انفتح من بقي يعمل، من المنفى غالباً، من المؤسّسات الصحفية السورية المُستقلة، بُعيد سقوط النظام، على سوريا جديدة، اختفت فيها الحدود التي تكوّنت في السنوات ال ١٤ الماضية، بين جمهور الخارج وجمهور الداخل، وتوجّب عليها إيجاد مقاربةٍ جديدة في مخاطبة جمهورٍ يعيش أقصى درجات الاستقطاب، منذ اندلاع الثورة، والتعامل مع حكومةٍ انتقالية تغيرّت طريقة تعاطيها مع الإعلام، من حريةٍ لا سقف لها، خلقها السقوط المُفاجىء للنظام، إلى تقييدٍ تدريجيّ للتغطية، بتصاريح عمل مختلفة.
نحاول في هذه المادة، مفاتحة الجمهور بالصعوبات التي تعترض الإعلام المستقلّ طوال هذا العام، مستعينين بآراء مؤسساتٍ صحفية صديقة. وكيلا نوسع نطاق المادة، ونحيلها بحثاً مطولاً، ارتأينا اتخاذ موضوعٍ شغَلَ السوريين/ات طوال العام المنقضي، اختطاف النساء في الساحل تحديداً، مثالاً.
***
لم تكن تقارير الناشطين/ات عن انتهاكاتٍ يتعرّض لها العلويون/ات في الساحل، غائبةً عن المشهد منذ سقوط النظام، إلا أنّ البلاغات عن حالات اختطاف نساء، التي ترافقت ثم تكثّفت بُعيد مجازر الساحل، ٦ مارس/آذار، بقيت حبيسة صفحات مواقع التواصل الاجتماعي السورية، التي وإن أعطت مؤشّراً خطيراً، لكنها ظلّت غامضة التفاصيل، وشُكّك فيها، في ظلّ حالة الاستقطاب الحاصلة.
مع غياب أيّ تغطيةٍ صحفية رسمية، وإعلامية مُقرّبة من الحكومة الانتقالية، كانت القضية، تشغل بالطبع هيئات التحرير في وسائل الإعلام المستقلة، منها سوريا ما انحكت، خاصّة مع حملة المطاردة والتهديد التي تعرّضت لها ناشطة نسوية، تجرّأت على الإشارة إلى حالةٍ صادفتها عن قرب في إدلب، التي تنحدر منها.
الصحافة في مرحلةٍ انتقاليّة في سوريا: وعودٌ دستوريّة في مناخٍ تسوده الأزمات
02 أيار 2025
رغم الدافع الموجود، صادفت سوريا ما انحكت صعوباتٍ تُقيّد عملها على تحقيقٍ يتعلّق بحالات الخطف، لعدّة أسباب؛ منها عدم وجود مراسلٍ على الأرض حينها، وعدم قدرة أيّ صحفيٍ/ة متعاونٍ على التحرّك على الأرض في ظلّ الوضع الأمني الخطير، بُعيد مجازر الساحل، التي لم تتوقّف، حيث تشير البلاغات والبيانات الحقوقية إلى انتهاكاتٍ شبه يوميةٍ تقريباً لأبناء الطائفة العلوية. إضافةً إلى خوف أهالي المخطوفات من الحديث للإعلام في الساحل الذي لم يخرج بعد من صدمة المجازر التي تعرّض لها، ناهيك عن عدم وجود تقاليد مجتمعية ومدنية وأهلية للتعاطي مع الإعلام في منطقةٍ كانت تخضع بشكلٍ شبه مطلق لهيمنة الأسد. أيضاً، لم تكن الظروف مواتيةً لتطبيق منهجيةٍ لطالما اتبعتها سوريا ما انحكت عبر جمع شهادات، ومقاطعتها مع بيانات مؤسساتٍ حقوقية، لأن أيّاً من المؤسسات الحقوقية السورية لم تتصدَ للمهمة حتى ذاك الوقت.
وضعٌ شبيه، وجدتْ هيئة تحرير موقع الجمهورية نفسها أمامه، كما أطلعنا المحرر، قاسم البصري، مُشيراً إلى اتخاذه الهيئة قراراً بالنشر حالما تتوفّر لديها مُعطياتٌ كافية للتحقيق، الأمر الذي لم يكن مُمكناً حينها، فلجأ الموقع إلى إدراج حالاتٍ فردية في نشراته اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب نشر مقالات رأي وشهاداتٍ ذات صلةٍ بموضوعة الخطف واستباحة النساء.
موقع درج، مقرّه بيروت، ويقدّم تغطيةً مكثّفة للوضع السوري، تغلّب على هذه المصاعب، وكان سبّاقاً في نشر أول تحقيقٍ باللغة العربية، في ١٧ نيسان/أبريل، عن اختفاء النساء العلويات، تتبّع فيه ١٠ حالات اختطاف، (قبل أن تنشر صحيفة لوموند الفرنسية تقريراً على موقعها في ال ٢٨ من الشهر نفسه عن اختفاء ٥٠ امرأةً علوية).
عن ذلك، حدّثنا المحرر التنفيذي عمار المأمون، عن تعاونهم مع صحفيّ/ة اختار/ت اخفاء اسمه/ها، "حرصاً على السلامة الشخصية، والاستمرار في متابعة القصص التي تقوم تفاصيل الحصول عليها على السرية التامة، دون خلق ما قد يثير الشبهة أو الضرر بالصحفيّ/ الصحفية أو الضحايا وذويهم"، موضّحاً أنّ "التحديات على مستوى العمل الميداني تتمثّل بدايةً بالخوف، الخوف لدى الصحفيين على الأرض في المناطق التي مازالت خطرةً وشبه خطرة، وفي ذات الوقت، لدى أسر الضحايا والخوف من التصعيد، دوامة الخوف المزدوّج هذه تطلّبت مستوىً عالياً من الثقة في التعامل بين من ينجز التحقيق وبين ذوي الضحايا، وهذا الخوف مصدره غير محدّد، كوننا لا نعلم مَن يقوم بالخطف، ولا مَن يقوم بالتهديد، ناهيك عن أنّ شهادات الضحايا التي جمعناها تحدّثتْ عن اتهاماتٍ مباشرة بحق عناصر من (الأمن العام) في سوريا، سواءٌ أكان ذلك عبر عدم الالتزام بأيّة معايير مهنية عند تسجيل ضبوط الخطف (ثم إنكار وجودها ووجود الخطف بأكمله)، أم عبر التواطؤ بصورةٍ أو بأخرى مع الخاطفين. وبالتالي، فأيّة معلومات قد تدلّ على هويات الضحايا، تعني فتح باب التهديدات على أقصاه وتهديد المخطوفات أنفسهنّ"، على حدّ توصيفه.
وعن المقاربة التي اتبعوها للتحقّق من المعلومات، في ظلّ هذه الظروف المُعيقة، بيّن المأمون أنه "اعتمدنا بدايةً على شبكةٍ محليّة بالتعاون مع صحفيين وصحفيات، للتأكّد أولاً من هويات المخطوفات وسياقات الخطف، ليس فقط من قبل ذوي الضحايا وأقاربهم، بل وأيضاً من المُحيطين بهم أحياناً من أجل ضبط الحكايات والشهادات نفسها، وضبط طبيعة الاتهامات التي واجهها ذوو الضحايا. هذه المرحلة بالذات كانت شديدة الحساسية بسبب تقاطع هذه القصص بعدما اكتشفنا أنّ عدداً من المخطوفات عدن إلى بيوتهن، وتقاطعت حكاياتهن في الخطف مع حكايات أهالي وذوي المخطوفات اللاتي لم يعدن، ومقاطعتها مع الأدلّة التي قدّمها بعض ذوي الضحايا من صورٍ لسيارات وتسجيلاتٍ صوتية. كان من الواضح أنّ هناك نمطاً يتكرّر، وأننا لا نتحدث عن حالةٍ فردية بل عن سياقٍ يكاد يكون شبه منظّم". وبين أنّه رغم توثيقهم "رسائل نصية، وصولات تحويل، محادثاتٍ وتسجيلات محادثات و(دليل حياة) وأحياناً صوراً لسيارات الخاطفين، ورسائل تهديد، وحتى صوراً لبعض المخطوفات وعليهن علامات تعذيب"، اتخذوا قراراً بعدم نشرها حرصاً على سلامة الضحايا.
المحرر التنفيذي عمار المأمون يوضح أنّ "التحديات على مستوى العمل الميداني تتمثّل بدايةً بالخوف، الخوف لدى الصحفيين على الأرض في المناطق التي مازالت خطرةً وشبه خطرة، وفي ذات الوقت، لدى أسر الضحايا والخوف من التصعيد، دوامة الخوف المزدوّج هذه تطلّبت مستوىً عالياً من الثقة في التعامل بين من ينجز التحقيق وبين ذوي الضحايا، وهذا الخوف مصدره غير محدّد، كوننا لا نعلم مَن يقوم بالخطف، ولا مَن يقوم بالتهديد، ناهيك عن أنّ شهادات الضحايا التي جمعناها تحدّثتْ عن اتهاماتٍ مباشرة بحق عناصر من (الأمن العام) في سوريا، سواءٌ أكان ذلك عبر عدم الالتزام بأيّة معايير مهنية عند تسجيل ضبوط الخطف (ثم إنكار وجودها ووجود الخطف بأكمله)، أم عبر التواطؤ بصورةٍ أو بأخرى مع الخاطفين. وبالتالي، فأيّة معلومات قد تدلّ على هويات الضحايا، تعني فتح باب التهديدات على أقصاه وتهديد المخطوفات أنفسهنّ"، على حدّ توصيفه.
مطلع شهر مايو/أيار الماضي ٢٠٢٥، تسبّب ما اصطُلح على تسميته قضية "ميرا وأحمد" بالمزيد من الإرباك الصحفي، عند انتشار صورٍ وفيديو لتزويج فتاةٍ علوية تُدعى ميرا من شابٍّ سنيّ يُدعى أحمد، وما أشيع عن كونها حالة اختطاف، قبل أن يظهر الاثنان كعاشقين في النهاية في فيديو بثّه ناشطٌ على مواقع التواصل الاجتماعي. إذ أثّارت القضية، بعد إسدال الستار على فصلها النهائي، الشكوكَ حول ما إذا كانت فخاً يهدف للاصطياد والطعن في مصداقية مَن يريد النشر عن حالات الاختطاف. ويتذكّر الصحفي قاسم البصري، كيف أدرجوا ما توفّر من معلوماتٍ مُثبتةٍ عن القضية في نشرتهم اليومية، ومع ذلك لم يسلموا من النقد، بعد المقابلة المُشار إليها مع ناشط. مع ذلك، يؤكّد أنهم لم يناقشوا حينها في هيئة التحرير ما إذا كان من الصائب النشر عن الحالة، بل ضرورة نشر التفاصيل المُوثّقة، وفتح نقاشٍ عن الحادثة وتداعياتها، خصوصاً لجهة استغلالها أداةً للطعن في صحة عمليات خطف النساء.
الصحفي عمار المأمون (المحرر التنفيذي لموقع درج)، يوضّح أنه: لم يكونوا مُتردّدين، أو مُتخوّفين من المخاطرة بالمصداقية حين نشرهم التحقيق، لأنهم يفضلون التحقّق من اكتمال عناصر التحقيق وخضوعه لمعايير المهنية وتلك المُتعلّقة بالسلامة، قبل الإقدام على النشر، حتى لو اضطروا للتأخّر، مُشيراً إلى أنّ الجدل دار في غرفة التحرير حول "الغموض في (هدف) الخطف، هل هو الفدية؟ هل هو التزويج؟ هل هناك ممارسة سبي؟، والسبي هنا فتح باب نقاشٍ واسعٍ داخل غرفة التحرير .. هل التعبير دقيق ومتحقّق (...) لكن تحاشينا الوقوع في فخ استعمال العبارة التي لم تكن مُثبتة، والالتزام باللغة الصحافية والمعلومات المُثبتة لدينا".
"تغطية قضايا الاشتباه"
الصحفيون/ات في دولٍ غربية كألمانيا يلجؤون إلى نمطٍ من صحافة التحقيقات، تُدعى تغطية قضايا الاشتباه، استُخدمت خاصةً في التعامل مع قضايا "مي تو" وما شابهها، تقوم على مقابلاتٍ لضحايا مُحتملات، لديهن اتهاماتٌ جديرةٌ بالتصديق، متقاطعة، ضدّ شخصيةٍ عامة أو جهةٍ ذات صلة، وتهدف لتحريك القضية ورمي الكرة إلى ملعب الجهات المُشغّلة للشخصية والسلطات لفتح تحقيقٍ داخليّ و/أو جنائي، وأملاً أن يتقدّم آخرون بشهاداتهن. بذلك، لا تضطرّ وسيلة الإعلام إلى الانتظار فترةً طويلة والمخاطرة بحدوث انتهاكاتٍ أو تجاوزاتٍ جديدة، فقط لأنها لا تستطيع الحديث عن “ظاهرة” أو انتهاكاتٍ مُمنهجة. وتمنح المؤسسات الصحفية الشخصيات أو الجهات المُتهمة، فرصة الدفاع عن نفسها حيال تهم التقصير، أو الضلوع فيها.
الصحافة في حقل ألغام الجيش الوطني وتركيا
27 تموز 2022
يؤكد عمار المأمون (المحرر التنفيذي لموقع درج) أنّ نشرهم التحقيق كان قراراً واعياً، وفقاً للنهج المذكور، وتواصلوا حينها، "مع عدة جهاتٍ تابعةٍ للسلطة في دمشق وفي منطقة الساحل، وكان غياب الردّ هو المُهيمن، خصوصاً عندما عرفنا أن الأمن العام لديه علمٌ وشكاوى بالحالات. على التوازي، كانت سياسة الإنكار، التي تمارسها وسائل الإعلام والناشطون المحسوبون على السلطة، تمشي بالتوازي مع انتشار الحالات على وسائل التواصل الاجتماعي".
وعمّا لمسوه من نتائج لنشرهم التحقيق، يقول إنّ الظاهرة أصبحت علنية، ومادةً للتداول، وصل حدّ مشاركتها من قبل بعض المحطات المقرّبة من السلطة، وتشجّع الكثيرات/ين من أهالي الضحايا على الحديث عن الموضوع، و"بدأت بعض المخطوفات بـ “العودة"، وكلمة "العودة" هنا مُريبة كونه لا تفاصيل واضحة عنها، والضحايا اللواتي تواصلنا معهنّ فضّلن عدم الحديث في الموضوع".
وكالة رويترز لاعباً صحفياً أساسياً في سوريا؟
رغم ذلك، فاق تأثير التحقيق الذي نشرته وكالة رويترز ، في ال ٢٧ من يونيو/حزيران، عن اختطاف النساء في الساحل، كلّ ما سبقه وما لحقه من تحقيقاتٍ ومواد، وبات على كلّ لسان، وعلى صفحات كلّ وسائل الإعلام السورية. هذا التحقيق وغيره، مما نشرته الوكالة، تحول إلى "تريند"، ودفع البعض من الجمهور السوري إلى طرح تساؤلاتٍ تحمل في طياتها انتقاداً وتوبيخاً، عما إذا كان عليهم انتظار وكالةٍ دولية، لإجراء مثل هذه التحقيقات، وعن غياب الصحافة السورية عن لعب الدور المنوط بها هنا.
هذا التساؤلات التي تبدو مُحقّة، تُغفل الفارق بين الظروف المُيسّرة لعمل وسائل الإعلام الدولية، وتلك التي تمرّ بها، الصحافة السورية المستقلة.
قاسم البصري (محرّرٌ في موقع الجمهورية)، يشير إلى أن فِرق الصحافة الدولية ذهبت بعد وقوع المجازر فوراً إلى الساحل، دون أن تواجه عوائق أمنية كالتي تقف في طريق وسائل الإعلام المحلية، لأنهم "أجانب"، تحميهم السلطة، ما لا توفّره بالقدر نفسه لوسائل الإعلام المحلية. هكذا كان بوسع رويترز ونيويورك تايمز، من بين وسائل إعلام أجنبية أخرى، إرسال فريقٍ تحت حماية الأمن العام، وأن يتصرّفوا على النحو الذي يريدون. "لم يكن لدينا قدرةٌ (على ذلك). كان هناك جهتان قادرتان على التوثيق وإنتاج ريبورتاجاتٍ من تلك المواقع: وسائل الإعلام المحسوبة على السلطة الجديدة أو الممالئة لها، كالإخبارية وتلفزيونات (مثل سوريا والجزيرة والعربية) تقدّم التغطية المناسبة للسلطة. وهناك وسائل الإعلام الدولية".
رغم ذلك، لا يُوفر تقديم السلطة للحماية الأمنية ظروفَ عملٍ مثالية للصحافة الدولية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتحقيقاتٍ ميدانية، تتضمن جرائم حرب. عندما يحوم عناصر الأمن فوق رؤوس الصحفيين/ات، سيجد الشهود صعوبةً في التحدث صراحةً أمامهم. أيضاً قد تقيّد الحماية حركة الصحفيين/ات وتجعل العناصر الأمنية تتحكم بتحركاتهم، وتمنعهم من التوجه إلى منطقةٍ ما، يريدون استكشافها ومعرفة ما حدث فيها، وفق صحفيين دوليين يعملون في سوريا، تحدثتْ معهم سوريا ما انحكت.
