنة الحفاظ على السلم الأهلي"، عبر حسابه في منصة "إكس" يوم 18 تموز/يوليو، منشوراً ثمّن فيه تدخل العشائر، واصفاً ما جرى بأنه "فزعة نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف". وأضاف: "كم أفرحتم قلوب السوريين! وكم أثلجتم صدور الأمة ورفعتم رأسها!.. فالآن نغزوهم ولا يغزوننا"، في تشبيهٍ اعتبره ناشطون تحريضاً جلياً على العنف الطائفيّ، قبل أن يقوم لاحقاً بحذف المنشور بعد موجةٍ من الانتقادات.

في ظل هذا الوضع المحتقن بين الأطياف السورية، وما رافقه من خطاب كراهيةٍ وتجييشٍ إعلامي، أعربت 57 منظمة مجتمع مدني في 18 يوليو/تموز، عن قلقها الشديد إزاء التصعيد في السويداء. ودعت المنظمات إلى الوقف الفوري لأعمال العنف وحماية المدنيين/ات، وأدانت كافة الانتهاكات، بما في ذلك الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة. كما طالبت السلطات الانتقالية بوقفٍ فوريٍّ للقتال، وفتح تحقيقاتٍ شفافة في الانتهاكات، وحماية المدنيين والمرافق الطبية، وفتح حوارٍ وطنيّ يشمل جميع المكونات دون تمييز، والسماح للمنظمات الدولية بالوصول إلى محافظة السويداء.

منظماتٌ مدنية أخرى أصدرت بيانات مشابهة، إذ دعت منظمة "مدنيّة"، منتصف يوليو/تموز، الحكومة السورية إلى تحمّل مسؤولياتها في حماية المدنيين، وأدان مركز "وصول لحقوق الإنسان" في بيانه أعمال العنف أيضاً، مستنكراً موقف الحكومة "المنحاز سياسياً"، وعجزها عن حماية المدنيين.

وشهدت مناطق متفرقة من سوريا حراكاً مدنياً تضامنياً، أكّد على وحدة السوريين/ات ورفض العنف والاستقطاب الطائفي. ففي حلب، خرج الصحفي السوري محمد وسام في ساحة سعدالله الجابري، حاملاً لافتة عليها: "الحل العسكري يعني المزيد من الدماء.. من حلب هنا السويداء". لكن وسام تعرّض لهجومٍ حاد من بعض السوريين/ات، الذين ساءهم كما يبدو تضامنه كسنيّ مع الدروز في السويداء.

في 16 تموز/يوليو، انطلقت من اللاذقية حملةٌ مدنية نظّمها ناشطون/ات، عبر وقفةٍ رمزية دعماً للسلم الأهلي وتضامناً مع أهالي السويداء، رفعوا خلالها شعاراتٍ ضد الطائفية والسياسات الإسرائيلية. وقد أخفى المشاركون/ات وجوههم، خشيةً على أمنهم ومن انتقاماتٍ عشوائية قد تطالهم.

وظهرت منشورات ورقية في شوارع دمشق تحمل رسالة تضامنية واضحة في اليوم نفسه: "من شامنا لجبلنا، نحن واقفون معكم ضد كل ظلم، ضد كل دم.. ما بهمنا شو طايفتك، بهمنا إنك إنسان.. مع أهل السويداء". وشهدت دمشق، حملة تضامنية أخرى.

كذلك، أدان عددٌ من نشطاء المجتمع المدني الانتهاكات التي طالت مدنيين من أبناء البدو في السويداء، فقال المحامي والناشط الحقوقي محمد العبدالله، عبر منشور على "الفيسبوك"، إنه "تمّ توثيق حالات تهجيرٍ قسري طالت أبناء البدو، مع ظهور مقاطع مصورة تظهر إطلاق نار على منازلهم من قبل مقاتلين محليين". وجدّد العبدالله إدانته "لأي عمل عنفٍ يطال أيّ مدنيّ من أيّ طرف، من دون قبول أي مبررٍ لأعمال العنف والاعتداء".

لن أنادي بعد اليوم على أحدٍ يا بن عمي

28 حزيران 2025
خمسة رجالٍ من عائلتنا الصغيرة، خمسة رجالٍ دفنّا معا، ومئة قلبٍ من أقاربنا ما يزال ينزف وجعاً وحسرة. لن أنادي بعد اليوم على أحد يا بن عمي، لن يفتتح صباحي...

كما وعبّرت الصحفية رشا النداف عن أسفها لما آلت إليه الأمور، فكتبت: "يا كسرة قلبي يا أهلي.. يا كسرة قلبي يبطل عندكن إحساس بالأمان حوالينا"، مؤكدة عزمها على "النضال من أجل عودتهم إلى بيوتهم وأراضيهم". فيما عبّر الناشط المدني، يامن حسين، عن رفضه لأيّ تغييرٍ ديموغرافيّ: "ضد أيّة عمليات تهجيرٍ قسري، من القرى العلوية في شمال شرق حماة، مروراً بأرزة التي استُبيحت وتمّ احتلالها وتغيير اسمها إلى 'خطاب الجديدة'، وصولاً إلى بدو السويداء".

في 16 تموز/يوليو، تعرّض اعتصامٌ يطالب بوقف إراقة الدماء في سوريا، كان من المفترض أن يستمر يومياً من الساعة 6 إلى الساعة 10 مساءً أمام "مجلس الشعب" في دمشق، تعرّض لاعتداءٍ بالعصي على يد مجموعةٍ من المؤيدين للحكومة والأطراف المتحالفة معها. على هامشه، تعرضت الصحافية والناشطة زينة شهلا، المشاركة في الاعتصام، للشتم والاعتداء الجسدي. وعليه تم تعليق الاعتصام حتى إشعارٍ آخر، بعد يومين فقط من عقده.

زينة شهلا، المعتقلة السياسية السابقة لدى سجون نظام "الأسد"، وتشغل اليوم منصب مستشارة في لجنة المفقودين التابعة لدمشق، قالت في منشور على "فيسبوك": "اليوم نحنا وعم نمشي بنهاية الوقفة، هجمت علينا مجموعة من الأشخاص مسلحين بعصي خشبية.. وأحدهم تعرّض لي بالمسبات وضربني بالعصا على يدي وبعدها ضربني كفّ على وجهي.. كانت معظم الاتهامات أننا (عملاء وخونة)". وعليه، شدّدت على حاجة السوريين إلى "قوانين واضحة ورادعة لخطاب الكراهية". بالمقابل، لم يُسجّل أي ردٍّ للحكومة السورية أو تحرّكٌ لمحاسبة المعتدين.

وتعليقاً على ذلك، تقول الإعلامية ريمة نعيسة، إن "ما جرى ليس مجرد اعتداءٍ شخصي، بل اعتداءٌ على ما تبقى من نسيجنا المجتمعي، ومحاولةٌ لإجهاض أيّ حلمٍ ببناء دولةٍ تقوم على التعددية والتشاركية والعدالة والمساواة".

مع ذلك، استعادت الناشطة ريتا السليمان مشهداً آخر، يوحي بنوعٍ من التفاؤل، قائلة: "قبل أيام، في إدلب، وفي بيئة تخنق أصوات النساء، وقفت مجموعةٌ منهن أمام مديرية الصحة ورفعن لافتات كتب عليها: (دم السوري على السوري حرام)"، بتاريخ 16 تموز/يوليو.

تلك النساء، وفق سليمان، "لم يرفعن الصوت فقط، بل واجهن السلطة والمجتمع، واستُدعِين للتحقيق وتعرضن للتضييق والتهديد، فقط لأنهن قلن كلمة حقٍّ في لحظةٍ عزّ فيها الصوت". وتختم بالقول: "هؤلاء لسن عابرات في مشهد الاحتجاج، بل حارساتٌ للأمل وجزءٌ من ضمير هذا الوطن". لكن "مديرية الصحة" في إدلب، أصدرت بياناً استنكرت فيه الوقفة الاحتجاجية وهدّدت باتخاذ إجراءاتٍ قانونية وعقابية ضدهن.

