لم يعد أمام السوريين بعد أن أصبحت قضية حريتهم معلّقة بين سماوات الأجندة والمؤتمرات الدولية وفوضى الداخل المفتوح على كل الاحتمالات، إلا السخرية عبر اللوحة والفن والغرافيتي والفيديو لطرد اليأس المحدّق بهم من كل صوب.

هذا اليأس الذي لا يتورعون أحيانا عن استجلابه إن لاح بصيص أمل، فيسخرون منه وكأنهم أدمنوا السكنى وسط حبال اليأس والأمل معا، ولا رغبة لهم بمغادرتها. هذا ما يبدو للوهلة الأولى حين يتابع المرء ردود أفعال السوريين أفرادا وفنانين وناشطين ومجموعات عمل وسياسيين على مؤتمر جنيف 2 الذي لم يزل يلقى بظله الثقيل/ الخفيف على السوريين، منذ أعلن عن اقتراب موعده، حيث السخرية والرفض و " التأفيل" يطغى على كل شيء، فلم؟ أليس جنيف 2 بوابة أمل؟ أم أنه العكس؟

هذا ما حاولنا في "سيريا أنتولد Syria untold" أن نبحث عنه ونرصده، متابعين وموثقين كل ما أبدعه وأنتجه السوريون من مقاومة وإبداع ورسوم وصفحات على الفيسبوك ويوتيوب، إذ تغدو السخرية والرفض والتشكيك هي العنوان الأبرز لما يدور في كواليس جنيف2، رغم إيمانهم في نهاية المطاف أن الحل لن يكون إلا سياسيا! فلم السخرية والتهكم إذن؟

ما يبدو تناقضا وإدمانا على اليأس للوهلة الأولى سرعان ما يتبدد ليبدو أن السوريين أكثر حرصا على الأمل، إنما الأمل الحقيقي وليس ذاك المترع بسراب اليأس، فهم يسخرون من سراب جنيف طلبا لجنيف الذي يحقق مصالحهم، وعليه تغدو سخريتهم ولوحاتهم المتهكمة تلك، مقاومة ضد محاولة فرض الحلول التي تلتف على حريتهم التي خرجوا لأجلها، حرية لا ترضى بأقل من إسقاط الدكتاتورية ورحيل رموزها، وحين لا يبدو لهم هذا موجودا في جنيف 2، تغدو السخرية مقاومة مردافة لمقاومة الميدان، وهو ما يتجلى في صفحة "عرس جنيف 2" التي تأسست بتاريخ 13/10/2013، جاعلة صورتها الرئيسية سوداء في رسالة واضحة بأن العرس ليس عرسهم، إذ سرعان ما تفاعل السوريون مع الصفحة عبر بوستات ساخرة مثلت الرحلة إلى جنيف بأنها ستتم عبر باص "هوب – هوب" مكتوب عليه جنيف 2، وبه ركاب يسخرون من الجميع، حيث حدد السائق شروط الرحلة بمايلي : "عل طريق ما مننزل ها !! /المعارضين بيقعدو عل يمين , والمؤيدين ورا / ممنوع شد الشعر أثناء الرحلة / ممنوع التكلّم مع السائق / ممنوع استعمال القنابل اليدوية أثناء ممارسة الحوار/ ممنوع اصطحاب هيثم منّاع"، ليدلي الركاب بشروطهم وطلباتهم أيضا، إذ قالت إحدهن: "أنا جنب الشباك ومن قدام ورا الشفير او باللوج من هلئ از بتريدو. جيبولي خس و بزر من باب سريجة ما تنسو صبايا".

وإمعانا في السخرية والرفض أقدم المساهمون على تصميم صور تسخر من جنيف والذاهبين إليه، لعل أقساها تلك التي تمثل كراسي حول بالوعة مياه ، مما يعكس حدة الرأي الشعبي ضد جنيف الذي رأى أحدهم أنه مجرد " فبركة لإعادة الشرعية لنظام الأسد.
جنيف2 تشتيتاً المعارضة.جنيف2 تقزيم للثورة السورية ومطالب شعبنا.جنيف2 مسخرة. بمسخرة" مرفقا عبارته بصورة ساخرة للإبراهيمي

وأسس السوريون صفحات أخرى كانت واضحة في الرفض من عنوانها ((رفض جنيف 2) ، والتجمع الوطني لرفض جنيف 2  إلا أن التفاعل معها كان قليلا، ربما لجديتها وافتقادها روح الدعابة والسخرية، الأمر الذي يعكس أيضا رغبة السوريين الضمنية بجنيف 2 شرط أن يكون حلا.

https://www.youtube.com/watch?v=N-yE5iOgYA4

ولعل أقسى ما قُدّم من نقد لجنيف 2 كان من قبل ضمير الثورة السورية كفرنبل، إذ أنتج المكتب الإعلامي في كفر نبل فلما حمل عنوان "جنيف 2 حوار ملطخ بدماء السوريين" يظهر أن هذا المؤتمر بصيغته تلك إنما يتم على دم السوريين ولصالح النظام المستبد.

