مقابلة مع سمر يزبك الروائية والناشطة: اللغة الثورية الآن لغة ديكتاتورية تحتكر الحقيقة الكاملة


16 كانون الأول 2025

سليمان عبدالله

صحافي وناقد سينمائي سوري مقيم في برلين

في ملفنا عن الذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام الأسد في سورية، نحاور الكاتبة والروائية والناشطة الثقافية/ المجتمعية، سمر يزبك، التي تحدّثنا عن عامٍ مضى وانقضى، بعد أن بدأ بآمال كبيرة في إمكانية تجنّب الاصطدام بجبل الصدام الطائفي المحتوم، وعن عودتها إلى سوريا، للمساهمة في السلم الأهلي، قبل أن تحدث الانتكاسة؛ صدمة حدوث المجازر في الساحل السوري (والسويداء لاحقا)، حيث أهلها ومجتمعها، أناس مقرّبون منها، تلتها صدمة أخرى بتجاهل وتقاعس منظّمات المجتمع المدني، الثورية سابقاً، معاناة الضحايا السوريين، الذين باتوا يُعرّفون اليوم بأنهم "علويون" فحسب، أو "دروز"  و"فلول" فحسب، وكأنّ اللغة لم تتغيّر. الأمر الذي دفعها لمواصلة فعل ما كانت تفعله سابقاً ودائماً، مناصرة الضحايا والمجتمعات المهمّشة، وذلك عبر تنظيم (مع نشطاء/ات آخرين/ات)، ما يشبه مظاهرةً إلكترونية، عنوانها "أوقفوا خطف النساء السوريات"، في لحظة تبدو فيها الهُويّة الوطنية السورية، وكأنّها أمام امتحان صعب، قد لا تخرج منه حيّة، هذا إن كانت موجودة أصلاً.

سمر يزبك روائية وصحفية وناشطة سورية، من مواليد جبلة في العام 1970. تُعدّ يزبك صوتاً بارزاً في دعم حقوق الإنسان، خاصّة حقوق المرأة. أسّست منظمة "نساء الآن من أجل التنمية"، في العام 2012، وهي منظمة غير حكومية مقرّها في فرنسا تهدف إلى تمكين المرأة السورية اقتصادياً واجتماعياً وتثقيف الأطفال. صدر لها الكثير من الروايات والكتب، منها، في الرواية: "رائحة القرفة"، "صلصال"، "المشاءة"، "مقام الريح"، وفي التوثيق: "تقاطع نيران"، "بوابات أرض العدم “،”تسع عشرة امرأة". يمكن قراءة المزيد عن مسيرتها الحافلة هنا.

(1): تتحدّثين في فيلم وثائقي "السهل الممتنع: عن الحوار مع سمر يزبك" لرانيا اسطفان، عن إصابتك بالخرس، وعن عدم قدرتك على الكتابة لفترة طويلة في السنوات التالية لقمع النظام السوري للثورة السلمية.. مع مرور الوقت، استطعتِ استعادة نفسك والكتابة مجدّداً. صحفياً، قرأنا لك نصوصاً طويلة في الفترة التالية لسقوط النظام، ثم باتت نصوصك في الأثناء أقصر، خاصة بعد مجازر الساحل والسويداء. كما صدر لك كتاب "ذاكرة النقصان.. روايات أهل غزة عن الإبادة"، يضم شهادات لضحايا من سكان غزّة وصلوا إلى قطر لتلقي العلاج. ماذا عن الكتابة الروائية، كيف كان حالك في العام الأوّل منذ سقوط النظام؟

راتب شعبو: مجازر الساحل أحدثت صدعاً مبكّراً في أسس بناء دولةٍ وطنية بعد نظام الأسد

02 نيسان 2025
"الرصاص التي قتل عائلاتٍ آمنةٍ وعزلاء في بيوتها، هو رصاصٌ مؤجّل، موجّه إلى صدر كلّ سوري مهما اعتقد هذا السوري الصامت أو (المتشفّي) إنه بعيدٌ عن الرصاص" هذا ما يقوله...

في لحظة العنف الشديد مع بدايات الثورة السورية، مجازر ومظاهرات، رأيت بأمّ عيني كيف يُقتل الناس فيها، نشأت عندي أسئلة، ليس بالمعنى الأخلاقي فحسب، وإنما بالمعنى التقني: كيف يمكن التعبير عن هذا العنف؟ كيف بوسعي أنا أفهم ما يحصل؟ فالأدب لا يجيب على أسئلة، بل يولّدها. كنّا في حالة صدمة، كنّا نعتقد وقتها أنّها الهاوية، لاحقاً اتضح أنّ الهاوية لا تتوقّف وكأنّنا في عالم الظلمات، عالم إرشكيجال، هكذا صرت حينها فعلاً في حالة خرس حقيقي، فيما يتعلّق بالرواية. كان تعبيراً عن عدم القدرة على التفاعل مع اللحظة الراهنة السورية، أدبياً. بدأت أبحث في خطورة الكلام وما تعنيه الكتابة عن الفظائع وعن الفواجع، صارت نصوصي فعلاً تقلّ لأنّ كمية العنف كانت تزداد، وكنت أوثّق المجازر طوال الوقت. مردّ ذلك جزئياً هو أن أبقى وفية لوجودي، كشخصية ذات هُويّات متعدّدة، أي كروائية وكاتبة وصحافية ومُشتبكة بالشأن العام.. وهذا ما يعنيه عدم غضّ النظر عن آلام الآخرين. تداخل الهُويّات هذا، جعلني لا أقف على الحياد، لكن في الوقت نفسه، قتل الروائية في داخلي لسنوات.

