أدى مقتل الطفل "محمد قطاع سلمو" بعد اتهامه بالكفر على يد مجموعة مسلحة قيل أنها تابعة للهيئة الشرعية "للدولة الإسلامية في العراق والشام" كما قال "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إلى إطلاق حملة واسعة من التضامن والاستهجان، وصلت حد المطالبة بتقديم القتلة للمحاكم، ونبذهم ونبذ كل فعل مماثل، لأنهم يشوّهون صورة الانتفاضة التي قامت لوقف القتل أساسا من جهة، ولأنهم يستغلون الفراغ الأمني الذي تعاني منه المناطق التي تراجعت فيها سيطرة الدولة لفرض أجندة خاصة بهم من جهة ثانية.
أكثر ما استنهض الفعل الهمجي التيار العلماني والمدني في سوريا، إذ أدى مقتل "سلمو" على خلفية قوله عبارة( إذا بينزل محمد مابدين) التي طالما رددها السوريون بلغتهم العامة، دون أن يكون لها أي معنى له علاقة بالكفر، إلى تبيان خطر المشروع الذي يحاول الركوب على ظهر الانتفاضة، خاصة حين يصبح القتل باسم الدين أداة لتحقيق هيمنة سياسية ما، الأمر الذي دفع الكثير من المثقفين والفنانين والنشطاء المحسوبين على التيار العلماني أو السلمي المدني إلى رفع الصوت عاليا ضد هذا الفعل، وضد كل من يجد مبررا له، رافضين اتهام النظام به، رغم أنه السبب الرئيس وراء كل ما يحصل في سوريا، مطالبين بإدانة الجريمة ومحاكمة من كان ورائها وعدم التستر عليه.
وزاد من حالة التعاطف مع الطفل "سلمو" شريط الفيديو الذي صوّره مركز حلب الإعلامي مع أهل الطفل، حيث أمه تبكي وتصرخ: "هذا طفل له حقوق! لماذا تقتلونه؟ ماذا فعل لكم؟ قتلوه أمامي... رصاصة في رأسه، و أخرى في فمه ورصاصة في عنقه... الله لا يوفقهم وينتقم منهم! ..لسنا مع هؤلاء او هؤلاء... تقتلون ابني، لماذا؟ (...) أهو ارهابي؟"، الأمر الذي دفع الناشطين لإطلاق حملات تطالب بمعرفة قاتل محمد، كما نظم بعض النشطاء تظاهرة في حيّ الشعار في حلب، مطالبين بفتح تحقيق كامل بخصوص الجريمة الشنعاء المرتكبة، إذ قال أحد الشباب في المظاهرة: "نحن لم نثر فقط ضد بشار و لكن ضد كل ظالم مثل بشار، و سنقاتل حتى يخرج آخر ظالم من سوريا، إيه، هي هي الحرية يلي بدناياها"، إضافة إلى تظاهرة انطلقت من منطقة قاضي عسكر في حلب إلى مقر الهيئة الشرعية، مطالبة بالاقتصاص من قتلة محمد.
https://www.youtube.com/watch?v=XXVe9VeJmiQ
وأسس آخرون صفحات للتضامن معه بعضها حمل اسم العبارة التي أدت لمقتل محمد ( إذا بينزل محمد ما بدّين) والدماء تقطر منها، أو كلنا الشهيد الطفل محمد قطاع ، إضافة إلى إطلاق حملة "لهون وبس" التي حملت عنوان "دمك محمد مو نسيانينو"، والتي دعت لإطلاق تظاهرات لمعرفة قاتل محمد، معلنة أن الثوارت لا تنتهي بإسقاط النظام.
وكعادتها كان لـ " ضمير الثورة" كفر نبل وقفة مع الأمر، إذ رفعت لافتة تستهجن مقتل الطفل، جاء فيها: "الدَّين ممنوع، فتقتل باسم الدِّين. دين أرحم على الصبي من أمه"، في حين اختارت صفحة " أحفاد عبد الرحمن الكواكبي" الرد على مقتل سلمو بعبارة لصاحب "طبائع الاستبداد" المفكر عبد الرحمن تقول: " اللهم إن المستبدين وشركاءهم قد جعلوا دينك غير الدين الذي أنزلت. فلا حول ولا قوة إلا بك".