وكان الفنان  والناشط الإعلامي "عبد الوهاب ملا" يحضر لإصدار أغنية ساخرة من جنيف 2 قبل أن يعتقل من قبل الميليشيات المسلحة في حلب، لنتمكن من الحصول على البروفا الأولى للأغنية التي يقول فيها : "هوب هوب يا بو صطيف ... باصك طالع ع جنيف. زحمة وعجقة جوا الباص .... وكلو عما يضرب كيف. وجوا هالباص معلمين ... كانت شغلتهن تنديد أغلبهم المتنأقين ... كرافة وطقم وقميص العيد".

وخصصت صفحة شعارات راسخات الكثير من شعاراتها الساخرة أساسا للسخرية من جنيف 2( يمكن مشاهدتها أسفل المقال)، ولعل أبرزها تلك الساخرة من احتمال مشاركة رفعت الأسد المتهم بارتكاب مجازر في حماه عام 1982، إذ يقول الشعار " إذا بخش القلب رفعت رايح لازم يسموه جنيف 28"، في إشارة واضحة إلى ماضي الرجل الملطخ بدم السوريين.

التشكيليون السوريون ورسامو الكاريكاتير كان لهم لمستهم الخاصة، فالفنان "جواد" ( نتحفظ عن اسمه الثاني بناء على طلبه) رسم لوحة تحت عنوان "جنيف 2 كلام فاضي" عبارة عن بندقية مقابل مانشيت فارغ على خلفية رمادية للدمار السوري الحاصل، الأمر الذي دفعنا لسؤاله في "سيريا أنتولد Syria untold" عن سبب رؤيته المتشائمة لجنيف 2 فقال: "أنا أؤيد أيّ حل دبلوماسي متوازن يحقن الدماء ولو كان دم مواطن سوري واحد، ولكن جنيف 2 هو ضحك على الذقون والعقول. السلاح وما أنتجه من خراب لم ولن يكن فماً دبلوماسياً وكل ما سيتفوه به هو كلام فارغ. هذا ما قصدته من التصميم"، معتبرا أن الحل السياسي هو الوحيد "الذي سيوقف النزيف وهذا ما سنراه في السنوات المقبلة، ولكن ليس عن طريق جنيف لأنه فات الأوان".

وعبر الفنان "كاميران شمدين" عن رؤيته بجنيف 2 من خلال لوحة تمثل السلطة والمعارضة المشاركين به بأنهم عبارة عن دمى متحركة، إذ يقول "جنيف ربما تنعقد وربما لا. في حال انعقد فسيكون على أنقاض جنيف 1 والمستفيد الوحيد راح يكون النظام السوري كما في جنيف 1 . هذا هو شرح بسيط للوحتي. فعمليا لن يعملوا شيء مفيد للشعب السوري، لذا وضعوا طاولة على طاولة وانتقلوا بالكراسي لفوق .. عقد الأمريكان والروس وإيران صفقات كبيرة على دماء الشعب السوري. لكي يشقوا صف المعارضة السورية إلى نصفين، وربما أكثر فما فائدة جنيف 2 إذ لم يتنحى بشار ولم يحاكم على جرائمه".

وأما الفنان "حسام السعدي" فقد عبر عن رؤيته لجنيف 2 من خلال لوحتين الأولى تكشف تناسي جنيف 2 لآلام ومواجع السوريين وتمثل الثانية استهتاره بدمائهم، ليقول عن لوحاته هذه لسيريا أنتولد Syria untold  " الأولى  تمثل وجهة نظري أن المجتمع الدولي ساهم وشارك بسفك دم الشعب السوري ولولا تخاذله من بداية الثورة لما وصلنا إلى ما وصلنا عليه. الثانية تقول: كل ما عقد من مؤتمرات وأخذ من قرارات كانت عبارة عن لعبة تمارس على الشعب السوري لإطالة عمر الأزمة السورية وإعطاء الوقت الكافي للصفقة الدولية التي ستعقد على حساب الأبرياء" متوقعا أن "مؤتمر جنيف سيؤجل بسبب خلافات بين الروس والأمريكان على تمثيل وشكل المعارضة وخلافات وانقسامات بين المعارضة نفسه".

إبداعات السوريين تعكس يأسهم من جنيف 2 بصيغته الحالية، ولكنها بذات الوقت تختزن مقاومتهم لما يفرض عليهم، سعيا لجنيف حقيقي يمثل مصالحهم وليس مصالح الدول الشريكة بدم السوريين، ولهذا هم يسخرون مقاومين هذا اليأس بضحكة منتزعة من فم القهر والحزن والليل الطويل الذي تأخر فجره.