تمر القضية الكوردية في سوريا وتركيا بمرحلةٍ مفصلية، منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتبلور البطيء لنتائج المفاوضات بين حكومة رجب طيب أردوغان في تركيا وحزب العمال الكوردستاني، الذي أعلن عن قراره بإلقاء السلاح. تواصل أنقرة ضغطها على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الكورد في شمال شرق سوريا وتحاول إكراهها على أن تحلّ نفسها داخل الدولة المركزية، وتمنع حصولها على وضعٍ خاصّ بها. إلا أنّ الحكومة التركية، وللمرة الأولى منذ بدء النزاع بين أنقرة وقسد في سوريا، تحاول أن تكون حذرة، وألا تطلق النار على قدميها كما يقال، أي المخاطرة بانهيار محادثات السلام التركية الكوردية مع عبدالله أوجلان، الذي يُنقل عنه نصيحته لقسد بعدم إلقاء السلاح قبل عقد صفقةٍ مرضية مع دمشق. يرى محللون أن الرئيس التركي أردوغان يريد كسب الكورد في تركيا لضمان بقائه رئيساً لفترة أطول من ولايته الحالية، في الوقت الذي يجادل بأنه لا يريد سوى: "تركيا خالية من الإرهاب".
لمعرفة المزيد عن القضية الكوردية في سوريا وتركيا، والتطورات المتوقعة للمفاوضات بين قسد وحكومة سوريا المؤقتة بقيادة أحمد الشرع، على هامش الحرب الكلامية بين الطرفين، والمناوشات العسكرية على الأرض، أُجريت هذه المقابلة مع فلاديمير فان فيلغنبرغ.
فلاديمير فان فيلغنبرغ هو صحفيٌّ ومحلل. وقد غطّى الحرب ضد تنظيم داعش في شمال سوريا وكردستان العراق ومواضيع أخرى لوسائل الإعلام الدولية، وأجرى أبحاثًا لصالح مراكز أبحاث عديدة. شارك في تأليف كتابين عن الأكراد في سوريا: أحدهما عن تجربتهم في الحكم الذاتي في عام 2019، والآخر عن الشراكة بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم داعش في عام 2021. ويحمل شهادتي ماجستير ، الأولى في دراسات الصراعات من جامعة أوتريخت والثانية في الدراسات الكردية من جامعة إكستر.
*كيف تنظر إلى اتفاقية ١٠ آذار/مارس الماضي بين رئيس الحكومة المؤقتة الشرع ورئيس قوات قسد، مظلوم عبدي، هل كان اتفاقاً مبنياً على نيّاتٍ حقيقية، أم مدفوعاً بضغوطاتٍ دولية، أمريكية على نحو خاص، بعيد مجزرة الساحل؟
سقط النظام .. لكن عائلة كوردية سورية تواصل ماراثون نزوحها اللا منتهي (صور)
17 كانون الأول 2024
لطالما أرادت قوات سوريا الديمقراطية التوصل إلى اتفاقٍ مع دمشق، حتى خلال عهد النظام السابق. لذا فهذا ليس بالأمر الجديد، رغم وجود ضغوط من الولايات المتحدة، التي كانت تهدف إلى تقليص عدد قواتها في سوريا.
*هل لدينا بالفعل اتفاقٌ ملموس، أم أنه مجرد تسويةٍ فارغة وجوفاء يفسّرها كل طرفٍ على هواه؟
يتضمن الاتفاق غير الملزم بعض النقاط المحددة مثل وقف إطلاق النار وعودة النازحين إلى مناطقهم، لكن الاتفاق يُغفل نقطةً محددة: هل ستكون سوريا دولةً مركزية أم لا. ونتيجةً لذلك، لا تزال هناك خلافاتٌ كبيرة بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية. يتضمن الاتفاق أيضاً دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا (في الحكومة المركزية)، لكنه لا يحدد بوضوح كيفية القيام بذلك.
*تتهم الحكومة المؤقتة في سوريا قوات سوريا الديمقراطية بالمماطلة في تنفيذ الاتفاق، هل هناك تغيّرٌ في سلوك قسد فعلاً، أم أن الأمر يتعلق باستغلال الطرفين للظروف الدولية المواتية، بمعنى استغلال الشرع للتصريحات الأمريكية الداعمة للمركزية والرافضة لمطالب قسد في لا مركزية سياسية، وتعاملها باستعلاء وتوجيهها تهديداتٍ مبطنة في لقاء دمشق الأخير، وفي المقابل، استغلال قسد لما جرى في السويداء، الذي جعلها متأكدةً أكثر من أي وقتٍ مضى بأنها غير مستعدةٍ لحلّ نفسها كتشكيل؟
لا أعتقد أن نهج قوات سوريا الديمقراطية قد تغير كثيراً - فهو لا يزال على حاله - لكن الأحداث التي وقعت في الساحل مع العلويين، ومحاولة دمشق دمج السويداء بالقوة العسكرية، قد تسببت في مزيدٍ من عدم الثقة بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق. كما استخدمت دمشق التعبئة القبليّة ضد الدروز ويمكن أن تستخدم التعبئة نفسها ضد قوات سوريا الديمقراطية. وهذا أمرٌ محتمل بشكل خاص لأن بعض القبائل التي قاتلت الدروز في السويداء تعيش في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية حالياً.
*كيف تقيّم عقد قسد لمؤتمر "مكونات شمال وشرق سوريا"، هل كانت خطوةً محسوبة، بعد مذبحة السويداء، أم متهورة، أتاحت للشرع التنصّل من عقد اجتماعٍ في باريس، مستجيباً بذلك لمطالب أنقرة، وتحديداً وزير الخارجية هاكان فيدان، بإلغاء جلسة التفاوض في باريس، بعيداً عن أنظارها وتأثيرها، وذلك في سياق التنافس الفرنسي التركي حول سوريا؟
أعتقد أن الهدف كان الضغط على دمشق لقبول اللامركزية، وتشكيل تحالفاتٍ مع مجموعاتٍ أخرى في سوريا تؤيدها أيضًا. وهذا أمرٌ ذو صلة خاصة بالأحداث التي وقعت في السويداء. ومع ذلك، كان قرار دمشق إلغاء اجتماع باريس مرتبطًا بشكلٍ وثيق بمعارضة تركيا لعقد الاجتماع في باريس، نظرًا لوجود خلافات بين تركيا وفرنسا في الماضي.
لا أعتقد أن تركيا ستقدّم دعماً عسكرياً لهجومٍ على قوات سوريا الديمقراطية من خلال نشر الجيش التركي والطائرات المسيرة. ومع ذلك، يمكن أن تقدم تركيا دعماً استخباراتياً إذا ما هاجمت دمشق قوات سوريا الديمقراطية.
*حققت هيئة تحرير الشام انتصاراً عسكرياً سريعاً على قوات النظام في نهاية العام الماضي، عبر اتفاقاتٍ سرية مع مجموعاتٍ موالية للنظام، قبلت مرور قوات غرفة العمليات العسكرية، مقابل الأمان وحفاظ هذه الأطراف على مكتسباتها. يشير تقريرٌ نُشر قبل أيام، عن صفقاتٍ مماثلة عقدها الشرع مع مجموعاتٍ صغيرة في السويداء، سهّلت مرور قوات وزارة دفاع الحكومة المؤقتة. كيف يبدو الوضع لدى قوات قسد، التي تضمّ نسبةً كبيرة من القوات العربية. هل هناك خشيةٌ من فكّ أطراف منها ارتباطها مع قسد وانضمامها إلى قوات الشرع والجيش الوطني سابقاً؟
حسناً، خلال القتال في منبج، غيّرتْ مجموعةٌ تابعة للمجلس العسكري في منبج، التابع لقوات سوريا الديمقراطية (SDF) ولاءها وانضمت إلى هجوم الجماعات المدعومة من تركيا. ومن الممكن أن يغير المقاتلون العرب في قوات سوريا الديمقراطية (SDF) ولاءهم. في الماضي، فضّل العرب في دير الزور قوات سوريا الديمقراطية (SDF) على دمشق، وذلك يعود أيضاً إلى الجماعات المدعومة من إيران. ولكن، والآن بعد سقوط نظام الأسد، تمّ طرد الجماعات الإيرانية، وهناك بعض القبائل في دير الزور تفضل الآن الاندماج مع دمشق. تجدر الإشارة هنا إلى أن قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب لم تكن لديها في البداية أيّة خطط للذهاب إلى دير الزور، ولكنها دُفِعتْ من قبل الأمريكيين من أجل هزيمة داعش وإزالة آخر الأراضي التي تسيطر عليها داعش (فقدوا آخر أراضيهم عندما استولت قوات سوريا الديمقراطية على الباغوز).
*في مقابلةٍ له مع تلفزيون روداو مؤخراً، يقدّم مسؤول الشؤون الامريكية في وزارة الخارجية السورية، قتيبة إدلبي، نفسه ككوردي، بينما يصفه بعض المتشدّدين الكورد بأنه من "الكورد المعرّبين" ، يقول. يجادل بأنّ كورد الداخل، في دمشق وحماة وحلب واللاذقية، ليس لديهم ممثلٌ في مؤتمر وحدة الصف الكوردي. هل ترى في ذلك محاولةً من الحكومة المؤقتة، في اختيار الكورد المناسبين لتطلعاتها، الخاضعين لإملاءتها، كما هو الحال مع محاولة السلطة تقديم ليث البلعوس على أنه قياديٌّ درزيّ كبير، رغم نبذه من قِبل الدروز.