قاسم البصري (محرّرٌ في موقع الجمهورية)، يشير إلى أن فِرق الصحافة الدولية ذهبت بعد وقوع المجازر فوراً إلى الساحل، دون أن تواجه عوائق أمنية كالتي تقف في طريق وسائل الإعلام المحلية، لأنهم "أجانب"، تحميهم السلطة، ما لا توفّره بالقدر نفسه لوسائل الإعلام المحلية. هكذا كان بوسع رويترز ونيويورك تايمز، من بين وسائل إعلام أجنبية أخرى، إرسال فريقٍ تحت حماية الأمن العام، وأن يتصرّفوا على النحو الذي يريدون. "لم يكن لدينا قدرةٌ (على ذلك). كان هناك جهتان قادرتان على التوثيق وإنتاج ريبورتاجاتٍ من تلك المواقع: وسائل الإعلام المحسوبة على السلطة الجديدة أو الممالئة لها، كالإخبارية وتلفزيونات (مثل سوريا والجزيرة والعربية) تقدّم التغطية المناسبة للسلطة. وهناك وسائل الإعلام الدولية".
بعد فترةٍ من الحرية غير المحدودة في العمل الصحفي، بُعيد سقوط النظام، فرضت سلطات الحكومة الانتقالية أنماطاً مختلفةً من تصاريح العمل، من حيث المدة ومساحة التحرّك، والموضوع، داخل المؤسسات الحكومية وخارجها.
الحديث مع زملاء من الصحافة السورية المستقلة، يحيلنا إلى قائمةٍ طويلةٍ من التباين في الظروف والإمكانيات بين وسائل الإعلام السورية المستقلة ورويترز ، ليس أقلّها الإمكانيات المادية، ما يجعل توقع الجمهور بأن يحصل منهما على المردود نفسه على الدوام أمراً غير واقعي. "إن اتصلنا بوزيرٍ وطلبنا تعليقاً، سيتعامل معنا بطريقةٍ مختلفة عمّا عليه الحال مع رويترز. حتى الشهود، يشعرون بأنّ تقديم شهادتهم لرويترز، تحدث فرقاً أكبر ، وأنها قادرةٌ على حمايتهم أكثر، لأنها وكالةٌ دولية. قد لا يكون ذلك صحيحاً على أرض الواقع بالضرورة، لكنه الانطباع الموجود عند الناس"، يقول قاسم (من فريق تحرير الجمهورية).
الصحافة في روجافا (1)
29 آذار 2019
ويشير قاسم أيضاً إلى الحماية التي تتمتّع بها وسائل إعلام مثل رويترز، كونها مؤسسة صحفية دولية، لا تستطيع السلطات السورية اتخاذ أيّة إجراءاتٍ حيالها، سوى ربما إصدار بيان نفيٍ لما ورد في تحقيقاتها، على عكس وسائل الإعلام المحلية، التي قد ينتظر المُتعاونون معها إجراءات أعمق وأعقد.
رغم اتفاق هيئة تحرير سوريا ما انحكت مع ما ذهب إليه الزميل قاسم، فيما يتعلّق بصعوبة التحرّك، فإنها ترى أنّ هذا لا يبرّئ وسائل الإعلام المحلية من مسؤوليتها، خاصةً أنها استطاعت سابقاً التعامل مع مواضيع أصعب، في ظلّ هيمنةٍ شبه مطلقة لنظام الأسد، ونشرت الكثير من المواد الإشكالية والشجاعة.
وتعتقد أن ضعف تغطية الصحافة السورية المستقلة يعود جزئياً إلى تباين رؤاها، فيما يتعلّق بالموقف الذي يجب اتخاذه من الحكومة الانتقالية، مما قد يؤخّر التغطية أو يغيّر زواياها.
وترى سوريا ما انحكت أنّه في ظلّ رغبة أغلب المؤسسات بالعودة للعمل وتكوين فريقٍ في الداخل، وهي عودةٌ مشروطةٌ بالترخيص من سلطات الحكومة الانتقالية، يدور في لا وعيها خشيةٌ من إغضاب الحكومة، أو الصدام معها. هذا لا يعني أنها هنا تتماهى مع السلطة أو تتنازل عن قيمها، لكنه يخلق ارتباكاً ما، يؤخّر التغطية، ويدفع بمسألة التأكّد والمصداقية قبل النشر إلى درجاتٍ أعلى، مما قد يؤدي أيضاً إلى التأخّر بالنشر.
يؤكد قاسم هنا أنّ مؤسسة الجمهورية ليست مرخصةً في سوريا حتى الآن، ولم تتقدّم بطلب ترخيصٍ إلى وزارة الإعلام.
تكيّف الصحافة المستقلة مع الظروف في ظلّ تواصل بلاغات الخطف
بعد نشر رويترز تحقيقها ذاك، تتالت التقارير والتحقيقات الدولية حول اختطاف النساء العلويات، كشأن تلك التي نشرتها مجلة ذه سبيكتاتور البريطانية، وموقع دويتشه فيله الألماني، مطلع شهر يوليو/تموز الماضي. ثم ظهرت القضية على كلّ المواقع الإخبارية السورية في نهاية الشهر المذكور، عندما نشر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومنظمة أمنستي الحقوقية، بياناً، يعربان فيه عن قلقهما حيال هذه التقارير، ويدعوان سلطات الحكومة الانتقالية للتحقيق.
لكن حالات الاختطاف لم تتوقّف، بل وازدادت رقعة المناطق المتضرّرة منها لتمتدّ إلى السويداء، التي شهدت مجازر، مع محاولة قوات السلطة الانتقالية فرض سيطرتها عليها. وبذا، نُشر المزيد من المواد الصحفية ذات صلة بالاختطاف، منها على سوريا ما انحكت.
صمتُ السلطات الانتقالية دام أشهراً طويلة، ما دفع ناشطاتٍ حقوقياتٍ لإطلاق حملة، شعارها "أوقفوا خطف النساء السوريات"، وهو ما غطّته أيضاً سوريا ما انحكت، عبر إحدى مواد "بقعة ضوء على المجتمع المدني السوري".
وترى سوريا ما انحكت أنّه في ظلّ رغبة أغلب المؤسسات بالعودة للعمل وتكوين فريقٍ في الداخل، وهي عودةٌ مشروطةٌ بالترخيص من سلطات الحكومة الانتقالية، يدور في لا وعيها خشيةٌ من إغضاب الحكومة، أو الصدام معها. هذا لا يعني أنها هنا تتماهى مع السلطة أو تتنازل عن قيمها، لكنه يخلق ارتباكاً ما، يؤخّر التغطية، ويدفع بمسألة التأكّد والمصداقية قبل النشر إلى درجاتٍ أعلى، مما قد يؤدي أيضاً إلى التأخّر بالنشر.
قطع ذاك الصمت، بيان مفاجىء من وزارة الداخلية في الحكومة الانتقالية، أثار حفيظة الكثير من الشخصيات الحقوقية والعامة، زعمت فيه انتهاء تحقيق لجنةٍ، لم تسمِّ أفرادها أو موعد بدئها لعملها، إلى أنّ حالةً واحدةً فقط من بين ٤٢ أو ٤٣ حالة اختطاف مُتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، حقيقية، وذات صبغة جنائية.
مع دوام (سوء) الحال، وتواصل التبليغ عن حالات خطف، تمكنتْ وسائل إعلام سورية مستقلة في هذه الأثناء، كالجمهورية، وأخرى دولية، من التغطية، ما لا يعكس بالضرورة ظروفاً أفضل على الأرض، وإنما تكيّفاً معها.
يلاحظ المراقب لتغطية رويترز لمجازر السويداء، أنها لم تغطَّ من الأرض منذ أشهر، على النحو الذي فعلته في الساحل، ما يؤكد تبدل التعامل معها، إذ أنه، شأنها شأن وسائل الإعلام المستقلة، لم تستطع الوصول إلى هناك بحمايةٍ أمنية من الحكومة الانتقالية.
بغرض إنجاز هذه المادة، تواصل سوريا ما انحكت مع وسيلة إعلامٍ سورية مستقلة أخرى، نشطة في الداخل السوري حالياً، وأرسل مجموعةً من الأسئلة المكتوبة لمدير تحريرها، لكنه فضّل عدم الرد.