من هنا بدأتُ مشروع الذاكرة أو التوثيق لذاكرةٍ جمعية، وهو شكل جديد من السرد، تبلور لاحقاً في مشاريع مثل "تقاطع نيران" و"بوابات أرض العدم" و "19 امرأة"، و"ذاكرة النقصان"، وكتابين توثيقيين جديدين قيد الإنجاز، واتضح خطّه الناظم، وهو محاولة فهم ما حصل، بالنزول على الأرض، والتحدّث مع الناس، وجعلهم يتحدّثون. شكّل ذلك هاجساً كبيراً عندي، وتراجع الأدب وكان هذا شكلاً آخر للنفي، لا بمعناه الجغرافي، وإنما النفي عن الذات.

لاحقاً أدركت أن ما أقوم به يتقاطع مع مشروع الكاتبة الأمريكية بيل هوكس، وهو الشخصي- سياسي، القائم على نظريةٍ نشأت بدايةً في السبعينات من منطلق نسوي، وطوّرتها هوكس، وتقترح أنّ كلّ ما يُحيط بحياتنا هو سياسي، لكن السياسي جماليٌّ أيضاً كما أراه. ركّزت شخصياً على حيوات الناس وتوثيقها عبر هذا الناظم، وبتّ فيما يشبه عملية بحث، وكأنني محقّقة.

بين عامي 2014 و2015، أُصبت بمرض، وبتّ غير قادرة على الحركة لفترة، وباتت حتى حركتي الميدانية ضعيفة، كتبت رواية، كانت أوّل روايةٍ لي بعد الثورة ؛ "المشاءة"، في العام 2016،  تلتها رواية "مقام الريح" سنة 2021 وهي من أحبّ رواياتي إلى قلبي.

كان اندفاعي هائلاً، وحماسي كبيراً، في السنة الأولى من الثورة، مُنطلقة من قدرتنا على التغيير، وستبقى تلك الأشهر الأولى فردوسي المفقود، وهكذا ستجد أنّ "تقاطع نيران" و"بوابات أرض العدم" كُتبتا بلغةٍ روائية.

في "19 امرأة" (المنشور في ٢٠١٧)، و"ذاكرة النقصان: روايات أهل غزة عن الإبادة" (المنشور في ٢٠٢٥)، أو الكتاب الجديد الذي سيُنشر لاحقاً عن حياة الأستاذ الشيخ عبد الأكرم السقا، كلّ هذه الكتب كانت عن حيوات الناس، وذاكرتهم الشخصية التي أحاول نظمها في ذاكرة جمعية،  أنا جزءٌ منها، أنا الخرساء في الكواليس التي تحاول أن تفهم العالم المتوحّش عبر حيوات أبطال كتبي!

(2): تتحدّثين في الفيلم أيضاً عن "صدفة محضة جعلتنا سوريين/ات ونكون شهوداً على كل هذا العنف"، وكيف أنه "للمرة الأولى في حياتي أصبحت أحب سوريا"، بعد اندلاع الثورة. اليوم، وبعد سقوط النظام كيف تصفين علاقتك بسوريا، وماذا تعني لك؟

هناك ثوابت في علاقتي بسوريا. لم أفقد حتى الآن هُويّتي الوطنية السورية. سوريا هي المكان الذي جئت منه، وقضيت فيه 40 عاماً من حياتي، قبل أن أعيش في المنفى.. لغتي، عائلتي، أصدقائي، مشروع حياتي، فرصة للعيش بكرامة بين أناس أنتمي إليهم، وينتمون إليّ… أحياناً أتساءل إن كنت أنتمي إلى ذاك التيار الإنساني فحسب، لكن في مكان ما، أعتقد أنني سورية جداً وما زلت.

لكن لا أخفيك، علاقتي مربكة الآن بسوريا، التي تبدو لي كجرح مفتوح ويتضاءل أملي يوماً بعد يوم في قدرتنا على استعادتها، وأعتقد أنّ كثيراً من السوريين مثلي. نحن الآن في لحظةٍ صعبة للغاية ومضطربة وحرجة، لحظةٌ فيها تحوّلات عالمية كبرى، حتى فيما يتعلّق بمفاهيم مثل الوطنية والقومية.