وفي القامشلي الواقعة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، نُظّمت مجموعةٌ من الفعاليات المدنية في 25 تموز/يوليو، فحمل المشاركون لافتات كتبوا عليها: "تضامننا هو الحصن الأخير قبل الانهيار"، "نريد عدالة لا انتقاماً"، و"نريد دولة، لا غابة".

وفي سياق الدعوات إلى حوارٍ وطنيّ شامل لرأب الصدع بين السوريين ودرء التأجيج الطائفي المتزايد، أطلق عددٌ من الشخصيات السورية السياسية والحقوقية والمدنية، في 18 تموز/يوليو، مبادرة بعنوان "الإنقاذ الوطني السوري"، تهدف إلى تجنيب البلاد خطر الانزلاق نحو حرب أهلية، والدفع نحو حوار وطني شامل وجاد.

كذلك أُطلقت "مبادرة المئوية السورية" كمبادرة إنقاذٍ وطنية تتزامن مع الذكرى المئوية للثورة السورية الكبرى (1925-2025).

ووفق القائمين على المبادرة، فقد جاءت كردٍّ على ما وصفوه بـ"الكارثة الوطنية" التي ضربت المجتمع السوري مؤخراً، وهددت نسيجه ووحدته، نتيجة سوء إدارة السلطة المؤقتة للأزمات، واللجوء إلى "العسكرة والفزعة" بدلاً من "عقل الدولة والوفاق الوطني".

دعواتٌ لفك الحصار والحكومة تنفي

تسببت الأحداث في السويداء في نزوح وتهجير نحو 176 ألف شخص من السويداء ودرعا وريف دمشق، وفق "الأمم المتحدة".

كما وتشهد السويداء، منذ بدء الاشتباكات، تعطّلاً شبه كامل في خدماتها الحيوية، من المياه والكهرباء والاتصالات إلى الرعاية الصحية. وتعمل المستشفيات بالحد الأدنى من قدراتها، في ظل نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، ما أدى إلى توقف خدماتٍ طبية أساسية.

وقد أبلغت منظماتٌ أممية، من بينها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA) في 23 تموز/يوليو، و"منظمة الصحة العالمية" (WHO) في 25 تموز/يوليو، عن صعوباتٍ متزايدة في إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان، نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية، مشيرة إلى أن المرافق الصحية تتعرّض لضغطٍ هائل، حيث يعمل العاملون الصحيون في ظروف بالغة الصعوبة، ولا يزال الحصول على الرعاية الصحية يشكل تحدياً.

بقعة ضوء على المجتمع المدنيّ السوريّ : الحلقة الخامسة

22 تموز 2025
تفاعل المجتمع المدني السوري على نطاق واسع مع حرائق الغابات الضخمة التي اندلعت في ريف اللاذقية، في الساحل السوري. ولملمت هذه الكارثة البيئية شتات السوريين/ات، من المؤيدين للسلطات السورية الجديدة...

ورغم دخول قوافل إغاثيةٍ محدودة من "الهلال الأحمر السوري" وبرنامج الأغذية العالمي، لا تزال المساعدات المقدّمة أقل بكثير من حجم الحاجة والمأساة.

جنباً إلى جنب، بدأت مبادراتٌ ومنظمات محلية بالتحرّك، حيث نظّم "الهلال الأحمر الكُردي" حملةً لجمع التبرعات المادية لدعم المتضررين في الجنوب السوري، وذلك في العديد من مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" في شمال وشرق سوريا.

