أبلت الفنون التشكيلية، بمختلف أنواعها، بلاءً يُشهد له بالبَنان خلال أحداث الثورة السورية، بل لعلّها استطاعت ما لم تستطعه سواها في القراءة والمواكبة على حدّ سواء، إلى درجةِ أنها انتزعت من الشعر قدرته التي تحلّى بها لعقود بوصفه الفنّ الأكثر تجاوباً مع الأحداث، بل إن كثيراً من الأعمال الفنية التي شهدنا ولادتها في الفترات الماضية كانت أقرب ما تكون شعراً مرئيّاً.
أما الفنانون السوريون، وخصوصاً فنانو الجرافيك، فهؤلاء جعلوا المعركة معركة أقوال وأفعال، محولين أدواتهم البسيطة، وعدة شغلهم، إلى أسلحة تذود عن حقيقة السوري وماهيته، بوصفه إنساناً يتطلّع إلى الغد الذي يليق به، وفي الوقت نفسه يستطيع أن يقدم لغة أخرى، تتجاوز اللغة المنطوقة في ذهابها إلى لغة عالمية، تخبر بما لا تنقله وسائل الإعلام، كما أنها تخّلد مادة الألم السورية.
وجدي صالح، "24" عاماً، واحد من هذا الجيل الذي ولد مع الثورة، كما ولدت الثورة معه، وبتفاعله الحيوي معها كان يرسّخ لحظة الولادة كلحظة حرية طليقة، لا يمكن أن تذهب إلى النسيان، ما دامت هذه الطاقات الإبداعية قادرة على استحضارها رغم كل العنف والعسف الذي يحيق بها.
رغم أن جذوره العائلية تنتمي في أصولها إلى مدينة حلب، ولد الفنان في مدينة اللاذقية حيث أتم فيها المراحل الأولى من سنين تعليمه قبل أن ينتقل إلى مدينته الأم ليكمل مسيرة تعليمه، وفي مدينة الشهباء درس تقنية المعلومات "Information Technologies" لمدة سنتين قبل أن ينتقل إلى مدينة اسطنبول التركية من أجل متابعة دراسته والحصول على شهادة البكالوريوس من جامعة "SVU".
ولا يمكننا التطرق إلى مسيرة وجدي الفنية دون الفصل بين عمله كمصمم وولوجه إلى عالم الفن، فالفرق بين التجربتين يمكن في أن الأولى تحتاج إلى التعلم ودراسة خطواتها الأولى ضمن مناهج محددة، في حين أن الثانية تأتي نتيجة اكتساب الخبرة التي تساهم في تطوير الموهبة، ووصولاً إلى المرحلة إلى المرحلة التي تساعد الشخص على طرح نفسه كفنان، إلا أن ذلك لا يمنع من ربط عمله كمصمم جرافيك ومطور للعلامات التجارية والهويّات البصرية وتجربته كفنان، حيث ساهمت في تطوير نتاجه بوصوله إلى مرحلة المصمم المفاهيمي "Conceptual artist".
يتخذ صالح من الفن الثوري تيمة أساسية في تصميم أعماله، محاولاً إيصال الواقع الذي فرض على السوريين وتم إغفاله من قبل الجهات الإعلامية العربية التي إما ترفض إيصال هذه الرسالة للجمهور أو تجد في اللغة مأزقاً يعيق إيصال المعلومة، فالفن المفاهيمي لا يعتمد في فكرته على النص كعامل أساسي لتصدير الفكرة، إنما يحاول جاهداً إيصال الفكرة من خلال عناصر ومكونات رسومية وصورية تعتمد على الفرجة في قراءة الرواية البصرية بهدف توثيق الثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب السوري في حياته اليومية.
يعمل الفنان على تقديم بوسترات فنية تواكب ما يجري على الأرض السورية، جامعاً فيها بين جمالية الشكل وقوة المحتوى، ولعل المتابع لإنتاجاته يتلقى جرعة فكرية تعبّر عن رأي الإنسان السوري في ما يحدث له ومعه، إضافة إلى رصدها لما هو يومي مما يجري دون أن تهتم به وسائل الإعلام المشغولة بتنفيذ أجندتها، ولهذا بالذات تحاول أعماله أن تقوم بما يجب، ما أمكن ذلك، لإيصال الواقع السوري إلى العالم، في رسالة إعلامية تعتمد على الصورة ومكوناتها، حيث تروي وتوثّق الثمن الذي يدفعه هذا الشعب في سبيل حريته، في محاولة لجذب الرأي العام العالمي إلى جهة الحقوق الإنسانية للسوريين، بعيداً عن المواقف السياسية المعروفة لحكومات العالم.
وعلى الرغم من أن الثورة السورية في بداياتها كانت مجهولة الأهداف وكانت تعتمد لغة التأويل والشك في سردها للأحداث اليومية، نتيجة التعتيم الإعلامي الذي كان ممارساً بحقها، إلا أنها استطاعت أن تفجر الطاقات المكبوتة لدى السوريين، بعد نصف قرن من التهميش والقمع الممارس بطريقة ممنهجة.
إذا ما دققنا النظر في أعمال صالح يمكننا الوصول إلى أنه يتخذ في معظم المواضيع الإنسانية مبتعداً عن السياسي الفج، موجهاً حساسيته الإبداعية إلى سوريا ككل، بهدف عولمتها فنياً وإيصالها إلى أكبر شريحة ممكنة من الجمهور، ففي عمله "قنبلة مائية" اعتمد على حدث قطع الماء عن مدينة حلب لمدة أسبوع، واتجه في تصويره هذه المأساة إلى استبدال غطاء زجاجة الماء بغطاء قنبلة يدوية وعند نزع الغطاء لشرب الماء ستنفجر القنبلة وهو هنا حاول إيصال خطورة هذه الحادثة وكيف أنها تساعد على قتل سكان المدينة، أما عمله "السلام الدولي في سوريا" فاعتمد في تصميمه على حمامة تحمل غص زيتون وقنبلة وتتجه إلى سوريا من أجل إسقاطها تحت إكراه دولي وخذلان أممي بحجة السلام. كما أنه في عمله الأخير عن "مونديايل 2014"، يطرح تساؤلاً يخص الفرحة بالفرجة العالمية، إذ يكتب على خلفية عمل يمثّل كأس العالم ملقى في سلة مهملات: "ما معنى كأس العالم عندما تموت الإنسانية؟".