(3): "لديّ هاجس في حفظ الذاكرة إلى درجة أصبحت فيه مقبرة". هذا قول لك، أنتِ التي جمعت خلال سنوات الثورة، الكثير من الشهادات لنساء سوريات، لاجئين/ات، قرأناها في كتبك، في محاولةٍ كما قلت في لقاءات سابقة لحفظ الذاكرة، لكن أيضاً دراسة دوائر العنف، البحث عن تفكيك الشر، الضحايا والجلادين، مسؤولية النظام (السيستم) والأفراد.. كيف تنظرين إلى العنف والإجرام الحاصل بعد سقوط "السيستم"؟ هل نحن أمام عناصر منفردة، أم مسنّنات في آلة قمع؟

أنا أهرب من آلامي الشخصية دوماً، ولا أودّ الخوض الآن فيها. عندما سقط النظام، عدت كشأن الكثير من السوريين وفي نيّتي الاستقرار. راقبت كيف بدأت الانتهاكات بعد عشرة أيّام من السقوط، وكيف خرجت دعوات لعدم تصوير الانتهاكات، وأنا وجدتها دعوةً للقتل، واتُبع نهج تحريض وانتقام عشوائي، عوضاً عن البدء بآليةٍ واضحة لتطبيق العدالة الانتقالية.

وثقت بنفسي مجزرة الحولة في عهد الأسد، وعدت ووثّقت ما حصل مع نساء مُختطفات في سوريا اليوم. كان من الغريب أن أتابع وأوثّق حالتين لشابتين اسمهما روان، إحداهما في عهد الأسد، والأخرى في عهد الحكومة الانتقالية، وأجد نفسي أمام "السيستم" نفسه حقاً مع فارق، أنّ الخطف والاغتصاب والتعذيب يتم اليوم على أساس طائفي وبأسلوب أكثر وحشية، فيما كان على أساس سياسي في عهد الأسد.

وثقت بنفسي مجزرة الحولة في عهد الأسد، وعدت ووثّقت ما حصل مع نساء مُختطفات في سوريا اليوم. كان من الغريب أن أتابع وأوثّق حالتين لشابتين اسمهما روان، إحداهما في عهد الأسد، والأخرى في عهد الحكومة الانتقالية، وأجد نفسي أمام "السيستم" نفسه حقاً مع فارق، أنّ الخطف والاغتصاب والتعذيب يتم اليوم على أساس طائفي وبأسلوب أكثر وحشية، فيما كان على أساس سياسي في عهد الأسد. وثّقت اتباع نهج النظام الساقط نفسه في التعامل مع الضحايا؛ الطلب من نساء مُختطفات الخروج على شاشات التلفزيون السوري الرسمي، وترديد الرواية نفسها، على طريقة نظام بشار الأسد. الآلية نفسها، مع الفرق في استخدام التقنيات الرقمية الجديدة.

وثّقت اتباع نهج النظام الساقط نفسه في التعامل مع الضحايا؛ الطلب من نساء مُختطفات الخروج على شاشات التلفزيون السوري الرسمي، وترديد الرواية نفسها، على طريقة نظام بشار الأسد. الآلية نفسها، مع الفرق في استخدام التقنيات الرقمية الجديدة.

كان بوسع المرء التعامل بهدوء مع هذه الحكومة الانتقالية، لو رأينا منها بادرة حسن نيّة فقط وعُوقب أيّ مجرم، لكن ما تفعله بسياسة الإفلات من العقاب (بيان وزارة الداخلية عن عدم وجود حالات اختطاف نساء مثالاً) وعدم المحاسبة، يؤكّد لي أنّها لا تختلف عن النظام السابق إلا باختيار الضحايا. بمعنى لا تُقتل لأنك كنت مع النظام السابق أو ضدّه، بل وفق هُويّتك الطائفية. لذلك العنف مرتبط بالسيستم مجدداً، لكن المسننات مختلفة ربما.

لم تتوقّف الخيبات عند هذا الحد. بعد مجازر الساحل، عملت على توثيق روايات الهاربين إلى لبنان، بقيت لأشهر أتابع قصص نجاتهم في شمال لبنان، ورأيتهم أولئك الضحايا الجدد، الذين تُركوا وحدهم يفترشون الطرقات، ولم يُعترف بهم حتى كلاجئين، كما فعلت سابقاً مع السوريين عموماً في ٢٠١١، وطلبت من مؤسّسات مجتمعٍ مدني، ذات صلة بالثورة، دعمهم، فاصطدمت بعدم التعاطف والتجاهل، بما فيها المؤسّسة التي قمت بتأسيسها.

كان عدم الاكتراث هذا صدمةً أخلاقية عالية في تمزق آخر نسيج يربطنا ببعضنا، إذ لم أفكر قبلاً في هُويّة الضحية الدينية! ولم أتوقع ذلك! كانت الاستجابة ضعيفة جداً غالباً من منظمات المجتمع المدني المعارض (سابقاً)، حتى أثناء حصول المجازر، وكانت النساء والأطفال يهربون الى الأحراش في الجبال ولا نجد حتى الحليب والماء لإنقاذهم!

السلطة الانتقالية لم تفعل شيئاً. قلت منذ البداية إنّهم مختلفون عنّا ولكنهم سلطة أمر واقع، دخلوا بترتيبٍ دولي، ولم يرتكبوا المجازر، لنرَ ماذا سيفعلون، واجبنا أن نعود ونعمل مع الناس ضدّ إرث الخراب الذي خلّفه الدكتاتور المتوحّش، ربّما كانت قراءةً سياسية ساذجة.

(4): تنبّأتِ خلال مجازر نظام الأسد، ضدّ الغوطة مثلاً، بأنّنا لن نعيش أسوياء مُجدّداً، ولن نستطيع العيش حياة طبيعية، العنف شديدٌ لدرجة يفقدك عقلك.. هل ترين أنّ السوريين/ات بحاجة إلى وقت طويل حقاً ليتخلصوا من الآثار التي خلّفها "السيستم" داخلهم؟

عندما تراقب التفسّخ والشروخ الهائلة بين السوريين/ات، والطريقة العنيفة التي تعاملوا بها مع بعضهم بعضاً بعد السقوط، من دون أن يقدّم طرف اعتذاراً، ومن دون أن يبذل الطرف الآخر جهداً لمنع إعادة تدوير الشر، تكتشف أنّنا بالتأكيد بحاجة إلى وقت طويل حقّاً للتخلّص من تلك الآثار. هذا ما حصل دوماً على مدار تاريخ البشرية، إلا أنّ مسرحته الآن وظهوره بشكل علني ومباشر، يزيد ويفاقم حالة العنف ويحرّض عليه.

عزيز العظمة: عن سوريا بين سقوط النظام وصعود الإسلاميين

17 كانون الثاني 2025
يتناول هذا الحوار مع الأستاذ والدكتور عزيز العظمة مجموعة من القضايا الحيوية المتعلّقة بالواقع السوري الراهن وتحوّلاته بعد سقوط نظام بشار الأسد. كما يناقش العظمة مواضيع محورية مثل صعود الجماعات...

وأنا أرى إجرام بشار الأسد سابقاً، كنت أتنبّأ بإجرام مقابل بعد سقوطه، وكتبت عن ذلك في العام ٢٠١٣. لذلك سميت كتابي "بوابات أرض العدم"، وقلت سوريا مفتوحة على أرض العدم. لكن هذا لم يمنعني من القول عند سقوطه، لنرَ ماذا ستفعل هذه الجماعة التي وصلت إلى السلطة، حتى ونحن نعرف خلفياتهم.

أمام هذا الواقع، بوسع المرء أن يبدأ من ذاته، ألّا يسكت عن الظلم وألّا يفقد الأمل في الدفاع عن الضحايا، وإعلاء صوتهم. أيضاً، ألا يواجه الشر السائد الآن بما يقابله، وألا يخوض في القتل المعنوي المستمر بين السوريين/ات منذ ٢٠١١، بوسعنا فعل الكثير لتجاوز المرحلة. على أن نضع في حسباننا بأننا لن نشفى أبداً، أرى في عدم تدوير العنف ضدّ الآخر وعدم إعادة إنتاجه، بطريقة أو أخرى، ومساعدة الآخرين، تحييداً لهذه الفترة الدموية التي تقتلنا جميعاً.

(5): في نصّ لك عن الجرائم اليومية التي يتعرّض لها العلويون/ات في سوريا، تقولين "لم يُسقط السوريون الطاغية فحسب، لقد أسقطوا معه صورةً مشوّهةً لأنفسهم كانت تحكمهم. فحين تنتقم جماعة من أخرى، فإنها في الحقيقة تنتقم من ذاتها المقهورة التي رأت في الآخر مرآةً لضعفها. إنّ التماهي بين النظام والطائفة لم يكن قَدَراً، إنه صناعةٌ سياسيةٌ دؤوبةٌ فعلتها عائلة الأسد في نصف قرن، قامت على الخوف والتوريث والتواطؤ المتبادل، حتى بات من المستحيل تقريباً تفكيك العقدة من دون تمزيق النسيج الاجتماعي بأكمله".  هل كان لديك تصوّر لسيناريو آخر لتفكيك العقدة التي ذكرتِها، رغم فرص نجاحها الضعيفة، قبل المجازر التي تكثّفت في ربيع ٢٠٢٥؟

لم تكن لدي أوهام عن عدم سقوط ضحايا من العلويين بعيد سقوط النظام. لذلك عندما دخلت قوات "ردع العدوان" للمدن دون مجازر اعتبرتها معجزة، وقلت لنرَ ماذا سيفعلون الآن.

أعتقد أنّ المرحلة القادمة ستكون مرحلة صراع سرديات مُخيف بين مهزوم ومُنتصر. وعوض أن تكون الذاكرة فعل مقاومة من أجل بناء المستقبل، ستكون هناك صراعات تشبه صراعات انهيار الهُويّة الوطنية السورية.

