بايدن وسورية الحزينة


بعد عشر سنوات من الموت والدمار وممارسة الخطأ، والسير عكس خط التاريخ، يبدو وكأننا ننتظر أن يطل علينا بايدن مجددا بعبارة أوباما "أيام الأسد معدودات" ثم نبني استراتيجيتنا على هذا الوهم؟ ألم يحن وقت الاستيقاظ يا سورية الحزينة واليتيمة؟

11 تشرين الثاني 2020

(كرتونة من دير الزور)
محمد ديبو

باحث وشاعر سوري. آخر أعماله: كمن يشهد موته (بيت المواطن، ٢٠١٤)، خطأ انتخابي (دار الساقي، ٢٠٠٨). له أبحاث في الاقتصاد والطائفية وغيرها، يعمل محرّرا في صحيفة العربي الجديد.

إنّ التأمل في أوضاع سورية اليوم، لم يعيد يثير فينا الحزن أو الألم أو التعب فحسب، إذ تشي الأحوال الكارثية التي نشهد، بما هو أبعد من ذلك بكثير، وكأننا أمام تعبير أو وصف من قسوّته وشدة هوله نرفض أن نطلقه على سوريتنا التي لم نزل نخترع لها الآمال التي لا يجوز أن تنطفئ بأي حال من الأحوال. ولكن يبقى العقل البارد يسأل: أيّة آمال أمام هذا الواقع المحاصر بالجوع والكورونا والحصار والعقوبات وسطوة الإرهاب والسلاح والانقسام والموت المجاني والاحتلالات التي تتحكم بنا وإشاحة العالم نظره عنّا، كما لو أننا الجحيم، ذاك الذي تحدث عنه دانتي والمعري. ولكن مهلا: هل هذه هي المفردة التي نخشى أن نصف أوضاعنا بها الآن؟

سورية والقابلية للاحتلال

18 كانون الثاني 2018
لدينا اليوم في سورية، شرائح اجتماعية، تقبل كل منها بـ "احتلال" ما، عددها بالحد الأدنى أربع: الروسي والتركي والإيراني والأمريكي. الذرائع التي تسوقها كل جماعة أو فئة تكاد تتشابه تقريباً: الدعم الاقتصادي، الحماية،...

لا. رغم قسوة وهول وجنون هذه الكلمة، تبدو قاصرة، مبتذلة، حيادية، هلامية، غير ذات قدرة على احتواء مصابنا والتعبير عنه بدقة، فما في أوضاعنا السورية اليوم أبعد من ذلك بكثير: وطن ممزق، مشتت، محتل (عبر احتلالات خارجية وداخلية/ الاستبداد)، منقسم. والأسوأ، أنّ ثمة شكوك بكل شيء، في هويته، وحدته، وولاء أهله، سيادته، حتى طبيعة الأعداء التي تشكل عاملا موّحدا أحيانا لأية هوية أو وطن أو شعب، تبدو متعددة ومشتتة، فالعدو بالنسبة للكردي مختلف عن العدو بالنسبة للعربي، والعدو بالنسبة لابن الساحل مختلف عن العدو بالنسبة لابن الشمال أو الجنوب، حتى داخل الصف الواحد ثمة تفريق بين عدو وعدو، فالأمريكي والروسي والإيراني والتركي (وهم الفاعلون الأساسيون المباشرون في سورية اليوم) هم "أعداء" مختلف حولهم، ليس بين المؤيدين والمعارضين للاستبداد، فحسب، بل داخل الطيف الواحد، حيث نجد داخل الموالين من يفضل الروسي على الإيراني أو العكس، وداخل المعارضة من يفضل الأميركي على التركي أو العكس، بما يعني في نهاية المطاف أننا أمام انقسامات سياسية حادة قد تكون مرآة لانقسامات عمودية أكثر حدّة وعمقا. ومع ذلك، ورغم مأساة وهول ذلك في انعكاسه على مستقبل التغيير الذي ننشده (هل قلنا تغيير؟)، فإن الأسى والحزن يأتي من مكان أخر تماما، من انعدام الإرادة الجمعي الغائب عن فعل السوريين وعملهم، سواء داخل الطيف الموالي أو المعارض، فلا أحد يملك قراره، ولا أحد يبدو أنه يفكر في كيفية استعادة قراره والبدء من نقطة يمكن البناء حولها للتأسيس للحظة قد تمكننا من وضع قدم صغرى في طريق التغيير رغم نأيه وبعده. هذه السلبية، تعكس لنا أمرا أخر، أن كل المراجعات والسرديات النقدية التي أعلن عنها مرارا خلال السنوات السابقة، تمخضت عن فأر دون أن تنعكس إيجابا في المسألة الوطنية السورية، فالإسلاميون والعلمانيون لا يزالان على طرفي نقيض أبعد من أي حوار يقربهما من بعضهما، والمعارضات السورية يلاقيها تشذر وتذرر سلطة الموالاة بين ولاءات متعددة، دون أن يملك أي منها قراره، والعسكر (وأيضا على طرفي المعارضة والسلطة) أصبحوا إما مرتزقة بالمعنى الحرفي للكلمة أو بيادق في يد هذه الدولة أو تلك (ربما يستثنى من هذا قوات سورية الديمقراطية التي لا تزال تمتلك هامشا ما، وأيضا مقاومو الجنوب السوري الذين يحاولون فعل شيء ما بمواجهة سلطات الاستبداد والاحتلال بعد فشل المصالحة التي عقد بعضهم الآمال عليها). أمام واقع الحال هذا، يبدو وكأننا نسير عكس خط التاريخ، نطلب الحرية فنحصل مزيدا من الاستبداد، نطلب السيادة فنرزح تحت احتلالات متعددة، نطلب جيشا وطنيا فنحصد المليشيات والمرتزقة والمزيد من الفصائل التي لا يبتعد الإرهاب الصريح عن بعضها، نطلب معارضة موحدة فنصل وضعا لا نفرق فيه التابع لبشار الأسد وبوتين والملالي عن التابع لتركيا ودول الخليج وأمريكا وغيرها، فأيّة حال هذه؟ وما مناسبة هذا الكلام الذي أصبح معروفا الآن؟

مناسبة هذا الكلام، عودة الانقسام بين السوريين وبعض ممن يمثل المعارضة السورية اليوم على المراهنة على فوز بايدن أو ترامب، وكأنك "يا بو زيد ما غزيت" بعد عشر سنوات من الموت والدمار وممارسة الخطأ، والسير عكس خط التاريخ، وكأننا ننتظر أن يطل علينا بايدن مجددا بعبارة أوباما "أيام الأسد معدودات" ثم نبني استراتيجيتنا على هذا الوهم؟ ألم يحن وقت الاستيقاظ يا سورية الحزينة واليتيمة؟

مقالات متعلقة

الروسي في الوعر.. شر أقل (3)

25 تشرين الثاني 2017
كيف ينظر أهالي حي الوعي الدمشقي إلى الروس اليوم؟ وكيف يتعاملون مع الجنود الروس في سورية؟ هل تغيرت نظرتهم للروس أم ماذا؟ تحقيق من حي الوعر الدمشقي يجاوب على هذه...
تفكيك الميليشيات التابعة لإيران في الساحل السوري: "الحرب التي تجعلنا نأكل"

16 تشرين الأول 2018
هناك عدد كبير من المسرحين من الميلشيات الإيرانية وقد ترك تسريحهم أثراً سلبياً على الحياة والاقتصاد. ولكن التمدد الروسي في المجتمع منع وجود آثار سلبية ضخمة كما كان متوقعاً، كما...
تركيا تستهدف المنظمات الدولية وطلاب وأساتذة الجامعات الأجانب

01 تموز 2017
يعاني اللاجئون السوريون في تركيا من وضع قانوني هش للغاية، رغم أن تركيا من الدول الموقعة على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وتستضيف اليوم أكبر عدد من السوريين في...
العملية التعليمية في مناطق المعارضة

18 كانون الثاني 2020
تلاحظ هذه الدراسة من خلال إخضاع الجهات المساهمة في العملية التعليمية للتحليل، أن معظمها يخدم أهدافاً أبعد من العملية التعليمية ذاتها، وتتقاطع ممارسات هذه الأطراف في كثير من الأحيان مع...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد