لأن الثورة معرفة والمعرفة ثورة، ولأن الاستبداد عمل جاهدا طيلة عقود حكمه وفي ظل الثورة أيضا على بناء سدود في وجه هذه المعرفة عبر منعها وتشويه رموزها، لمنع السوريون من الوعي بآليات عمله واستبداده، انتبه مجموعة من "الشباب السوري الحر" لأهمية الأمر، فأطلقوا تجمّع "المترجمون السوريون الأحرار" الذي يقوم بـ "ترجمة المقالات الطويلة والدراسات الصادرة عن صحف أجنبية ومراكز الأبحاث العالمية، والأفلام الوثائقية التي تنتجها المحطات العالمية الناطقة بغير العربية. و مقاطع عن تقارير إخبارية إلى اللغة العربية، وترجمة الأفلام الوثائقية أو القصيرة ذات الطابع الخاص من اللغة العربية إلى لغات أجنبية متعددة" وذلك بهدف "كسر احتكار الاستبداد هذا، و "نقل صورة صادقة وحيادية للعالم لما يجري في بلدنا الحبيب سورية خلال رحلته نحو الحرية" كما قال الفريق في حوار مع "سيريا أنتولد syria untold".
بدأت الفكرة في أذهان المؤسسين، حين "لاحظنا وجود مقالات في صحف عالمية ودراسات عن مراكز أبحاث استراتيجية ذات خبرة في حركات التحرر والنزاعات، تصدر كلها بلغات أجنبية ولا تصل للمواطن السوري ( سواء كان ناشطا أو مواطنا) ولاحظنا وجود هوة كبيرة بين الإنتاج الفكري العالمي فيما يخص الشأن السوري وبين ما تنقله وسائل الإعلام العربية المطبوعة أو المرئية" الأمر الذي دفعهم للتفكير بأمر ترجمة هذه المقالات، خاصة المنشورة في لغات "غير منتشرة في سوريا كاللغة الألمانية أو الإيطالية أو الإسبانية مثلًا، مما يتيح للقارئ السوري الاطلاع عليها وسهولة الوصول إليها في مكان محدد وبشكل دوري ومنتظم".
بعد أن تبلورت الفكرة طرحها أصحابها في الشهر الثامن ( 2011) على عدد من الناشطين الآخرين الذين تفاعلوا معها، ليحصل أول اجتماع تأسيسي في التاسع والعشرين من شهر أيلول(2011)، وبعد "عدة أيام اخترنا بالتصويت تسمية الفريق: "المترجمون السوريون الأحرار"، لتبدأ اجتماعات لاحقة حدّدت "التوجه العام ضمن الفريق وطريقة العمل وآلياته".
https://www.youtube.com/watch?v=ZfgmZXBsKXg
بدأ الفريق عملة الأول بـ 14 عضوا/ مترجما عملوا على ترجمة فيلم وثائقي بثته قناة بي بي سي، "حيث اختار كل فرد من الفريق دوراً أو أكثر من الأدوار التي يعتمد عليها عمل المجموعة: الترجمة، التدقيق، التنسيق مع فريق كل لغة، إنتاج الحاشية السينمائية ( سابتايتل) وأفلام، التنسيق العام، النشر، بالإضافة إلى الهندسة والدعم التقني" لتكون التجربة هي مطوّر العمل الذي بدأ ينمو يوما بعد يوم من خلال انضمام أفراد من الداخل والخارج، حيث بلغوا الآن 33 مترجما يعملون على مدار الساعة، ساعدهم في ذلك تواجدهم في كافة قارات الأرض.
اختيار المواد المترجمة يأتي بناء على اقتراحات أعضاء الفريق، ليقوم فريق التحرير "بمعاينتها ووضعها على جدول المهام في حال الموافقة عليها، وفي حال توفر الإمكانية لترجمتها" كما يتلقى الفريق اقتراحات عن "طريق صفحات الإنترنيت كالمدونة وقناة اليوتيوب و البريد الالكتروني الخاص بالمجموعة"، إلا أن أي مادة لا تجد طريقها للترجمة إلا بعد التصويت "ويكفي صوتان يوافقان على الترجمة ليبدأ العمل" علما أن ثمة مواد تخلق أحيانا جدلا ونقاشا حيث "تتعدد فيها الآراء، ويُتخذ القرار في حالات كهذه عبر النقاش بين كل أعضاء الفريق وموافقة الأغلبية، ويتم إلغاء المادة إن لم تحظ بالإجماع".
لا يتلقى الفريق حتى اليوم أي تمويل، لإيمانه "أن مبدأ العمل تطوعاً يميّز الفريق ويتيح له المحافظة على حياديته واستقلاله في اختيار المواد المترجمة" حيث يصرّون على وصف أنفسهم بـ "فريق تطوعي"، حيث تغطى كل نفقات الفريق من "مساهمات مالية من أعضاء الفريق أو القيام بأعمال ترجمة مدفوعة".
الفريق المكوّن من فريق إداري وفرق الترجمة المختلفة وآخر تقني، يتشارك في عمله مع متطوعين آخرين و مع "مجموعات العمل المدني" التي يشاركها نشاطها، خاصة فيما بتعلق "بترجمة مواد تتعلق بحملات الثورة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية".
يعد "المترجمون الأحرار" الآن آليات العمل التي ستحكم عملهم بعد سقوط المستبد، إيمانا منهم بأن عملهم معرفي عام يتخطى الثورة وسقوط النظام في آن، إلى ضرورة خلق بيئة صحية تشجع المعرفة والعلم، كي لا يبقى الجهل الذي قد يستغله مستبد آخر، هادفين " الوصول بسوريا إلى دولة الحرية والعدالة، وبلوغها مصاف الدول الحضارية" دون أن ينفي ذلك أن "لكلٍ منا بالطبع على الصعيد الشخصي أحلام صغيرة في سوريته الحرة" والتي ينتظرون تحقيقها أيضا.