كثيراً ما قرأنا وسمعنا عن قصص حب عاشت على الرغم من الحرب، بل إن الحرب تكون عاملاً في تقوية رباط الحب القوي بين البشر، لمقاومة ما تفعله من كراهية، لكنها ليست دائماً كذلك، فهي أيضاً عامل قوي من عوامل إنهاء العلاقة.
اعتقال ولجوء
جبران العيسى، من مدينة اللاذقية، يقيم حالياً في ألمانيا، غادر سوريا هارباً من الخدمة الإلزامية، عندما انشق عن جيش النظام، واضطر للتخفي في اللاذقية، كان مرتبطاً بفتاة عاش معها قصة حب قبل الثورة، لكن تنقله وتخفيه لم يسمحا له بأن يلتقيها بشكل دائم، ما جعله يعتمد أحد أصدقائه وسيلة تواصل بينه وبينها، فكان هذا الصديق يجلب له ما ترسله إليه من طعام وأغراض، لكن مفاجأة جبران كانت بأنها خطيبته تقربت أكثر من ذلك الصديق وتزوجا.
تتشابه قصة جبران مع قصص عشرات النشطاء الذين كانت الثورة سبباً في تعارفهم وفي انفصالهم أيضاً، ومنها ما رواه الناشط وائل الشامي لـ (حكاية ما انحكت)، عن "شاب وفتاة كانا من النشطاء في دمشق، ثم غادر الشاب دمشق وانتقل إلى الغوطة الشرقية ليعمل إعلامياً مع الجيش الحر هناك، ولم يعد يستطيع العودة إلى دمشق، في حين كان من المستحيل أن تنتقل الفتاة إلى الغوطة بسبب ظروف الحرب، ما أدى إلى انفصالهما".
أما القصص الأكثر ألماً فتلك التي يُقتل فيها أحد الشريكين، إما لأنه مدني ساء حظه فأصيب برصاصة طائشة، أو عسكري مُجند في جيش النظام، وهو ما جرى مع وائل سليمان الذي كان قد خطب قريبته في إحدى قرى بانياس، ثم التحق بخدمة العلم، وبينما كان يجهز لعرسه قُتل خلال معارك القصير عام 2013، وذلك بعد ستة أشهر من خطبته.
يحدث في الحرب أن تُجبر الظروف أحد الطرفين على الابتعاد، وقد جرى هذا كثيراً في الحرب السورية، كما حدث مع أحمد الآغا الذي داهمت المخابرات الجوية منزله في دمشق وتم اعتقاله في فرع فلسطين لمدة سنة، عاش خلالها على أمل الخروج واللقاء بحبيبته التي كان مغرماً بها، والتي كانت محور أحاديثه أمام رفاقه قبل الاعتقال، لكنه ما إن خرج حتى عرف أنها تجهز لعرسها بعد أن ارتبطت بشاب آخر، كان الخبر صدمة لأحمد الذي قرر فوراً أن يترك سوريا إلى الأبد.
خلال هذه الحرب، غادر آلاف الشبان والفتيات بمفردهم تاركين عائلاتهم في دول الجوار أو في الداخل السوري، بسبب صعوبة أن ترحل العائلة كاملة مرة واحدة، لكن وبعد أشهر من البعد، اكتشف بعضهم أن الصلة التي كانت تربطهم بالشريك لم تعد كما كانت، وهو ما حصل مع نور الخوري التي غادرت سوريا لاجئة سياسية في فرنسا منذ عام 2014، وكانت قد تزوجت في سوريا، وتركت زوجها هناك على أن تتكفل بعملية إخراجه عن طريق "لمِّ الشمل"، بعد أن تحصل على الإقامة الدائمة في فرنسا، لكن بدأت الخلافات بينهما منذ خروجها، فقد اكتشفت أنه ليس الرجل الذي تريد، وأقامت علاقة مع غيره، مع ذلك، لم تتراجع عن إجراءات لم الشمل، فقامت بها فقط لتنقذه من الصراع في الداخل، وما إن وصل إلى فرنسا حتى انفَصلا رسمياً.
بعيد عن العين قريب من القلب
تقول نادية الجندي "لاجئة سورية في ألمانيا"، إنها لا تؤمن بأن "الحرب ما يُنهي قصص الحب، فعوامل إنهائها موجودة في الأساس، وما الحرب إلا وسيلة لإظهار هذه العوامل وتعزيزها، بل أحياناً قد يكون البعد وسيلة لتعزيز العلاقة أكثر، فهو يبعد الشريكين عن مشكلات الحياة اليومية والخلافات التي تفسد العلاقة أحياناً، كما أن البعد يسمح لكل منهما بأن يفكر بالآخر بشكل أعمق، لكن مشكلة الحرب أنها تضعنا أمام مصير مجهول أحياناً".
___________________
صورة المقال: لوحة بعنوان (الحب في زمن الحرب)، نشرها المركز الإعلامي لمدينة داريا في 27 حزيران 2014.