كما أُطلقت العديد من المبادرات المحلية والفردية، لجمع التبرعات المالية من السوريين/ات في الداخل والخارج، من بينها الحملة التي نُظّمت في مدينة  كوباني/عين العرب في ريف حلب، وحملة جمعية "بسمة وزيتونة" الطارئة، ونداء "مبادرة بداياتنا" للتبرع الماديّ أو العينيّ.

وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند قبوات، ظهرت في فيديو مصوّر، في 19 تموز/يوليو، قالت فيه إنهم كانوا يعتزمون إدخال مساعداتٍ إغاثية إلى السويداء، لكن الطيران الإسرائيلي لم يفسح المجال لذلك، إدعاءٌ كرره وزير الصحة، مصعب العلي، مشيراً إلى أن وفداً حكومياً يضم وزراء ومحافظ السويداء رافق القوافل، لكن الشيخ حكمت الهجري رفض استقبالهم.

وبعد انتشار تأكيداتٍ محلية متواترة عن قيام السلطات السورية بفرض حصارٍ على السويداء، واظب المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، في 30 تموز/يوليو، على تكرار موقفها، وإنكار وجود أيّ حصار، واصفاً الاتهامات المتداولة بأنها "محض كذب وتضليل". واتّهم البابا المجموعات المسلحة في السويداء "باستخدام مزاعم الحصار للترويج لمعابر غير نظامية داخل وخارج البلاد، بهدف إنعاش تجارة السلاح والكبتاغون".

وأثارت تصريحات قبوات موجةً من الانتقادات الموجهة إلى الحكومة السورية الانتقالية ووزرائها، حيث علّق الناشط المدني والخبير التقني علاء غزال قائلاً: "أنتِ غير صادقة يا هند. اللي منعك هو إنك جزء من السلطة اللي هجمت وعم تقتل أهل السويداء".

المحامي أيمن شيب الدين، أكد من جانبه أنّ دخول قوافل المساعدات الإنسانية التابعة "للهلال الأحمر السوري" مرحّب بها من قبل الأهالي، لكن بشرط ألا يرافقها أي مسؤول تابع للسلطة، مؤكداً لـ"حكاية ما انحكت" أنّ "أهالي السويداء يرفضون بشكلٍ قاطع زيارة أيٍّ من ممثلي النظام لهم، ولا يمكن استقبالهم بعد أن شاركوا أو صمتوا عن قتلنا"، على حد تعبيره.

وأضاف أنه يُنظر في السويداء إلى شخصيات مثل هند قبوات ومصطفى بكور، المُعيّن كمحافظ، كـ"وجوه غير مرحّب بها"، وأنّ "قبوات تُتهم اليوم بالمتاجرة السياسية والإنسانية بمعاناة الدروز، وتسخير ذلك لصالح السلطة"، واصفاً إياها بأنها "مجرد ديكورٍ في نظامٍ لا يحترم أبناء المحافظة، وقد قَبِلت لنفسها هذا الدور".

بينما رأت الكاتبة السياسية أليس مفرج أنه: "ما في حدا رافض دخول قوافل المساعدات الإنسانية. التخوف الحقيقي هو من استهداف القوافل بالرصاص، وتحميل الفصائل المحلية مسؤولية الهجوم على القوافل أو على الوفد المرافق من الأمن العام والوزراء، ما قد يُستخدم كمبررٍ لهجوم مضاد".

صورة من حملة داعية لفك الحصار عن السويداء

وفي 20 تموز/يوليو، دخلت أول قافلة مساعدات إنسانية تابعة لـ"الهلال الأحمر السوري" إلى السويداء، بعد يومٍ من إعلان وقف إطلاق النار. ومع ذلك، لا تزال المساعدات محدودة ولا تلبي سوى جزءٍ ضئيل من احتياجات مراكز الإيواء، وسط استمرار الحصار الخانق، بحسب منصة "الراصد" المعنية بتغطية أخبار السويداء.

وفي الأثناء، يتّهم عددُ من النشطاء والصحفيين/ات والكتّاب وأفراد من المجتمع المدني، من بينهم الإعلامية ألمى عنتابلي، والصحفي أوس المبارك، السلطات السورية بفرض حصارٍ على السويداء، ما دفعهم لإطلاق حملة هاشتاغ بعنوان "#فكوا_الحصار_عن_السويداء"، اليوم 27 تموز/يوليو. فيما أطلقت الصحفية آلاء عامر حملة توقيع تحت عنوان "بيان الخبز والدواء" لفكّ الحصار، ونشر الكاتب ممدوح عزام نداءً إنسانياً عاجلاً لإنقاذ السويداء.

بقعة ضوء على المجتمع المدنيّ السوريّ: الحلقة الرابعة

02 تموز 2025
أعربت منظمات المجتمع المدني، إلى جانب ناشطين وصحفيين سوريين، وأصواتٍ أخرى، عن ردود فعلٍ تلقائيةٍ وعفوية إثر إعلان العفو عن فادي صقر. وجاءت تلك الردود متطابقةً إلى حدّ كبير، حيث...

قائمة منظمات المجتمع المدني والناشطين الرئيسيين المدرَجين في هذه المقالة:

الكاتبة السورية ريما فليحان

الصحفية والكاتبة مناهل السهوي

المحامي والمقيم في السويداء، أيمن شيب الدين

الصحفي السوري محمد وسام

حملة اللاذقية مع السويداء

مدير شبكة "السويداء 24"، ريان معروف

الكاتب ممدوح عزام

الإعلامية ألمى عنتابلي

الصحفي أوس المبارك

الصحفية آلاء عامر

الكاتبة السياسية أليس مفرج

الناشط المدني والخبير التقني علاء غزال

 الصحفي قاسم البصري

الناشطة ريتا السليمان 

الإعلامية ريمة نعيسة

الصحفية زينة شهلا

الناشطة وفا مصطفى

 المحامي والناشط الحقوقي محمد العبدالله

 الصحفية رشا النداف

 الناشط المدني، يامن حسين

الناشطة المدنية، سوسن أبو زين الدين

 "الهلال الأحمر الكُردي"

"مبادرة بداياتنا"

حملة تبرعات سكان كوباني/عين العرب الكُردية

جمعية "بسمة وزيتونة"

مقالات متعلقة

رحل "الغالي" من دون أن يودّعنا

29 أيار 2025
لم أكن أتخيّل يومًا أنّني سأبكي في يومين متتاليين قتل عدّة شبان، وأنّني سأراهم مثقوبي الصدر والعين والرأس. منهم "الغالي" الذي لم أستطع التعرّف أبدًا على ملامح وجهه الجميل والوسيم....
بقعة ضوء على المجتمع المدنيّ السوريّ: الحلقة الأولى

08 نيسان 2025
أثارت موجاتُ المجازر في الساحل، التي استهدفت العلوييّن بشكلٍ خاص، ردّ فعلٍ قويّ من الناشطين/ات والجماعات، الذين وثّقوا الأحداث، وأعربوا عن تضامنهم وجمعوا الدعم المادي، ونددوا بالتضليل وانتهاكات حقوق الإنسان.
نساءٌ يُحاورن الحجر ويكسرن تابوهات الحاضر

10 حزيران 2025
"هذا ليس عملاً، هذه محادثةٌ بيني وبين الحجر" هذا ما تقوله سميرة الحسين (64 عاماً) وهي تنقر بإزميل جلخ كهربائيّ على بلاطةٍ حجرية، في مهنة "تحتاج إلى رجل!" كما كانوا...
هل يمكن لسوريا أن تكون وطنًا حين لا يبقى لي فيها سوى بيتٍ مُدمَّر؟

31 تموز 2025
في فلسطين التي زرتها قبل عامين، من زيارتي لدمشق ومخيم اليرموك بعد سقوط الأسد، مشيتُ كما لو أن شيئًا يرفعني مترًا عن الأرض. ربما وهمٌ، وربما هي الذاكرة التي لم...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد