لم يكن تدفق اللاجئين خلافياً في أي بلد كما كان في لبنان. الحدود المفتوحة وحرية الحركة بين البلدين كان يعني أنّ السوريين الهاربين من الحرب والملاحقة في بلدهم يمكنهم الدخول بسهولة سعياً وراء الحماية والمأوى. في البدء، استقبلهم اللبنانيون، وخاصة المجتمعات المهمّشة في شمال لبنان ووادي البقاع حيث استقر 60% من اللاجئين، بترحاب واستضافوهم في منازلهم.
لكن مع تحوّل الثورة السلمية ضد نظام الأسد إلى حرب شاملة متعدّدة الأطراف والنتائج الجيوسياسية الإقليمية المعقدة والمرتبطة بشدّة بالسياسة اللبنانية، تمّ استجرار اللاجئين لخضم الخلافات السياسية اللبنانية اللانهائية.غالبية اللاجئين السوريين لم يعد ينظر إليهم على أنّهم أناس محدودي الدخل، فارين من الحرب والملاحقة، بل ينظر لهم جماعياً كحمل ثقيل أو تهديد وجودي، يجب إزالته إن كان للبنان أن ينجو. في العام 2015 بدأت الحكومة اللبنانية بفرض قيود عمل على السوريين في حين فرضت بعض البلديات حظر تجوّل ضد السوريين فقط.
بماأن لبنان ليس دولة موقعة على اتفاقية حقوق اللاجئين لعام 1951، لا تعتبر الحكومة اللبنانية السوريين لاجئين بل مهجرين مؤقتاً، مما يجعل وضعهم القانوني غير ثابت.
إلا أنّ الحاجة الماسة في هكذا أوقات هي لنظرة موضوعية لأثر الأزمة السورية على لبنان، بعيداً عن الافتراضات غير الدقيقة والعنصرية التي غالباً ما تصرف الانتباه عن الاسبابالحقيقية لاحتقان الناس. لأيّ درجة يمكن تحميل ملامة مشاكل لبنان الاقتصادية والاجتماعية على المليون ونصف مليون لاجئ سوري داخل الأراضي اللبنانية، ولأيّ درجة يمكن تحميل الملامة على الطبقة السياسية اللبنانية؟
منذ بدء الأزمة السورية في بدايات عام 2011، ركزت عدة دراسات وتقارير مفصلية حول الاقتصاد اللبناني على ثلاث طبقات متداخلة لمشاكل لبنان الاقتصادية- المجتمعية: (1) الحرب في سوريا (وقد تشمل تدخل حزب الله إلى جانب النظام السوري) التي قطعت طرق تجارية مفصلية، وحرمت لبنان من الوصول لسوق ضرورية. (2) الوجود المادي الفعلي للاجئين الذي زاد القوة العاملة بنسبة حوالي 50% وأنهك البنى التحتية للدولة. (3) سوء الإدارة المزمن السياسي والاقتصادي لحكومات لبنانية متعاقبة، قبل وبعد الأزمة، فشلت في إحداث النمو أو خلق فرص عمل أو حماية المواطنين اللبنانيين من آثار الحرب السورية.
أثر الأزمة السورية على الاقتصاد اللبناني:
تقرير صندوق النقد الدولي عام 2015 حول الاقتصاد اللبناني يعتبر الأزمة السورية "التهديد الأساسي لرؤية مستقبل لبنان القريب وفرصه على المدى الطويل"،ونظراً للزيادة الهائلة في تعداد السكان، تواجه الحكومة اللبنانية ارتفاعاً في تكاليف الرعاية الصحية، والتعليم، والكهرباء، والأمن، وتراجعاً في جودة الخدمات العامة المقدّمة.
في آخر تقرير له، قدر البنك الدولي الأثر المالي المباشر للأزمة السورية ما بين 2012-2014 بمبلغ يصل إلى 2.6 بليون دولار أميركي (51.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي اللبناني) وأنّ العودة إلى مستويات ما قبل الأزمة يحتاج إلى 2.5 بليون دولار إضافية.
في أيار 2015 أغلقت آخر الطرق التجارية السورية-اللبنانية، مما زاد من أضرار تصدير البضائع إلى دول مجلس التعاون الخليجي. تمّ لاحقا تطبيق سياسة دعم للتصدير من قبل الحكومة عبر البحر.
لكن خلال الربع الثالث من عام 2015، تراجعت الصادرات بنسبة 23.6% مقارنة مع تراجع 10% بين أيار-آب 2015. ترافق ذلك مع انخفاض الاستثمار وتداعي ثقة المستهلك. محركات النمو التقليدية في لبنان (السياحة والعقارات والبناء) ضعفت بشكل ملحوظ منذ بداية الأزمة، ومن غير المرجّح أن تتعافى قريباً. قدر صندوق النقد الدولي في تقريره عام 2015أنّ العودة لنسبة 4% نمو محتمل غير متوقعة قبل عام 2019.
مع ذلك لم تكن جميع الأخبار الاقتصادية سيئة. تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2015 عن لبنان يذكر أنّ التبادل الأجنبي والأسواق المالية تستمر بالصمود، وأن إيداعات غير المقيمين، والتي يعتمد عليها الاقتصاد اللبناني بكثرة، لا تزال بارزة. بالإضافة لذلك، تمكن المصرف المركزي إلى الآن من الحفاظ على مستويات كافية من احتياط القطع الأجنبي. يفسر هذا لدرجة كبيرة عدم الانهيار الاقتصادي.
جزء من تكاليف التعاطي مع أزمة اللاجئين تمّ تغطيته من قبل وكالات الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية و المانحين. قدرت دراسة مشتركة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج التنمية للأمم المتحدة أن حقائب مساعدات اللاجئين رفعت الناتج المحلي الإجمالي اللبناني بنسبة تزيد عن 1%. من إجمالي الـ 800 مليون دولار التي تنفقها وكالات الأمم المتحدة على اللاجئين، يتم ضخ 38% منها مباشرة في الاقتصاد اللبناني لتأمين المساعدات الإنسانية العينية وقسائم الغذاء. حسب لجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة إغاثة إنسانية دولية لا حكومية، كان للمساعدات المالية أثراً مضاعفاً على الاقتصاد اللبناني: كل دولار أميركي واحد يصل للمستفيدين يقدر توليده ل2.13 دولار في الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد اللبناني.
بالإضافة لذلك، حينما تحوّل التركيز الإنساني على الأزمة إلى التنمية البشرية طويلة الأمد، والتي تستهدف اللبنانيين أيضاً، استفادت المجتمعات المضيفة من التدريب المهني التقني. تقرير البنك الدولي آنف الذكر يتوّقع أنّه على الرغم من ضخامة تداعيات الحرب السورية، إلا أنّها ستبقى محدودة في الوقت الراهن.
دراستا صندوق النقد والبنك الدوليين الحديثتان هاتان، تعترفان بالأثر الكبير للأزمة السورية على الاقتصاد اللبناني، لكنهما في الوقت ذاته تشيران إلى العجز العضال لحكومات لبنانية متعاقبة عن الإدارة الاقتصادية والسياسية المتوازنة، مما زاد من حدة الأزمة.
منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في شباط 2005، أدت الانقسامات السياسية لعدم مصادقة البرلمان اللبناني على موازنة وطنية. منذ 2005 تنفق الحكومات اللبنانية من خلال تسليف من الخزينة وتمرّر إجراءات آنية عشوائية عندما يتم الضغط عليها، مما يعني أنّه ليس لدى لبنان فعلياً سياسة مالية. دون موازنة وطنية ولا سياسة مالية، هناك ضعف في القدرة السليمة على الاستشراف، مما يعمّق الفساد ويسرّع استنزاف الموارد العامة.
شبه العجز لدى النواب اللبنانيين عن تمرير أيّ تشريع في السنوات الأخيرة (عدا التمديد غير القانوني لولايتهم مرتين في 2013 و 2014) وانتخاب رئيس أدى للتدمير المستمر لبنى الدولة. مثلا، أحد مصادر دخل الدولة المحتملة، وهو تطوير حقول الغاز البحرية، لم يتم المضي فيه لأنّ الطبقة السياسية لم تتفق على سياسة. لم تتمكن الحكومات اللبنانية أيضا من إصلاح قطاع الكهرباء غير الفعّال رغم الدعم الحكومي الكبير له، والذي يستنزف الموارد المالية العامة بدرجة هائلة.
