كلما سمعنا أغنية من أغاني مظاهرات الثورة، نرددها خلال حياتنا اليومية، ونحن نشرب قهوتنا، نعمل، أو نتهيأ للخروج من المنزل، تلك الأغاني تتسلل إلى شفاهنا دون قصد منا، لعل السبب يعود إلى أنها خرجت من عمق آلامنا وتوقنا إلى الحرية، فمع أننا غالباً لا نعرف من ألفها أو لحنها، لكننا نعرف أن مئات آلاف الحناجر رددتها منذ بداية الثورة.
غيَّب حزب البعث اللهجات السورية لخمسة عقود باسم العروبة، فلم يكن ثمة مؤسسة تهتم بالأغنيات الشعبية، سيما تلك التي يرددها أبناء القرى الجبلية النائية، وهي تحتاج إلى دراسات وتوثيق، لكن الثورة السورية التي استخدمت الثورة المعلوماتية أيضاً، أعادت إحياء تلك اللهجات ونشرتها عبر مواقع التواصل، ومنها "حانن للحرية حانن"، و"يللي بيقتل شعبو خاين"، و "معليش درعا معليش"، و"يللا إرحل يا بشار" ، و"حلبية حلبية".
https://www.youtube.com/watch?v=OaWtr_yWoss
بل إن هذه الأغاني كانت تختلف حسب الحي في المدينة الواحدة، ففي حمص مثلاً، حيث يأخذ حَي دير بعلبة طابع اللهجة البدوية، انتشرت أغنية "آني طالع أتظاهر".
تلك الأغاني أصبحت مع الوقت جزءاً من التراث السوري، فشعبية أغنية "جنَّة جنَّة"، صارت تضاهي شعبية "عالروزنة، عالروزنة"، وكما أن لكل أغنية من تراث القرن العشرين حكايتها، فلكل أغنية في الثورة قصة أيضاً، على أن التناص بين أغاني الثورة والأغاني التراثية ساد بكثرة، ما جعل للأغاني الثورية صدىً هائلاً لما تتضمنه من لحن مألوف بين السوريين، مثل أغنية "سكابا يا دموع العين"، و"ألف باء بوباية"، و"عالندا الندا الندا، يا بشار مانك أدَّا".
https://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=uio-3L-l-KM
في جمعة الثورة مستمرة، 4 آذار 2016، عادت تلك الأغاني إلى الظهور، بعد الهدنة التي سمحت للسوريين بأن يشغلوا المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وداعش بالمظاهرات، ومن اللافت أن الأغاني لم تتغير حتى في طريقة أدائها بين الثوار، ففي تلبيسة، أدى السوريون أغنية اشتهرت كثيراً أواخر عام 2011 في حمص، وهي "نحنا الحمصية، نحنا الحمصية، ودِّينا الأسد عالعصفوريَّة"، وردد أبناء دوما أغنية "يللا إرحل يا بشار"، التي انطلقت في حماه صيف العام الأول من الثورة، أما في بصرى الشام، فقد ردد المتظاهرون أهزوجة "يا ثوار نحنا معاكم للموت"، وهي بمثابة تعقيب على ما بدأوه منذ خمس سنوات، عندما رددوا "يا حمص نحنا معاكي للموت".
https://www.youtube.com/watch?v=Nfo4LU6LDFg
بالمقابل، قام أهالي بلدة نصيب بترديد أهزوجة موزونة حسب اللهجة المحلية، ومنها "يا بشار ما ينفع معاك معروف"، وفي مدينة سقبا بريف دمشق، غنى الثوار خلال مظاهرتهم "جنَّة جنَّة"، أما في حلب، فقد قدم المتظاهرون أهزوجة أهالي درعا الشهيرة في بداية الحِراك "عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد، سوريَّا لنا وما هي لبيت الأسد"، و"الثورة كانت سلمية يا غصن الزيتون، بدنا نشيلوا لبشار مين ما كان يكون"، هذه الأغاني وغيرها كانت قد اختفت منذ عام 2013، وعودتها اليوم تدل على حنين في نفوس السوريين إلى أيام الثورة الأولى ورونقها.
https://www.youtube.com/watch?v=tnvZQed4wfc
هذه العودة لم تكن عفوية في كافة نقاط التظاهر، ففي حلب، كانت المظاهرات منسقة من قبل ثوار حلب، ولها قيادة موحدة مختصة بتنظيم الهتافات كما قال ميلاد شهابي عضو شبكة الثورة السورية لـ(حكاية ما انحكت)، وقد ركزت في جمعة الثورة مستمرة على الأغاني والهتافات التي انطلقت في بداية الحراك السلمي في أغلب المناطق السورية.
https://www.youtube.com/watch?v=AqC2AatfYj0