"اشتكي حتى ما يضيع حقك"، "لا تدير ضهرك حتى ما يضيع حقك"، "صوتك بيعمرها، كرامتك بتهمنا".
هي شعارات لم ترفع بوجه نظام مستبد يصارعه السوريون منذ ثلاثة سنوات ونيف، ولا بوجه الجهات المتطرفة التي تسلقت ظهر الثورة وباتت تفتك بها، بل رفعت بوجه أي "مسيء، سواء أكان عنصر جيش حر أم مدني" ولتعزيز ثقافة " احترام حقوق المواطنين في التعبير عن الرأي وحفظ كرامة المواطن"، وكي تكون محفزا وعامل توعية للجمهور لكي يرفع صوته بوجه أية انتهاكات يتعرض لها.
لهذا استفاق أهالي مدن وقرى إدلب (احسم في جبل الزاوية ومنطقة ريف معرة النعمان الغربي التي تشمل حاس وكفرومة وكفرنبل...) في بداية شهر أيار (2014)، ليجدوا الشعارات السابقة مكتوبة ومرسومة على جدران المنازل، فما هي الحكاية؟ ولم هي ضد مسلحي المعارضة فحسب؟ ومن يقف خلفها؟
بعد أن انتشر السلاح في كل مكان عمّت الفوضى الكثير من المناطق التي غادرها النظام، مما خلق بيئة خصبة لبعض حاملي السلاح لأن يفرضوا قوتهم وأفكارهم وممارساتهم بقوة السلاح، الأمر الذي خلق مناخات خوف جديدة، حيث رصد عدد من الناشطين في المنطقة أن حاجز الخوف من النظام الذي تم تهديمه بفعل ثورة السوريون يبنى من جديد بعد أن تحوّل إلى خوف من بعض المسلحين الجدد، الأمر الذي دفعهم للتفكير بكيفية مواجهة هذا الأمر، ودفع المواطن لأن يرفع صوته بوجه الانتهاكات، وكي لا يرضخ ويكون شريكا في بناء حاجز خوف جديد وبالتالي استبداد جديد، ما أوصلهم في نهاية المطاف إلى ضرورة إطلاق حملة موجهة للمواطنين في تلك المناطق حملت اسم "اشتكي حتى ما يضيع حقك" لإدراكهم أن الاستبداد قبل أن يكون آلة حكم جبارة ومعتقلات وسياسة تخويف هو وعي مكوَّن ( بفتح الواو) زائف بالواقع وثقافة تخدر الجمهور ليكف عن المطالبة بحقوقه تحت حجج وإيديولوجيات كثيرة من نوع: "لا صوت يعلو على صوت المعركة" و "الأولوية الآن لإسقاط النظام"، وغيرها مما لا يراد منها غير تخدير القاع وبناء استبداد جديد.
ولأن الناشطين يدركون صعوبة العمل في بيئة تملأها الفوضى عملوا أولا على التواصل مع المجالس المحلية ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في المنطقة التي تواصلت بدورها مع المجالس العسكرية التي احتوت الحملة، " وكانت لها آراء متباينة عن الجهة المحاسبة للمخالف" إلى درجة أن "المحكمة التابعة لجبهة ثوار سوريا" أصدرت "بيان ينص على محاسبة أي مرتكب مخالفة بحق المدنيين ، وهذا البيان خاص بحملة اشتكي" كما يقول أحد مسؤولي التواصل في مؤسسة "اليوم التالي" التي تبنت الحملة ومولته لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold"، إلى درجة أن بعض المسلحين شاركوا في الحملة أيضا.
بعد ذلك وضع الناشطون خريطة جغرافية لمناطق المعارضة التي ستغطيها الحملة، مع تعذر الوصول إلى كل المناطق بسبب "الأوضاع الصعبة من قصف طيران ووضع إنساني سيء" من جهة، و عدم وجود كادر مدرب قادر على تغطية كل المناطق من جهة ثانية، وخارطة زمنية حيث بدأت الحملة من بداية أيلول وستستمر حتى منتصف يوليو من عام 2014، إضافة للاتفاق على الشعارات التي سترفع وأماكن كتابتها والشرائح التي ستوّجه لها، لينطلق العمل عبر رفع لافتات و رسم غرافيتي على الجدران والأعمدة وفي الساحات العامة، إضافة إلى رسم لوحات جدارية كبيرة , و لصق بوسترات تعريفية بالحملة تزامنت مع لقاءات مع "الجيش الحر" و المواطنين لتعريفهم بفائدة الشكوى، وتشجيعهم على كسر حاجز الخوف وضرورة التقدم بشكاوي ضد أية انتهاكات يتعرضون لها، كائنا من كان القائم بها.
عائق الحملة الوحيد ربما تمثل بصعوبة إقناع من تتوجه لهم فعلا بالاستجابة وتقديم شكاوي، إلا أن ناشطو الحملة يصرون على النحت في صخر الوعي المكوَّن ( بفتح الواو) للناس والذي يميل لعدم الشكوى بفعل ميراث الاستبداد الطويل، لصالح وعي مكوِّن (بكسر الواو) جديد يرفض الاستبداد وثقافته لنكون أمام أول الخطوات التي تكنس الاستبداد في العمق، أي عبر الوعي المتراكم والعمل الدؤوب على صناعة مواطن سوري جديد يكون الضمانة الوحيدة للديمقراطية القادمة، والتي لن تكون دون امتلاك هذا المواطن وعيا نقيضا لوعي الاستبداد، وأول حروف الأبجدية تكمن في عبارة "اشتكي حتى ما يضيع حقك".