وفي صفوف المثقفين العلمانيين قال الكاتب الكردي والسجين السياسي السابق "بكر صدقي" أنه" يجب العمل على جر القتلة أمام عدالة ما ليدفعوا ثمن جريمتهم. لاحظت في معظم ما كتب أن الغضب أو الإدانة منصبين على سبب القتل، وليس القتل بحد ذاته. وكأنه لو قتل سلمو لسبب آخر لمرّ الخبر مرور الكرام"، منتقدا بذلك التيار العلماني المتطرف الذي لا يتحرك إلا ضد الدين، في حين قال الكاتب العلماني والسجين السابق أيضا وائل السواح : "لو جاء محمد الليلة لأنكر الإسلام والمسلمين الذين قتلوا بائع القهوة. ولأنكر أيضا من أخفى القصة ونفاها وحابى المجرمين".
ودعت الروائية "مها حسن" إلى محاسبة المجرمين قائلة: " كرمال أمه.. وكرمال دمه، وكرمال الحق، وكرمال الثورة.... لازم الكل يعرف شخصية قاتل سلمو... ويتحاسب... وإلاّ، بيكفّي الطريق أعوج، وإذا بينزل محمد، ما منعرف نصلحه"، مصرّة على ضرورة تصحيح الأخطاء الحاصلة في الانتفاضة وعدم السكوت عنها بعد اليوم كائنا ما كانت.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه البعض أن محمد كفر، وبالتالي فهو يستوجب العقوبة، وأن الحملة المطلقة من قبل الناشطين العلمانين والمدنيين تستهدف الإسلام ! قالت صاحبة "طبول الحب" على أولئك القائلين أن الطفل محمد كفر الأمر الذي استوجب قتله بالقول: "وحتى إذا كفر... لا يحق لأحد محاسبته، طالما شكل الدولة لم يتحدد وفق صناديق اقتراع. وطالما الهيئات القائمة، مؤقتة، ولم تنظر أصلاً في النزاع". وقال الفنان "فارس الحلو" "بيجوز لأن الناس تمسحت صار قتل طفل أو فتى مومهم .. بيصير المهم كيف انقتل ومين اللي قتله وين شهودك والصور والفيديو.. بالرغم من إن النشطاء القريبين أكدوا الأمر بدون مايقدروا يحصلوا على وثائق.. وصار فيهم متل المنحبكجية تبع وين الدليل؟ يا أفندي مافي دليل لهلق بيجوز بكره أو بعده يظهر دليل.. بس في جثة!! وفي أهله كمان!!.. وفي شباب على خصومة مع بعضها وأكدوا الحادثة المشؤومة.. بعدين بيطلع الامر انه العينتين خايف على الاسلام من التشويه وغير ذلك.. طيب ياأبو عقل وعقلين.. الاسلام المظلوم ناطر منك تنكر هالفعل وتدينه وتدافع عن سماحته مو تتستر وتنكر وتغضب لأن الرواية تؤكد قتله على يد جهة نصبَت حالها وكيلة عليك وعلى الاسلام وناطرتك على غلطة".
وردا على من يقول أن هذه الحملة لمعرفة قاتل سلمو تخدم النظام، أكد المثقفون والناشطون أن الأمر على العكس من ذلك تماما، بأن عدم إفادة النظام تكمن بمنع حدوث هكذا جرائم، أي بتسليط الضوء عليها للتفوق أخلاقيا على النظام وعدم منحه الفرصة لوسم الانتفاضة بما سعى منذ البداية لوسمها بها، وهو ما عبر عنه المنتج أحمد حسن: "بصراحة وبدون لف ودوران :تركيزنا على حادثة الولد لمعرفة من فعلها، لأننا متأكدون أنهم بهذا الفعل وبهذا التوقيت وبهذه الطريقة، يخدمون النظام تماما".
حادثة مقتل سلمو ورد الفعل عليها بيّنت أن القوى العلمانية والمدنية بدأت ترفع صوتها أكثر ضد الكتائب المسلحة والهيئات الشرعية بعد فترة تخبّط عانتها بسبب تعقيد الوضع السوري والحرص على عدم منح النظام فرصة اللعب في هذه التناقضات، إلا أن تكاثر الأخطاء دفع التيار العلماني المدني لاستنهاض قواه كما بينت حملة التضامن مع سلمو.