أمام الكم الهائل من الأحداث والوقائع والتجارب الإنسانية التي تختزنها الانتفاضة السورية ولدت الحاجة لتوثيق هذه اللحظات/ الحكايات. ومن أقدر من الفنانين والمبدعين على القيام بذلك؟
نزولا عند ذلك، تعددت أساليب التوثيق والتعبير بدءا من الكتابة والفيلم واللوحة والأغنية وليس انتهاء بالكاريكاتير والمعارض. إلا أن مجموعة " كوميك لأجل سوريا" تميزت عمّا سبق بقدرتها على إحياء فن الكوميك الذي يكاد يقتصر في العالم العربي على عالم الأطفال، ونقله إلى مجال الانتفاضة الواسع لـ " توثيق بعض الحوادث التي حصلت وتحصل خلال الثورة السورية بطريقتنا الخاصة، والتركيز على اللحظات الإنسانية والقيمية والثورية اللتين يعيشها السوريون، وكذلك تسليط الضوء على أخطاء مسار الثورة والثوّار"، حيث تتحول الحكايا والحوادث الصغيرة إلى قصص مصوّرة تعرّي الطغيان والخطأ من أيّة جهة جاء، لنكون أمام حكاية مقاومة تجعل من القصة المصوّرة نضالا ضد الدكتاتورية للوصول إلى الحرية من جهة، و عينا نقدية على الانتفاضة لتسليط الضوء على الخطأ بغية تصحيحه، ومنع تشكّل استبداد جديد.
ولدت فكرة "كوميك لأجل سوريا" من تجربة مجموعة من الأصدقاء الذين اتفقوا على" كتابة ورسم قصص مصورة، كونّنا من متابعي هذا الفن ومحبيه، ثم قمنا بنشر تجاربنا على صفحة على الفيس بوك، وهذا ما شجع العديد من الرسامين والكتّاب للمساهمة معنا بقصص وأعمال مختلفة"، كما يقول أحد ناشطي المجموعة لسيريانتولد syriauntold.
يركز الناشطون على قصص من وحي الانتفاضة السورية، أغلبها واقعي أو مستوحى من قصص واقعية، محاولين "ألا نكرر نفس الأفكار، وعندما ننجز عملا ما فيهمنا التركيز على نقطة أو فكرة واحدة وحسّاسة وتمس عددا كبيرا من السوريين الذين يعيشون واقع الثورة والحرب والخوف من المجهول. نحاول أن نغطي الكثير من الأحداث والمشاعر والقيم والأخطاء لذلك نسعى إلى عرض الفكرة بطريقة واضحة ومؤثرة وحتى قاسية في بعض الأحيان، خاصة وأن القصة يجب أن تكون مختزلة وكثيفة".
ولهذا نجد قصص تسلط الضوء على الطائفية مثل قصة "طريق سفر" أو " قصة " أكبري مختبري إيراني" التي تسخر من تعاون النظام السوري والإيراني على قمع الشعب السوري، وقصة "عزاء" التي تسلط الضوء بشكل إنساني رائع على معاناة أهالي الجنود الذين يعودون في تابوت، وقصة " شرف عسكري" التي تسلط الضوء على لحظة قصف إسرائيل للأراضي السورية في الوقت الذي يقوم به الجندي السوري بحراسة السجون، وغيرها من الحكايا التي تأخذ مادتها من الواقع السوي المؤلم، فتصريح صحفي مهمل أو عبارة قيلت عرضا في شارع أو لافتة ما أو قول للدكتاتور.. كلها تتحول إلى أفكار لحكايات يعمل عليها الفريق في توّحد مدهش بين الواقع والفن دون أن يخسر الفن جوهر إبداعه المتجلي بأخذ الواقع نحو سماواته.
وسعيا من سيريانتولد syriauntold لسرد حكايتهم طلبنا منهم إدخالنا إلى المطبخ السري لعملهم، لمعرفة كيفية تخمّر هذه اللوحات/ الحكايات المدهشة بين أيديهم، إذ يقول الناشط: "عادة ما نكتب العمل في البداية ونناقشه ونعدل عليه في حال كانت هناك حاجة إلى ذلك، ثم يقوم أحد الرسامين باستلام النص ورسمه. أحياناً يقوم بعض الرسامين بالعمل على الفكرة ورسمها أيضاً، لكننا في الغالب نناقش جميع الأعمال والأفكار مكتوبة قبل تنفيذها"، دون أن يقتصر عملهم على الكوميك فقط، بل "نقوم بإنتاج أعمال من لوحة واحدة تعبّر عن أفكار سياسية معينة، بما يشبه الكاريكاتير".
ويهدف القائمون على المشروع الذين يعملون بشكل تطوّعي، إلى تحفيز "المزيد من الرسامين والكتاب للتفاعل معنا والمساهمة"، إضافة إلى "نشر القيم والأهداف الأساسية التي قام عليها الحراك الساعي إلى التغيير"، معتبرين أن "الإنسان السوري الحر والواعي والمبدع والذي يعيش في وطنه بكرامة وسلام هو بوصلتنا التي نعمل وفقها. وبناء عليه سنستمر في إنتاجاتنا التي تساهم في تحقيق هذا الهدف".
يتفاعل فريق العمل الذي أنجز أكثر من مئة عمل خلال عام مع متابعة الجمهور لأعمالهم ومع الآراء النقدية الموجهة لهم، إذ "تسعدنا كثيراً النقاشات التي تدور حول الأعمال المثيرة للجدل خاصة التي تتحدث عن أخطاء الثورة، إذ نادراً ما نضطر للتدخل لحذف كلمات مسيئة وعادة ما يكون النقاش صحياً ومحترماً حتى لو كان الرأي بالعمل سلبياً".
رغم الحزن المخيّم على فريق العمل، إلا أنه ثمة لحظات فرح يصرون على اقتناصها من براثن الألم، إذ تسعدهم "ردود فعل المتصفحين والمتابعين" التي كانت "دافعاً قوياً للاستمرار"، و "عندما كتبت مجلة الغارديان عن مجموعتنا كان هذا أيضاً اعترافاً مهماً باحترافية العمل. لكن تعليقات وتفاعل القراء على صفحتنا هو أكثر ما يسعدنا".
فريق العمل مصمم على استمرار المقاومة بالفن ليس لغاية إسقاط النظام فحسب، لأن "الثورة التي نؤمن بها هي ثورة على الخطأ والظلم في كل مكان وأيّاً كان مصدره .. طريقنا لن ينتهي بسقوط نظام ومجيء آخر، طالما أن قيمة الإنسان وحقوقه في خطر"، مما يعني أن القصص المصوّرة والرسوم والألوان باتت متوحدة مع هم السوريين في بناء دولتهم التي ينشدون.
"كوميك لأجل سوريا" حكاية عن توّحد المبدع مع الإنسان العادي المهمش ليكون صوته والمعبر عن حلمه: حكاية عن تلوّث الفن بوقائع الحياة اليومية دون فقدان بريق الفن و ألقه: حكاية عن توق السوريين للحرية دون أن يفقدوا بوصلتهم التي تشير إلى الإنسان أولا وآخرا.