بقعة ضوء على المجتمع المدنيّ السوريّ: الحلقة الثالثة
19 أيار 2025
حسناً، كان ليث البلعوس يحظى بدعمٍ أكبر قبل الأحداث التي وقعت في السويداء. صحيح أن الأكراد في المناطق ذات الأغلبية العربية لم ينخرطوا كثيراً في مؤتمر الوحدة الكردية، لكن هذا يرجع أيضاً إلى أنهم أكثر اندماجاً في ثقافة الأغلبية العربية ويدعمون الأحزاب غير الكردية. بالطبع، يمكن لدمشق أن تستخدم الأكراد الذين انضموا إلى الحكومة في دمشق كحجةٍ على أن الأكراد ممثَّلون، لكن لا توجد حالياً، على حد علمي، أية جماعاتٍ مسلحة كردية يمكن استخدامها ضد قوات سوريا الديمقراطية. هناك تقنيون أكراد مدنيون انضموا إلى الإدارة الجديدة في دمشق وليس لديهم قاعدةٌ قبلية قوية أو جماعاتٌ عسكرية. في الماضي، كان هناك عددٌ قليلٌ من الجماعات الكردية التابعة للجيش السوري الحر التي قاتلت قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب في عفرين (لكنها هُمّشتْ لاحقًا، واعتُقل قادتها). هناك أيضًا إسلاميون أكراد متحالفون مع هيئة تحرير الشام، لكنهم غالبًا ما يكونون أكرادًا من خارج سوريا، مثل أكراد كردستان الإيرانية.
*الصحفيّة أمبرين زمان، ترى أن قرار حزب العمال الكردستاني بإلقاء سلاحه، هي محاولةٌ لإنقاذ مشروع قسد في سوريا، تقول في مقال لها "ضحّت الأم بنفسها من أجل طفلها؟"، هل ترى الأمر على هذا النحو؟
لست متأكداً من ذلك. لقد أجرى حزب العمال الكردستاني في الماضي محادثات سلامٍ مع الدولة التركية. لكن من المؤكد أن ذلك سيسهّل على قوات سوريا الديمقراطية التعامل مع تركيا والحكومة الجديدة في دمشق. لكن محادثات السلام بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية بدأت بالفعل قبل سقوط الأسد، عندما كان الوضع السياسي متجمداً تماماً.
*هل عدم قبول حكومة تركيا بوضعٍ خاص لقسد في سوريا، مردّه نفسي؛ بمعنى، عدم قدرة القيادة التركية على تقبّل وضعٍ كورديّ خاص في سوريا، هو أمرٌ لم تقبله في تركيا نفسها وقد أصرت على حلّ حزب العمال الكردستاني نفسه ورميه لسلاحه…؟
تفضّل تركيا وجود دولةٍ مركزية قوية في سوريا وتريد حلّ قوات سوريا الديمقراطية. وذلك على الرغم من أن الدولة المركزية القوية في سوريا في عهد نظام الأسد هي التي أدت إلى اندلاع الثورة السورية. إذا فشلت المحادثات بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق، فمن المحتمل أن تجري قوات سوريا الديمقراطية محادثاتٍ مباشرة مع تركيا.
*تحدّث دولت بهجلي،زعيم حزب الحركة القومية التركية، عن إمكانية تعيين نائبٍ كورديّ وآخر علويّ للرئيس التركي في تصريحات له مؤخراً. وقد تشكّلتْ لجنةٌ برلمانية في تركيا، للنظر في المصالحة مع حزب العمال. بهجلي نفسه يتحدث عن توقّعه إنهاءَ ملفّ المصالحة مع نهاية هذا العام. برأيك هل ولماذا ستخاطر تركيا بانهيار العملية بأكملها بدعمها هجوماً على قسد في سوريا ؟
لا أعتقد أن تركيا ستقدّم دعماً عسكرياً لهجومٍ على قوات سوريا الديمقراطية من خلال نشر الجيش التركي والطائرات المسيرة. ومع ذلك، يمكن أن تقدم تركيا دعماً استخباراتياً إذا ما هاجمت دمشق قوات سوريا الديمقراطية. عندما هاجمت الجماعات المدعومة من تركيا منبج وتلّ رفعت، لم تحصل على المستوى نفسه من الدعم التركيّ كما حصلت عليه عندما هاجمت عفرين في عام 2018 أو سري كانيه وتل أبيض في عام 2019. ومع ذلك، هذا لا يعني أن الصراع داخل الجيش السوري الجديد غير ممكن. وهذا يشمل الجماعات المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية. علاوة على ذلك، فإن بعض الفصائل المدعومة من تركيا تفضل الاستماع إلى أنقرة بدلاً من دمشق.