كان لدي في البداية تصوّرٌ مثالي ربما، أسميه حقّ المثقف أو حقّ أولاد البلد بابتداع أحلام لبناء بلدهم، وهذا ما فعلته عملياً، عندما عدت إلى البلد بعد سقوط النظام، وزرت المناطق المنكوبة مثل داريا وجوبر.. حاولت بناء شبكات من السلم الأهلي بين إدلب واللاذقية وطرطوس ودمشق. زرت قرى وقلنا للناس لنفتح صفحة جديدة. وعلى عكس ما يُشاع، كان غالبية العلويين متجاوبين مع الحكومة الجديدة في البداية. رغم ذلك، لم أتفاجأ للغاية بحدوث المجازر في الساحل، لإدراكي تماماً لصناعة الطائفية منذ قرابة ٥٥ عاماً، وأنها لن تزول قبل عقود، وبعد الكثير من العمل. لكنّني مدركة تماماً أيضاً أنّه ليس هناك رغبة حقيقية من السلطة الانتقالية للعمل على الحدّ منها، على ما لمسته شخصياً داخل سوريا، وما زلت أتابعه، حتى هذه اللحظة. ما يحصل حقيقة هو تدمير ما تبقى من الهوية الوطنية السورية. لذلك كنت مصرّة على أن تكون حياة الشيخ، التنويري، عبد الأكرم السقا، حاضرة، وكنت أكمل كتابة كتابي عنه أثناء هذا العنف، أجده مثالاً يحتذى للحديث عن إسلام معتدل في هذا السيرك الدموي، لقد تأثّرت بأفكاره وبطريقته اللاعنفية والسلمية، وتعلمت من كتبه وحياة طلابه الكثير.

إصرار السلطة على نفي الجرائم المُرتكبة واتباعها سياسة الإفلات من العقاب وعدم الانضباط والتحريض، جعل كلّ هذه المشروعات التي أفكّر فيها، أنا وغيري من السوريين العائدين للبلد، واهنة.

(6):  في لقاء صحفي لك قبل قرابة عام من سقوط النظام، قلت "الحراك الشعبي في مختلف الثورات في العالم عادة ما يكون أقوى من حراك المثقفين. وأنا لا أحمّل المثقفين المسؤولية قبل تحميل نفسي هذه المسؤولية، كان هناك الكثير من المثقفين الذين وقفوا مع الثورة، لكني كنت أتوقّع أن يكون هناك التزام أكبر بعيداً من المنطلقات الطائفية والطبقية"، ما الذي تشعرين به وأنتِ تنظرين الآن إلى الخلف، إلى مواقفهم بعد سقوط النظام، خاصّة فيما يتعلّق بالمجازر التي حصلت في الساحل والسويداء؟

كما سبق وقلت، دائماً ما أحمّل نفسي المسؤولية، وهي مسؤولية كلّ مثقف، عندما يكون صاحب كلمات، لأن الدور الرسولي للمثقف سقط.

قبل سقوط النظام، كان لدي خيبة حقيقة من كثير من المثقفين، أصدقائنا ذوي الخلفية اليسارية، المنتمين إلى الأقليات بالمثل، أشعر الآن (غالباً) بخيبة شديدة ليس فقط من مثقفي الأكثرية، ولكن من رفاق ورفيقات "نضال" عملت معهم طوال 15 عاماً مضت، ضمن حركات أنتجت شبكات نسوية، وعلاقات مع ناشطات وناشطين، ما جعلني أشعر بخيبة أمل هائلة، ليست فقط مواقفهم من مجازر الساحل، والسويداء، وعدم رغبتهم في رؤية الانتهاكات، وإنما دفاعهم عن السلطة، وكأنّ مهمتنا كانت القضاء على السلطة والإتيان بسلطة أخرى.

بعد 15 عاماً من المجازر، وعام أوّل بعد السقوط، وما فيه من استباحة للقتل ومجازر أيضاً، هناك غياب للوعي بضرورة مأسسة بلد فيه قانون، يأخذ الناس حقوقهم عبره، هناك إعادة إنتاج للشر، ينبغي الحديث عنه بوضوح، وعلناً.

(7): في مقال لك، تدعين لاستخلاص العبر ممّا كتبته الروائية الهندية أرونداتي روي، "بعد لحظة ما سمّي (النصر)، تلك اللحظة التي اشتبهت على السوريين إلى حدٍّ لم يُعرف فيه من الذي انتصر فعلاً؛ الشعب أم اللغة التي أعادت إنتاج النظام في كلماتٍ واستعاراتٍ جديدة؟"، محذّرة من خطر تحوّل الثورة إلى أسطورة جديدة تُعيد إنتاج الطغيان في صيغة رمزية؛ وانقلاب اللغة الثورية إلى خطاب إقصاء عندما تحتكر الحقيقة، قبل أن توجّهي ما يشبه "وصايا" للكتاب السوريين. ما الذي يقلقك، ويجعلك تشعرين بأننا نمضي في الاتجاه الخاطىء في المعالجة الثقافية لإرث الماضي الديكتاتوري، والتعاطي مع لحظات التأسيس المربكة؟

لا أتفق مع توصيفك، على أنّنا نعيش لحظات تأسيس مربكة، هي لحظات تفكيك ربّما إذا استمر الحال على ما هو عليه.

على أيّة حال، يقلقني الكثير من الأمور، اللغة التي نستخدمها مع بعضنا، وإنتاجنا الثقافي والمعرفي، وعلاقاتنا مع بعض كمثقفين، والكسل اللغوي والمعرفي.

وطلبت من مؤسّسات مجتمعٍ مدني، ذات صلة بالثورة، دعمهم، فاصطدمت بعدم التعاطف والتجاهل، بما فيها المؤسّسة التي قمت بتأسيسها. كان عدم الاكتراث هذا صدمةً أخلاقية عالية في تمزق آخر نسيج يربطنا ببعضنا، إذ لم أفكر قبلاً في هُويّة الضحية الدينية! ولم أتوقع ذلك! كانت الاستجابة ضعيفة جداً غالباً من منظمات المجتمع المدني المعارض، حتى أثناء حصول المجازر، وكانت النساء والأطفال يهربون الى الأحراش في الجبال ولا نجد حتى الحليب والماء لإنقاذهم!

لطالما أعادت الثورات الكبرى في التاريخ، كشأن الفرنسية والبلشفية، إنتاج السلطات القامعة التي حاربت ضدّها، لكنها مع ذلك، دائماً تحقّق القليل من المكاسب. ما يُقلقني فعلاً في الحالة السورية، ليس عدم حصولنا على مكاسب فحسب، بل تراجعنا إلى الوراء. يقلقني عدم قدرتنا على إنتاج خطاب ثقافي جامع ونابع من راهنية هذه اللحظة.

لا أريد توجيه نقد أو وصايا لأحد، بل أميل لتوصيف الحقائق.. اللغة الثورية الآن لغة ديكتاتورية تحتكر الحقيقة الكاملة، وتقصي الآخر، وتهاجمه، بل وتقتله معنوياً ومادياً. لأصدقك القول، أشعر وكأنني عدت للعام 2011.

(8): تعتبرين أنّ الذاكرة في الأدب ليست استرجاعاً، بل فعل مقاومة ضدّ النسيان السياسي. "وفي سورية، لن تكون الذاكرة مجرّد أرشيف للعذابات والمجازر، بقدر ما ستكون ميدان الصراع الجديد على شرعية السلطة: من سيُسمح له بأن يتذكّر؟ ومن سيُجبر على النسيان باسم المصالحة الوطنية؟ لذلك، سيكون على الأدب السوري أن يتحوّل من رثاء إلى مقاومة، من تذكّر المأساة إلى فضح آليات محوها". هل أنتِ مُتفائلة أم مُتشكّكة في انضمام الكثيرين لهذه المقاومة الثقافية، بعد لحظة "انتصار الثورة"، التي باتت تعتبر لحظة انتهاء التاريخ، سقطت بعدها كلّ أسباب العمل العام؟

لا أظن أنّ الثورة انتصرت، هرب بشار الأسد، نعم، وكنت أظن أنّنا سنبدأ الثورة بعد هروبه، ولا أعطى لنفسي مشروعية أن أقرّر أو أعطي رأياً مُطلقاً ويقينياً حول شكل المقاومة الثقافية. ليس هناك كتلة ثقافية يمكننا الحديث عنها بشكل واضح، أو معرفة حقيقية بهذه المقاومة الثقافية، وسط هذا التشتّت والاضطراب الذي نعيشه.

أرجو أن أكون مُتشائمة فقط، وأن تخذلني توقّعاتي، لكنني أعتقد أنّ المرحلة القادمة ستكون مرحلة صراع سرديات مُخيف بين مهزوم ومُنتصر. وعوض أن تكون الذاكرة فعل مقاومة من أجل بناء المستقبل، ستكون هناك صراعات تشبه صراعات انهيار الهُويّة الوطنية السورية.

حوار غير منشور سابقًا مع الأب باولو

29 تموز 2022
في نهايات العام 2012 التقى وسيم حسن بالأب باولو على هامش أحد مؤتمرات المعارضة وسجّل معه حوارًا صحفيًا لم يعرف طريقه إلى النشر كاملًا حتى اليوم، علمًا إنّ بعض أجزائه...

أعيد ذلك إلى عدم الاعتراف بالآخر، فالسوريين لا يقرؤون نتاج بعضهم الثقافي والفني والمعرفي، في ظلّ هذا العنف والانقسام، بداية بين الداخل والخارج، ثم بين الهُويّات الطائفية والقومية، ثم بين أبناء الكتلة المفترضة الواحدة، المدنية والديمقراطية..

أرى أنّ على المثقفين تقوية علاقتهم بالشأن العام بدلاً من الانصراف عنه، باستخدام أدوات جديدة، وأن يصرّوا على سردية المقاومة عبر الذاكرة بالبحث عن الحقائق، وذلك وفق بوصلة العدالة، التي لا تجعلنا ندخل في صراع سرديات دينية وطائفية.

أظنّ أنّنا نحتاج إلى وقت، سنوات ربّما، حتى يجتاز الأدب السوري هذه المرحلة، قد يظهر أدب مُختلف، تختفي فيه هذه الصراعات لصالح القيمة الجمالية للأدب والفن، أدب يخلق أواصر التعاطف الإنساني والجمالي. جمالية الأدب تكمن في هذا الاتساع وفي فتح نافذة للبشر، على أن يضعوا أنفسهم مكان الآخر.

لذلك أيضاً وبالعودة للحديث عن السرديات، وجدت صعوبة في الابتعاد عن مشروع البحث عن الحقيقة عبر كتبي التوثيقية، فيما أحاول في الأدب إيقاظ المجاز والشعر والخيال، أحاول ملامسة الحقيقة بأدوات دقيقة ومرهفة، الخيال يعيد إنتاج الواقع... السرد يتغيّر الآن مع تغيّر المفاهيم الإنسانية قاطبة بعد الثورة الرقمية... نحن أمام أبواب مفتوحة، لا نعرف ما يوجد خلفها.

(9): إلى جانب الكتابة الصحفية والروائية، شاركت في حملة تدعو لإيقاف اختطاف النساء السوريات مؤخّراً، ونشاطك العام معروف منذ اندلاع الثورة. كيف تنظرين إلى الناشطية المجتمعية، كمكمّلٍ للمقاومة عبر الأدب، يُرجى منها تحقيق نتائج قصيرة الأمد، مقارنة بالمقاومة الأدبية؟

بدأت بمتابعة بعض حالات اختطاف النساء، منذ شباط/فبراير 2025. ثم صادفت حادثتي خطف نساء، عندما التقيت في سهل عكار بلاجئين ناجين من مجازر الساحل، رغم اعتقادي حينها بأنّ مرتكبي المجازر لم يستهدفوا النساء.

لاحقاً، فكّرت أنّ هذه الجروح العميقة لن تندمل ببساطة، بل عليها أن تتوقّف، في ظلّ غياب عدالة انتقالية وسياسة الإفلات من العقاب، وبحثت مع عدّة مجموعات عمّا نستطيع فعله. نظراً إلى إقامتنا في أماكن مُتباعدة، اتفقت مع إحداها على إطلاق هذه الحملة، كمظاهرة إلكترونية ندعو الجميع للانضمام لها، وتسجيل فيديو لصالحها، لنقول بإنّ هناك نساء يُخطفن ويتعرّضن للاغتصاب بدوافع طائفية. أن نتحدث عن الضحايا هو أضعف الإيمان!

يعمل مجموعة من المتطوعين والمتطوعات، في الحملة ليل نهار، بحثاً عن الحقيقة، وليقولوا إنّ هناك جرائم حرب تحصل باسم الثورة، أوقفوها من أجل مستقبل سوريا.  الخطف والاغتصاب يتم على أساس طائفي، والفئة المستهدفة فيها هي من النساء العلويات غالباً. وهذا ليس بجديد، إذ لطالما اُستخدمت أجساد النساء كأداة كعقاب جماعي ورمزاً للسيطرة على المجموعات وإذلالها.

ما يُقلقني فعلاً في الحالة السورية، ليس عدم حصولنا على مكاسب فحسب، بل تراجعنا إلى الوراء. يقلقني عدم قدرتنا على إنتاج خطاب ثقافي جامع ونابع من راهنية هذه اللحظة. لا أريد توجيه نقد أو وصايا لأحد، بل أميل لتوصيف الحقائق.. اللغة الثورية الآن لغة ديكتاتورية تحتكر الحقيقة الكاملة، وتقصي الآخر، وتهاجمه، بل وتقتله معنوياً ومادياً. لأصدقك القول، أشعر وكأنني عدت للعام 2011.

كان نظام الأسد يهدف من كلّ ما قام به خلال ٥٥ عاماً، إلى ايصالنا إلى هذه اللحظة. عندما تقوم هذه السلطة بحماية المجرمين والتستر عليهم وإنكار الجريمة، كان لابدّ من إعلاء الصوت والخروج بهذه المظاهرة الإلكترونية، التي أطلقنا عليها اسم حملة "أوقفوا خطف النساء السوريات".

لقد وثقت الانتهاكات ضدّ النساء قبل هروب الأسد، ثم وثّقتها بعد هروبه، هناك عملية مُمنهجة لخطف النساء واغتصابهن بشكل متكرّر، على أنّهن غنيمة حرب. لدينا شهادات مرعبة، جعلتنا نبدأ الحملة، وكان الأمر على نحو: كيف يمكننا النوم وهذه الجرائم تحصل، وتُنتهك باسم الثورة طفلات وتُخطف وتُغتصب النساء؟

مساهمتي في إطلاق هذه المبادرة كان بمثابة متابعة لدوري السابق خلال الثورة. هذا ما فعلته عندما أسّست منظمة "النساء الآن" في ٢٠١٢،  وظللت أزور إدلب مراراً طوال عام، لأعرف احتياجات النساء فيها، أدور في القرى وأنا كلي إيمان بأن عملنا يجب أن يكون مع المجموعات المحلية، وأن علينا كسر جدار الخوف والتمرد على كافة أشكال السرديات السائدة. لقد عشت بين أهل ريف إدلب، وكنت على خط الجبهات أكتب، وفي المشافي، وكنا نبني المشاريع الثقافية والتعليمية وغيرها.  أسست "النساء الآن" في تلك السنة الكبيسة بين تلك القرى وبين الناس ومنهم ومعهم، وبقيت حتى العام ٢٠١٣، حين ظهر داعش، واضطررت للخروج جرّاء تحريض من مثقفين طائفيين محسوبين على الثورة.

(10): في ظلّ العنف المتجدّد المهول في سوريا وغزّة، ما الذي ما زال يجعلك تنهضين من سريرك كلّ يوم، مُتحفّزة، للتوثيق وجمع الشهادات، والعمل العام؟ هل هزّ ما جرى في العام المُنقضي إيمانك بأنّه ما زال ذو جدوى؟ أم أنّ ما سبق بات يلعب دور جرعة مسكّنة، إلى حين ربما، يتناوله المرء بطريقة لا واعية، ليتعامل مع مشاعر العجز واللا جدوى الحاضرة؟

أنطلق في العمل على كلّ كتاب توثيقي، بهدف منح الضحايا صوتاً، وألا يتم غضّ الطرف عن آلامهم، وإعطاء فرصة للتعاطف الإنساني، وإكمال مشروعي الشخصي/السياسي، عبر ذاكرة جمعية، أساسها حيوات البشر، والعمل ضدّ العقائدية والشعارات السياسية التي عشنا عليها طوال عمرنا.

كيف نفهم العدالة في سوريا بعد عامٍ من سقوط نظام الأسد؟

06 كانون الأول 2025
شهدت سوريا في العام التالي لسقوط نظام الأسد غياباً لمسار عدالةٍ انتقالية طال انتظاره. بل وتشكلت طبقات جديدة من الجرائم، خاصة في منطقة الساحل والسويداء. الكاتبة ياسمين نايف مرعي، التي...

كلّنا عاجزون.. فكلّ ما نفعله لا يغيّر كثيراً من الواقع، مع ذلك، نحن أمام خيارين، أن نفعل ما علينا، أو نغضّ الطرف ونمضي في حياتنا.

ما يجعلني أنهض من سريري كلّ يوم، هو ربّما ذاك الأمل بما هو أفضل للآخرين، شعوري بالمسؤولية. لا أفكر حقيقة في أيّ نشاط كجرعات مسكّنة، لا زلت مؤمنة بقليل من العدالة.

الفرد يعنيني! حياة فلسطيني/ة واحد، تعني لي أكثر من الشعارات التي قيلت عن فلسطين منذ ٧٠ عاماً، حياة سوري/ة واحد تعني لي أكتر من شعارات النصر أو الهزيمة.

أشعر بأنّني لا أملك إلا هذا الخيار. أعيش مع كلماتي ومشاريعي وكتبي. مشروعي الروائي هو حياتي ووجودي الذي أطمح للسكن فيه، أنا منفية عنه الآن وأحاول استعادته، وليس لديّ تفسير له.

عادة ما لا أحبّ الحديث كثيراً وأميل للعمل أكثر، أحبّ فعل الاختفاء كشكل من أشكال التفكير الهادئ والممنهج، وهي طريقتي في العمل ضدّ سيولة وميوعة هذا الزمن، لكنني أحكي الآن معك، ولا أتوقّف عن الكتابة، لأنني أشعر بضرورة ذلك؛ بخطورة الكلام واللغة، وخطورة الصمت أيضاً، والذي أجده (الصمت) أحد تعبيرات اللغة. أعيش في هذه الثنائية الحادة المتناقضة المؤلمة، اسميها الليمبوس!  وهي جوهر حياتي.

أنا حذرة جداً في هذه اللحظة الوحشية التي نعيشها، التي لا يريد الجميع فيها الاستماع، أخرج من كهفي أحياناً وأحكي، ثم أنني دائماً أكتب وأنشط كنوع من المقاومة، التي تعني من بين ما تعنيه، ألا نتحوّل إلى كائنات مفترسة!

مقالات متعلقة

عن حال الإعلام السوري المستقلّ خلال عام ما بعد السقوط.. تغطية اختطاف النساء مثالاً

03 كانون الأول 2025
التحقيق الذي نشرته وكالة رويترز في ٢٧ يونيو/حزيران، عن اختطاف النساء في الساحل، دفع البعض من الجمهور السوري إلى طرح تساؤلاتٍ تحمل في طياتها انتقاداً وتوبيخاً، عمّا إذا كان عليهم...
كأنها القيامة: الصفحة الأخيرة في دفتر هزيمة نظام الأسد

08 كانون الأول 2025
في التحقيق التالي تعرض سوريا ما انحكت شهادات عناصر وضباط من الجيش السوري السابق، يتحدّثون فيها كيف عايشوا الأيام القيامية الأخيرة لنظام الأسد، وهم يشاهدون منظومةً قضوا فيها سنواتٍ طوال،...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد