مذ تشكّل التحالف الدولي ضد داعش والحيرة تضرب السوريين، وكأن ثمة ما يعجزون عن تفسيره، وهو ما جعل موقفهم أقرب إلى "البين بين" بداية الرفض الآن، فلا هم قادرون على الوقوف ضد الضربة عمليا، لعدم امتلاكهم آليات تحقيق ذلك، لأنهم يريدون هزيمة داعش التي خرّبت ثورتهم وأدخلتها في متاهات الإرهاب، ولا هم قادرين على القبول بها لعجزهم عن فهم الأهداف النهائية لها، خاصة أن النظام الذي ثاروا ضده لازال يقصفهم بالبراميل ولازالت مدافعه ترسل حمم موتها نحو بيوتهم ومدنهم وقراهم، وأن وطنهم يُضرب ويقصف وهو ما يمس السيادة الوطنية التي طالما تفاخر بها السوريون، وهو ما عبر عنه الفنان "هاني عباس" لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold" بالقول: "أي تحالف هو ضد سوريا و شعب سوريا بالتأكيد. اسمه الحقيقي هو عدوان على الأرض السورية. و لو أراد العالم خيرا لهذا الشعب لما سمح بكل الذي يحصل الآن. ووقف بجانب الشعب السوري الحر".
السيادة التي انتهكت كانت موضع جرح لدى كل سوري، إذ لم يستطع السوريون إخفاء امتهان كرامتهم وامتعاضهم من الطائرات التي تحلّق في سمائهم دون أن يكون لهم أيّة قدرة على ردعها، ناهيك عن كون قيام النظام بالترحيب بهذه الضربات زاد من شعورهم بالمهانة، حد أن أقدم أحد السوريين من مدينة حمص على نشر شريط فيديو له وهو يقوم بتوجيه كلام قاسي للدكتاتور بكل ما يحمله ذلك من مخاطرة على حياته، وهو الأمر الذي لقي تفاعلا مكثفا على صفحات التواصل الاجتماعي، نظرا لنطق الشريط بما يعتمل داخل كل سوري من جهة، ولما يحويه الشريط من طرافة حمصية من جهة أخرى.
الامتعاض السوري من التحالف عبّر عن نفسه بشكل مكثف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قالت الفنانة "يارا عيسى": "خمسين دولة عملو تحالف لقصف أرضنا اللي فيا كم متطرف. يا عمي طلعنا عالم مهمين. بس بلكي شي دولة منهم تطلع بهال٥ مليون لاجئ بالمخيمات. ولا المتطرفين ٱحق بهالمصاري ؟؟؟عفكرة هالمصاري كانت غيرت حال سوريا كلها. لك حتى المتطرفين بس ياكلو منيح بصيرو اوادم. بحب وجه رسالة زغيرة للتحالف الدولي ( رفقا بحقوق الحيوان في سوريا )"، في حين كتبت القاصة سوزان خواتمي تحت عنوان "السوريون المقصفون" أن "النظام قصفنا، الكتائب قصفتنا، أمريكا قصفتنا، إسرائيل قصفتنا، و 80 دولة اتفقت على قصفنا، لك انو حتى الأردن قصفنا" !!
غموض الأهداف التي يسعى لها التحالف، دفع الكثير من السوريين لاعتباره تحالفا مزيفا هدفه خداع الشعب السوري والرقص على دمائه، حيث قال الفنان "خالد مالك" لموقعنا سيريا أنتولد Syria untold" أن هذا التحالف "مزيف هدفه أن يخدع الشعب, بزيادة عدد الضحايا, مع عدم تكبيد النظام أي خسائر، لا يصب بمصلحة الدولة نهائيا, وإنما بمصلحة المجتمع الدولي أولا: لأنه وسيلة لحفظ ماء وجهه أمام المجازر الإنسانية المرتكبة بحق الشعب السوري, وإخماد الثورة, ولمصلحة النظام ثانيا :وذلك بالتخلص من عدوه (الشعب(".
ولكن التواؤم والتزامن بين تقدّم الضربات واستمرار قصف النظام السوري للمدن والبلدات جعل العديد من السوريين يدركون أن التحالف لا يصب في مصلحة ثورتهم، إذ قال الفنان "مصطفى يعقوب": "التحالف الدولي هو تصفية حسابات وسياسات أمريكية ودولية تجري فوق وطننا ..والمتضرر الأكبر بكل تأكيد هم المدنيين والأطفال, ففي الوقت الذي تضرب به طائرات التحالف المدن السورية بحجة محاربة الإرهاب تتجول طائرات النظام السوري هي الأخرى بكل حرية وسفالة، وتقصف المدن والمدنيين بالبراميل وترتكب المجازر فأين محاربة الإرهاب وأين مصلحة الشعب السوري من كل مايجري ؟".
الحيرة والأسئلة القلقة والرفض لهذا التحالف وجد صداه في لوحات الفنانين، حيث استعار الفنان "مصطفى يعقوب" شعار حزب البحث الشهير ليتلاعب به، مستبدلا شعاره بـ "جيوش عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة" في سخرية من البعث الذي يرحب بقصف التحالف الدولي لبلاده من جهة، وفي سخرية من الجيوش العربية المشاركة في التحالف من جهة أخرى. وقد عبر الفنان عن لوحاته التي رسمها على خلفية هذا الأمر بالقول " هي خرجت من قلب محروق لرؤية الطائرات العربية، ولأول مرة بتاريخ هذه الأمة تطير جنبا إلى جنب مع طائرات الاحتلال الأمريكي وتقصف سوريا والثوار. فثلاث سنوات من صراخ النساء والأطفال لم تحرّك هذه الجيوش العربية. ولكن بمجرد ما أتتهم الأوامر الأمريكية بالتحرك هبّوا وقصفوا وضربوا دون أن يطلقوا ولو رصاصة على ميليشيات الأسد التي تذبحنا ليل نهار"، وهو ما نراه في لوحته التي تجسد علما أمريكيا مصبوغا بلون الكوفية العربية.
واختار الفنان "فادي زيادة" أن يعبّر عن غضبه من خلال عدة لوحات حملت عنوان "إصابات دقيقة" في سخرية من دقة إصابات طائرات التحالف التي تصيب الجسد السوري المثخن بالجراح، من قبل "قوات التحالف" التي سخر منها بلوحة حملت عنوان "الصورة كاملة" حيث يتقدم أوباما صفوف الحكومة السورية بقيادة الدكتاتور! حيث قال لنا تعليقا على لوحاته أن "أول الضربات كانت لمقرات للجيش الحر قبل داعش، سوريا مخرقة متل الغربال مين ما بده بيضرب فيها".
هكذا بات التحالف غطاء لضرب أي شيء في سوريا وفق رؤية السوريين، إلى درجة أن البشر في سوريا لم يعد يعرفون بأي سلاح يموتون، هل بسلاح قوات التحالف أم بسلاح النظام، وقد عبر الفنان "هاني عباس" عن الأمر بكاريكاتير يظهر طفلان يهربان من القصف وهما يصرخان "طيران وطني ولا أمريكي!".
الإرهاب الذي تحاربه قوات التحالف هو بالتنسيق بين الأسد والقوى الدولية كما يرى بعض السوريين، ناهيك عن كونه مجرد شماعة لتحقيق الأهداف الأخرى في سوريا، حيث يقول الفنان "زيادة" أن " أمريكا فقدت السيطرة عن الإرهاب الذي صنعته. وهي الآن اخترعت فكرة التحالف لتحرك تجارة الأسلحة وتجبر الدول على شراء أسلحة منها.. الموضوع خدعة وما بيخدم غير الأسد ليوازنو كفة الميزان بعد ما تمددت داعش وأضعفت الأسد والضربة متل ما شفنا قصفت مدنيين وجيش حر أغلبهن بنظر أمريكا إرهابيين". وهذا الرأي عبرت عنه لوحة "ابن البلد" التي حملت عنوان "تحالف أحول".
الفنان السوري المعروف "علي فرزات" بدوره اختار أن يعبر عن الأمر بلوحة تبين كيفية إدارة واشنطن للعبة التحالف هذه، من خلال دعمها لكل الأطراف وإشرافها على توزيع الأدوار.
إذن، التحالف الدولي لضرب داعش لم يقنع السوريين الذين يرون نتائجه تصب في خدمة الدكتاتور، ودليلهم على ذلك السماء التي تضم طيران النظام وطيران التحالف في آن، في حين أن صواريخهما تدك الأرض التي يقطنها شعب يناضل لأجل الحرية، علما أن الطرفان يقولان أنهما يستهدفان الإرهاب، الذي لم يفعل إلا التمدد في الأرض السورية مذ اختارا الحرب عليه!