آمال التعافي الاقتصادي: ما الذي تغير هذا العام في أسواق سوريا؟


13 كانون الأول 2025

علاء حسن

منتج أفلام وثائقية بصرية من سوريا

يلقى اللوم على العقوبات الدولية، بشكل حصري تقريباً، عند الحديث عن انهيار الاقتصاد السوري. وبنفس التبسيط، بنى عديد السوريين والسوريات آمالاً بالانفراج المادي مع سقوط النظام، الذي كان هدف ومبرر العقوبات المعلن رسمياً.

انطلق المواطنون إلى الساحات ابتهاجاً فور هروب الدكتاتور، وعمت البلد أفراح تشبه ما تحكي عنه حكايات الأطفال وأساطيرها، ومع الحشود والاحتفال، سارع صغار الكسبة المعتادون على التأقلم وخفة الحركة، ليتكسبوا من هذه  الفرحة، فطبعت الأعلام الجديدة بغمضة عين على الأكواب والملابس و الهدايا التذكارية، وزرعت ساحات الاحتفال ببسطات تبيع مفردات الفرحة الجديدة.

يلجأ المصنعون والباعة إلى الفكاهة متنافسين على جذب انتباه الزبائن، ويحمل المغتربون والمنفيون اللذين يأتون زائرين تلك التذكارات هدايا عودة تبعث الطمأنينة بأن المستحيل قد انكسر.

ولكن، ما الذي كان السوريون يشترونه قبيل سقوط النظام؟

مع انهيار سعر الصرف، تراجعت القدرة الشرائية حتى بات تحصيل الأساسيات تحدياً، بالنسبة لأكثر من تسعين بالمئة من الشعب الذي وجد نفسه تحت خط الفقر.

ما كان يعتبر حذلقة قبل انهيار البنى التحتية، مثل ألواح الطاقة الشمسية، أصبح من ضرورات المعيشة والتوفير.

لم يعد هناك سعر رسمي وآخر في السوق السوداء لأساسيات كوقود التدفئة والمواصلات، بعد أن تم سحب الدعم بشكل شبه كامل.

نتج عن ذلك وفرة مواد في الأسواق، لكن ارتفاع سعرها جعلها أبعد منالاً لكثيرين.

يؤثر ذلك على قطاع المواصلات وقدرة الناس على الحركة، خاصة في المدن الكبرى. لم تجد محاولات تحديد تسعيرة الميكروباص في دمشق بألفي ليرة، بعد أن كثف السائقون احتجاجاتهم. يدفع الموظف جزءاً كبيراً من مرتبه أجرة نقل عام ليصل إلى عمله، ليصبح العمل غير مجدي.

ابتهج آخرون بإلغاء التعرفة الجمركية على استيراد السيارات، والتي كانت تضاعف كلفة العربات مرة أو مرتين. امتلأت المواقف في شركات البيع بالسيارات المستعملة التي يشكك الكثيرون بسلامة أجهزتها.

لغياب الوكالات الاجنبية الرسمية عن السوق السورية وجه آخر، ذو أبعاد استهلاكية سياسية. ففي حين تتصاعد موجات المقاطعة لمنتجات الشركات الداعمة للحرب في غزة بعد عامين من الإبادة، يبرر السوريون اليوم شراءهم لتلك المنتجات التي ندر توفرها سابقاً في سوريا بأن "قلبنا عفن" من المنتجات المحلية الرديئة، أو أن قوتهم الشرائية لا تقدم ولا تؤخر في أرباح تلك الشركات العملاقة، أو أنه: "حينما تصبح لدينا وكالة رسمية لهذه الشركات، سنقاطعها! كل ما لدينا مزور".

أما سوق الكهربائيات المنزلية وأجهزة الإتصال، فيستمر فيه انتشار البضائع الصينية والعلامات التجارية غير المشهورة. لكن العام الماضي شهد دخول بضائع "ستوكات" ذات عيوب تصنيعية أو مرتجعة من أسواق أوروبية أو خليجية تباع حاوياتها الناقلة بالجملة للسوق السورية.

بعد رفع الدعم بشكل شبه كامل عن الطحين وزراعة القمح، صغر حجمه وغلا ثمنه. يسعد آخرون بتوفر أصناف جديدة من الفواكه المستوردة التي لم تكن تصل إلى السوق السورية سابقاً، ويعكس الطلب عليها رغم غلاءها واقع التفاوت المعيشي الكبير، الذي لم تظهر بعد أي بوادر  محاولات رسمية لرأب صدعه المتوسع.

بين عرض يفتقر إلى طلب، وحاجات لا تلبيها الأسواق، يبحث الكثيرون عن بارقة أمل، أو مظاهر فرح، يقنعون بها أنفسهم أن الفرج بات وشيكاً.

تروج في هذه الظروف سرديات إقتصادية طموحة، تعد الناس بازدهار غير مسبوق في قطاعات عدة، تتمحور "الحبكة" فيها حول تدفق رؤوس الأموال من الخارج، وكيف أن الرأسمالية القادمة هي الحل. تبرر تحت ذلك الغطاء عقود استثمار طويلة الأمد لممتلكات عامة، ومواقع إستراتيجية، تمنح دون مناقصات علنية لمستثمرين أجانب مجهولين، ينفذها متعهدون محليون مجهولون، وفق مخططات وجداول زمنية مجهولة. بل ويتعدى الأمر ذلك، لأن يتم بحماس تداول أخبار "ترقب" عقود خصخصة احتكارية لقطاعات أساسية في البنى التحتية للبلاد، تتنازل فيها الدولة عن قدرتها على اتخاذ قرارات سيادية بشأن أساسيات حياة مواطنيها، لعقود من الزمن.

بقيت حتى الآن معظم تلك "الاستثمارات"، حبراً على ورق مذكرات تفاهم، تفيد سرديات الطمأنة بالأمل أكثر ما تفيد خزينة المصرف المركزي. إلى أن يبدأ التعامل الجدي مع الحق بالحصول على المعلومة من مصادرها الرسمية، والشفافية في إدارة موارد الدولة وميزانيتها، تبقى تلك الآمال بالنسبة للكثيرين، سراباً لا طاقة لديهم لملاحقته.

مقالات متعلقة

سقط النظام .. لكن عائلة كوردية سورية تواصل ماراثون نزوحها اللا منتهي (صور)

17 كانون الأول 2024
فيما كانت هيئة تحرير الشام تشق طريقها إلى دمشق منطلقة من ريف حلب، شنت فصائل "الجيش الوطني" التركية هجومًا على مناطق في ريف حلب تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، وسيطرت...
كيف نفهم العدالة في سوريا بعد عامٍ من سقوط نظام الأسد؟

06 كانون الأول 2025
شهدت سوريا في العام التالي لسقوط نظام الأسد غياباً لمسار عدالةٍ انتقالية طال انتظاره. بل وتشكلت طبقات جديدة من الجرائم، خاصة في منطقة الساحل والسويداء. الكاتبة ياسمين نايف مرعي، التي...
كأنها القيامة: الصفحة الأخيرة في دفتر هزيمة نظام الأسد

08 كانون الأول 2025
في التحقيق التالي تعرض سوريا ما انحكت شهادات عناصر وضباط من الجيش السوري السابق، يتحدّثون فيها كيف عايشوا الأيام القيامية الأخيرة لنظام الأسد، وهم يشاهدون منظومةً قضوا فيها سنواتٍ طوال،...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد