لم تكن المحامية والناشطة الحقوقية "سيرين الخوري" تدرك أن وقوفها الأول في قاعة محكمة أمن الدولة في عام 2002، سيكون بداية مشوار طويل في الدفاع عن حقوق الإنسان والسجناء السياسيين في سوريا، لتكرس خلال رحلتها هذه، واحدة من أهم المحاميات والناشطات اللواتي قارعن أجهزة الأمن في العلن، إلى أن اندلعت الانتفاضة السورية في الخامس عشر من آذار، لتخوض غمارها وتنغمس في نشاطاتها تظاهرا و دفاعا عن المعتقلين، ورصدا للانتهاكات الحاصلة بحق السوريين.
إحدى المفارقات في حياة سيرين أن أول سجين سياسي (مصعب الحريري) دافعت عنه كان حدثا ( دون سن الثامنة عشر) متهما بالانتماء إلى جمعية سرية محظورة هي جمعية الإخوان المسلمين، حيث قبلت الدفاع عنه من مبدأ حقوقي، لتبدأ رحلتها في الدفاع عن السجناء السلفيين والإسلاميين والعلمانيين، بغض النظر عن انتمائهم السياسي أو الديني أو الاثني، الأمر الذي عرضها لاستدعاء أمني تركزت فيه الأسئلة حول سبب دفاعها عن السجناء من الإخوان المسلمين والسلفيين وهي العلمانية بامتياز و المتحدرة من الطائفة المسيحية، مصرة على حقها في الدفاع عن كل السجناء دون تمييز، حتى أولئك الذين لا يشاطرونها الرؤية الفكرية، " فطالما هم سوريون سأدافع عنهم".
بعدها أدمنت سيرين الوقوف في محكمة أمن الدولة الشهيرة في سوريا، ( ألغيت الآن)، التي كان يرأسها القاضي الشهير فايز النوري الذي عرف بأحكامه التعسفية ضد المعتقلين السياسيين، حيث دافعت عن العديد من السجناء، منهم القيادي الشهير في حزب العمل فاتح جاموس.
وكانت ضمن فريق المحامين عن سجناء إعلان دمشق/ بيروت، ومنهم المعارضان محمود عيسى وميشيل كيلو، وجماعة إعلان دمشق للتغير الوطني الديمقراطي (فداء حوراني ورفاقها).
بعد اندلاع الانتفاضة شاركت في الوقوف أمام السفارة الليبية، "استنكارا لتعامل السلطة الليبية مع الشعب الليبي"، كما تقول، ورغم عدم يقينها بإمكانية حدوث شيء في سوريا آنذاك، إلا أنها كانت من أوائل المشاركات بالاعتصام أمام وزارة الداخلية بتاريخ 16/3/2011، لتعتقل على إثرها من قبل الأجهزة الأمنية وتحول إلى سجن دوما للنساء، حيث قامت بالتعاون مع زميلاتها المعتقلات بإضراب عن الطعام اعتراضا على احتجازهن، لتبقى لمدة عشرة أيام، وليطلق سراحها.، حيث كان الربيع السوري قد بدأ فعلا.
وبعد خروجها من المعتقل لم تستكن للصمت، فلم يكد يمضي أيام على اعتقالها حتى شاركت في أول اعتصام لمحامي سوريا فرع محافظة السويداء، للمطالبة بوقف القتل في درعا، بتاريخ 27/3/2011 ، حيث رفع المعتصمون شعار " كلنا درعا"، منشدين نشيد: " لو صاح صوت المنادي بالروح نفدي وطنا"، متحدين بذلك السلطات، ومؤكدين تضامن السوريين مع بعضهم البعض ضد السلطة التي تسعى لتفريقهم.
https://www.youtube.com/watch?v=k8aGr0QTdG0
وبعد أن بدأت السلطة تعتقل الناشطين وتزج بهم بالسجون بدأت سيرين حملة الدفاع عن كل الشباب متنقلة من محكمة إلى أخرى، ومن قاعة إلى أخرى ضمن أروقة قصر العدل، لتحصل على أخبار السجناء السياسيين ومساعدتهم ومعرفة أماكن احتجازهم وطمأنة أهاليهم عنهم، إضافة إلى نقل الأخبار للمنظمات الحقوقية والإعلام، حيث دافعت عن الفنانة المعروفة مي سكاف، ورفاقها المثقفين الذين اعتقلوا بعد مشاركتهم في المظاهرة التي دعت لها مي في حي الميدان الشهير في العاصمة السورية، وصارت تعرف باسم مظاهرة المثقفين.
https://www.youtube.com/watch?v=mRLDBKORvlY
. وكذلك دافعت عن شباب التنسيقيات ومنهم الناشطة هنادي زحلوط المعروفة باسمها الحركي "هيام جميل"، ورفاقها المعتقلين على خلفية تشكيل تنسيقية أحياء دمشق، وغيرهم الكثير.
كما شاركت في المظاهرات في العديد من المحافظات السورية مثل الحراك وداعل في درعا، متابعة التجوال في الجغرافيا السورية لنقل أخبار التظاهرات وتوثيق معتقليها ورصد انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، حيث تواصلت مع العديد من الوسائل الإعلامية لتكون صوتا من أصوات الثورة، مثل البي بي سي والحوار و الرأي غيرها.
و رغم كل الدماء النازفة في سوريا، فإن سيرين الخوري تصر على سلمية الثورة وعلى أنه " لا يجوز لسوري أن يقتل سوريا آخر مهما كان الأمر"، رغم أنها ترى أن السلاح في الانتفاضة ظهر في البداية بفعل "استغلال السلطة لصغار العقول والزعران في الطرفين ( الموالي والمعارض)، ليبدأ بعدها القتل الذي لم يعد بالإمكان إيقافه أو احتوائه، ليبدأ بعدها ظهور المعارضة المسلحة بشكل علني".
وظهرت في العديد من الأفلام التي تحكي عن الانتفاضة، وورد اسمها في عدد منها مثل فيلم " حرة بنت حرة" الذي أعد للحديث عن تجربة المرأة السورية في الانتفاضة السورية.
الآن، لا تزال سيرين الخوري تحلم بوطن سعيد يتوقف فيه القتل، و يتساوى فيه السوريون أمام القانون، مناشدة: " أوقفوا القتل عن طريق التفاوض لأنه وحده الكفيل بإخراج سوريا من حمام الدم الذي تغرق فيه"، آملة بذلك أن يصل السوريون بر الحرية التي ينشدون.