حسب تقرير البنك الدولي ذاته، حتى في التخصيم في الأزمة السورية، تشير ثغرات حساب لبنان الحالي إلى وجود مشكلة تنافسية عميقة. انقطاع الطرف التجارية التقليدية ساهم بشكل جزئي فقط بهذه الثغرة، حيث كانت الإنتاجية والتنافسية ضعيفة بشكل أساسي قبل الأزمة.
البنى التحتية الوطنية، التي أنهكت من تدّفق اللاجئين، كانت ضعيفة من قبل الأزمة السورية. كان على المواطنين اللبنانيين الصراع مع الخدمات العامة غير الكافية (خاصة في المناطق الريفية)، بما في ذلك انقطاع الكهرباء (وصل إلى 18 ساعة في اليوم خارج المراكز المدينية)، وانخفاض مستويات التعليم الحكومي، والمشافي الحكومية الباهظة التكاليف التي تنقصها القدرة على معالجة المواطنين اللبنانيين.
أبرزت أزمة اللاجئين هذا الضعف، حين أدى الازدحام في المناطق التي يقطنها السوريون واللبنانيون من ذوي الدخل المحدود إلى تنافس على الموارد في المستوى المحلي مما شكل ضغطاً على الخدمات الصحية والتعليمية متدنية المستويات أساساً.
بالإمكان هنا ملاحظة الفرق بين الآثار السلبية للحرب السورية (بعكس اللاجئين) على الاقتصاد اللبناني من حيث الأضرار بالتجارة والاستثمار، ومشاكل الاقتصاد البنيوية العميقة، وغياب السياسات الاقتصادية السديدة لخلق نمو مستدام. يوّضح تقرير البنك الدولي هذه النقطة الأخيرة تماماً: ضعف الحوكمة اللبنانية وشدّة تأثر الطبقة السياسية اللبنانية بالتحالفات الجيوسياسية المحيطة بالحرب السورية هي عوامل أساسية تؤثر بقدرة لبنان على مقاومة صدمات الصراع المجاور.
بالإضافة لذلك، فإن خلافات سياسة لبنان الخارجية مع دول الخليج العربي، تحديداً السعودية، حول دور حزب الله في الحرب السورية وتصنيف مجلس تعاون دول الخليج العربي لحزب الله على أنه منظمة إرهابية أثر أيضاً على الثقة بالاقتصاد اللبناني، الذي يعتمد على السياحة والاستثمارات الخليجية. في شباط الماضي، ألغت الرياض منحة تسليح بقيمة 4 بليون دولار للجيش اللبناني وقوى الأمن، وسحبت إيداعاتها من المصرف المركزي اللبناني. خلال نفس الشهر، منعت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة مواطنيهم من السفر إلى لبنان. زاد من تأزّم الوضع موجة الترحيل الفائتة التي استهدفت المقيمين اللبنانيين في الخليج.
اللاجئون والبطالة في لبنان
أعقد العوامل وأكثرها استمراراً بالنظر لآثار الأزمة السورية على الاقتصاد اللبناني هو دخول عشرات الآلاف من السوريين إلى سوق العمل، ما ارتبط أثره بارتفاع نسب البطالة في لبنان وانتشار الاستياء بين العاملين والمواطنين اللبنانيين. في تقريرها الذي نشر عام 2015، قالت منظمة العمل الدولية إنّ التنافس على فرص العمل هو تحدي ملح تواجهه المجتمعات المضيفة نتيجة زيادة العرض في القوى العاملة.
يعمل اللاجئون السوريون بشكل أساسي في مهن بسيطة التأهيل في البناء والزراعة، وبأعداد أقل في الضيافة، التصنيع، التنظيف والصيانة. عادة ما يقبلون بدخل أقل ويعملون ساعات أطول دون ضمانات اجتماعية وبأجور منخفضة.
كما ذكر آنفا، يقطن ويعمل معظم اللاجئين السوريين في مناطق مهمّشة منذ زمن كشمال لبنان ووادي البقاع. بنهاية عام 2014، صرّح البنك الدولي أن حوالي 170 ألف لبناني دفع بهم إلى مستوى الفقر، وأنّ معدلات البطالة تضاعفت لتتجاوز 20% بالمقارنة مع عام 2011.
العمالة السورية الرخيصة كانت موجودة قبل الأزمة، بحوالي نصف مليون إلى مليون عامل موظف في القطاعات آنفة الذكر. الاتفاقات الثنائية بين سوريا ولبنان في مطلع التسعينات سمحت بالتبادل الحر للعاملين بين البلدين، مما فتح الباب أمام العمال السوريين قليلي الأجر لإعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية. ساعدت أيضا النظام السوري على الهروب من أزمة البطالة لديه.
السوريون معرضون جداً اليوم، أكثر مما مضى، لاستغلال العمالة. 88% منهم يعملون بأجور تقل بنسبة 40% عن الحد الأدنى للدخل اللبناني، والذي هو غير كاف للمواطنين اللبنانيين أساساً.
ذكر البنك الدولي أنّه من غير الواضح لأيّ درجة ينافس اللاجئون محدودو التأهيل المواطنين اللبنانيين، بما أن سوق العمالة البسيطة كان بشكل عام مهيمن عليه من قبل العمال الأجانب من قبل الأزمة. من الوارد جداًأنّ العمالة البسيطة، والتي ضمّت سوريين قبل عام 2011، عانت من ارتفاع التنافس بسبب اللاجئين السوريين بعد عام 2011.
بجميع الأحوال، تدفق اللاجئين السوريين خفّض الأجور لكل من العمال اللبنانيين والأجانب ذوي المهارات البسيطة. مما دهور ظروف العمل السيئة ابتداء في أسواق العمل العشوائية غير المقنّنة.
من الصعوبة بمكان أيضا العثور على إحصائيات تقدّر عدد اللبنانيين الذين باتوا عاطلين عن العمل لأن عملهم أعطي لسوريين، أو تم تسريحهم وتمّ استبدالهم بسوريين. ليس لدى لبنان نظام معلوماتي لسوق العمل، ولم يتم إجراء أي تحليل احتياجات رسمي لسوق العمل منذ عام 20041.
دون هذه البيانات، من الصعب واقعياً تحديد لأيّ درجة ارتفعت البطالة فعلاً نتيجة دخول العمال السوريين لسوق العمل، ولأي درجة يعود ذلك لعوامل اقتصادية أخرى كانقطاع الطرق التجارية وانخفاض الاستثمارات.
تحدٍّ آخر، هو تحديد لأي درجة أخذ السوريون وظائف من اللبنانيين في قطاع العمل غير المنظم، وهو قطاع أساسي في الاقتصاد اللبناني يصعب إحصاؤه.
لا يمكن أيضاً لوم السوريين على عجز الحكومات اللبنانية المتعاقبة عن تنمية فرص العمل. قدرت دراسة للبنك الدولي في نيسان 2013 أنّه حتى دون تدفق اللاجئين، سيحتاج الاقتصاد اللبناني لخلق 23 ألف فرصة عمل سنوياً ليلبي طلبات العمل الجديدة ويزيد النمو، مقارنة بحوالي الثلاث آلاف وأربعمئة فرصة التي تخلق حالياً.
يخلق الاقتصاد غالبية فرص العمل في قطاعات منخفضة الإنتاجية، توظف عمالة بسيطة. يميل الموظفون ذوي التأهيل العالي لمغادرة لبنان بحثا عن عمل، حيث يوجد فائض من الخريجين اللبنانيين ونقص في فرص العمل. من الواضح أنّ لبنان يحتاج للانتقال إلى قطاعات عالية الجودة ليمتص تدفق الخريجين الجدد مرتفعي التأهيل.
[صورة: لا تحوك اللاجئات السوريات والنسوة اللبنانيات في هذه الصورة وشاحاتا او ألبسة أطفال، بل يتعلمن صناعة شبكات الصيد، وهي مهارة تساعدهن في العثور على عمل في الساحل الشمالي بلبنان، في منطقة معتمدة على الصيد تعاني من أعلى معدلات البطالة في البلد – 6/11/2013 (الصورة: راسل واتكينز/ وزارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة. النص: بول دونوهو/ لجنة الانقاذ الدولية عبر CC BY 2.0 )].
باختصار، من غير الممكن إنكار أن دخول أعداد هائلة من اللاجئين السوريين لسوق العمل اللبناني كان له أثرأ سلبيا ليس فقط على معدلات البطالة، وإنما على جودة التوظيف أيضا.
إلا أنّ التركيز على اللاجئين السوريين يحجب واقع قوانين العمل اللبنانية ونظام الضمان الاجتماعي الغير كافيين لتأمين حاجات العاملين وأصحاب العمل اللبنانيين. لا يوجد تعويض بطالة، ورغم أنّ قانون العمل اللبناني يفرض على أرباب العمل تسجيل الموظفين في صندوق التأمين الاجتماعي الوطني، إلا أن العديد من العاملين اللبنانيين ليسوا مأمنين من هذا الصندوق. وفق تقرير البنك الدولي عام 2013، 20% يعملون في وظائف غير منظمة دون عقود وحوالي 30% هم أصحاب مهن بأنشطة منخفضة الإنتاجية.
إلقاء لوم البطالة وسوء ظروف التوظيف حصراً على عاتق تدفق اللاجئين الذين يتم استغلالهم بشكل كبير، يخلق وهماً بأنّه إن اختفى اللاجئون سحرياً بشكل ما، تصبح فرص العمل متوفرة مرة أخرى. الدراسات الاقتصادية آنفة الذكر تؤشر قوة إلى أنّ المشاكل البنيوية للاقتصاد اللبناني ستبقى موجودة، وأنّ القوة العاملة المرتفعة التأهيل لن تتمكن من العثور على عمل في لبنان، وبالتالي ستستمر في البحث عن فرص بالخارج.
المعلومات المقدمة هنا ليست شاملة على الإطلاق، بل الهدف هو الرد المستند على الحقائق على السجالات الشعبوية المروّج لها التي تجعل من جميع اللاجئين السوريين في لبنان كبش فداء لأزمة هم ضحاياها الرئيسيين.
على سبيل المثال، تعليقات وزير الخارجية جبران باسيل في 26 حزيران 2016، الذي دعا الشرطة المحلية لإجراء جولات تفتيش روتينية للاجئين السوريين ومنعهم من تأسيس أعمال خاصة، تبعها بعد أسبوعين فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يبدو فيه 40 لاجئاً سورياً، مغمضي الأعين يتم ضربهم من قبل ضباط شرطة.
السجالات الشعبوية، في لبنان وغيره، هي سياسة تشويش: تسعى للفت الانتباه بعيداً عن الأسباب الحقيقية لاستياء الناس وتوجيهه إلى الطبقات الاجتماعية الضعيفة غير القادرة على حماية نفسها.
كشفت الحرب السورية ووضع اللاجئين عن عجز الطبقة السياسية اللبنانية عن تأمين حاجات مواطنيها، الذين كان العديد منهم بحالة حرجة من قبل أن تنفجر الأزمة السورية. توضح هذا العجز في أزمة النفايات عام 2015، التي سبّبت سخطاً عاماً ومظاهرات حاشدة.
خطة الاستجابة للأزمة في لبنان لعام 2016 (وهي استراتيجية تمّ تطويرها من قبل الحكومة اللبنانية، ووكالات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية للتعامل مع الأزمة الانسانية التي تؤثر على السوريين واللبنانيين الأضعف في لبنان) تنص بوضوح على أنه من غير الممكن توّقع أن يتمكن لبنان من إدارة هذه الأزمة وحده، وأنه يحتاج دعماً دولياً مستمراً. لا يوجد شك أيضا بأنّ على المجتمع الدولي عمل المزيد لإعادة توطين اللاجئين وبالتالي تخفيف الحمل عن لبنان.
مع ذلك، على الحكومة اللبنانية أيضا أن تلعب دوراً أكثر مبادرة، بتطبيق سياسات وطنيةواضحة تتعامل مع أثر الأزمة السورية، وتمرير إصلاحات اجتماعية واقتصادية تحمي المواطنين اللبنانيين واللاجئين السوريين من الاستغلال في سوق العمل. فكيف للبنانيين والسوريين أن يعيشوا جنباً لجنب بما يعود عليهما بالنفع في حال حل السلام في سوريا، إذا زرع هذا القدر من الكره والرفض بينهم؟
****
هامش:
انظر مؤسسة التدريب الأوروبي (2015)، "سوق العمل وسياسة التوظيف في لبنان"، متوفر في http://goo.gl/GOfhRb
- (الصورة الأولى: لاجئون سوريون في مركز تسجيل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في زحلة – لبنان – 20/11/2014 (س. حويبك/ مفوضية اللاجئين عبر CC BY-ND 2.0)