سوريا ثقبٌ أسودٌ غامِض، تحولت إلى مُثّلث برمودا يبلعُ الصحافيين والإعلاميين الميدانيين، إذ تتزايدُ باستمرار حالات اختفائهم داخل الأراضي السورية، سواءٌ في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلَّحة بكافّة تلويناتها، أو الواقِعة تَحت سيطرة النظام السوري، لأنّ صدقيَّة عدسة الكاميرا تُزعِج كلاً من النظام السوري ونسبة لا يُستهان بها من مناوئيهِ في المُعارضة المسلحة. والمصيبة الكُبرى لا تكمن في أن النظام السوري يقوم باعتقال الصحافيين والإعلاميين والمصورين، فهذا أمرٌ مكرس وتاريخي، بل تكمن في الحد من الحريات الإعلامية في "المناطق المحررة".
في الأسبوعين الماضيين حصلت حادثتان مهمتان تدلان عن انخفاض مستوى الحريات الإعلامية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، خصوصاً في الشمال السوري والواقع في قسم كبيرٍ منه تحت سيطرة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المسماة بداعش.
الحادثةُ الأولى هي اختفاء فريق القناة التلفزيونيَّة "سكاي نيوز" في الشمال السوري بتاريخ 16 أكتوبر 2013. الفريق المؤلف من كل من المصور اللبناني "سمير كساب" والمراسل الموريتاني "اسحاق موتار" وسائق سوري محلي لم يستطع موقعنا سيريان أنتولد Syrian untold أن يعرف اسمه، وحاولت عدة شخصيات سياسية وجهات معارضة التواصل مع بعض الكتائب المقاتلة على الأرض لمعرفة معلومات عنهم، دون اي معلومة حتى الآن.
وقد وجهت عائلة المصور اللبناني "سمير كساب" بياناً إلى الرأي العام طالبت فيه الجهات التي خطفت الفريق الإفراج عنهم، وذلك باستخدام لغة إنسانية مليئة بالأسى والخيبة، إذ تقول العائلة:"آثرنا خلال هذه الفترة الصلاة والدعاء والصمت تاركين الأمور تأخذ مجراها الطبيعي ومتابعة ما قد تتوصل إليه سكاي نيوز عربية من نتائج في محاولاتها الحثيثة المتواصلة حتى الساعة بحثا عن طاقمها، وفيما تستمر قضية سمير غائبة عن اهتمام كل المسؤولين السياسيين داخل لبنان، فإننا نذكر ان ابننا كان يقوم بعمله بمهنية ودون انحياز وهو ليس طرفا في الصراع، ويعمل في قناة سكاي
نيوز عربية منذ انطلاقها، ومشهود له بمهنيته وحياديته وإنسانيته، كما أنه لا ينتمي إلى أي حزب أو جمعية في وطنه، وجل اهتمامه عائلته وعمله.ونناشد كل من بإمكانه تقديم المساعدة من زملاء في المهنة وهيئات إعلامية وهيئات مجتمع مدني، وجمعيات الدفاع عن حقوق الصحفيين، ومنظمات إسلامية وعربية ودولية وأطراف مؤثرة على الأحداث في سوريا، بالعمل على المساعدة في إعادة سمير وزملائه سالمين لعائلاتهم التي هي بأمس الحاجة إليهم".
تتوسل العائلة من يتواجد سمير في عهدتهم، بالإفراج عنه وعن زملاءه مذكرة إياهم بأنهم ليسوا طرفا بأي صراع ولا حتى من شأن تغييبهم أن يغيّر في مجرى الأحداث، مخاطبة ضمائرهم بالتذكير بأن سمير وزملائه أمانة في أعناقهم
أما السيدة نارت بوران مديرة عام قناة "سكاي نيوز" فقد قالت في تصريح لموقع "سكايز" الخاص بالحريات الإغلامية:"إن الزملاء المفقودين هم من خيرة الكفاءات الصحفية، ويتحلون بأخلاق المهنة ويلتزمون بضوابطها ومعاييرها، وكانوا يؤدون مهمة صحفية ميدانية هدفها الأساسي تغطية أبعاد الجوانب الإنسانية للصراع الدائر في سوريا، بصورة موضوعية وبأعلى درجات المهنية ودون الانحياز لأي طرف".
الحادثة الثانية فهي مُحدَّدة وواضحة من حيث الجهة المرتكبة، حيث قامت قوات "دولة الإسلام في العراق والشام" المسماة ب"داعش"، وذلك بتاريخ ١-١٠-٢٠١٣ باقتحام مكاتب "راديو أنا" في الرقة بعد أن أقدمت في وقت سابق على اختطاف الصحافي والناشط رامي الرزوك من على حاجز متمركز على طريق الطبقة، وقامت باقتحام المكتب التابع للمؤسسة، واستولوا على كل المعدات الخاصة بالبث والاتصالات، وبالتالي تم إيقاف تشغيل المكتب وإغلاقه، إذا "الدولة الاسلامية في العراق والشام" تقوم باستهداف المولود الجديد من الصحافة السورية المستقلة في استراتيحية واضحة لكي تسحق الصحافة الحرة وتقوم بفرض الرقابة المتجددة على الشعب السوري.
هذا مثال ليس إلا من أمثلة عديدة على الانتهاكات التي تطال العمل الصحفي في سوريا اليوم، لا يجب أن تبقى غير ملاحظة أو مسكوت عنها، ولا ينبغي أن ينظر إليها على أنها حالة فردية فقد باتت متكررة وممنهجة. حرية الصحافة وحرية التعبير هي من حقوق الانسان الغير قابلة للتصرف، أي إنتهاك تجاه هذا الحق المتعارف عليه دولياً يجب أن يدان ويواجه، على كل من مؤسسات المجتمع المدني السوري والمؤسسات السياسية و المجموعات الإعلامية اتخاذ الإجراءات المناسبة لفضح هذه الممارسات والاعتراض عليها والعمل على حماية وسائل الاعلام من هذه الاخطار.