على نسق َ ما قام َ به الدكتور باسم يوسف في ثورة مصر بتسجيل فيديوهات و عرضها على اليوتيوب، قامت مجموعة من الناشطين السوريين بإعداد برنامج يشبه فكرة برنامج باسم يوسف بالبحث في الممنوعات ونقد ما يدلي به المسؤولين و القادة السياسيين من تصريحات ٍ غير منطقية. "عنزة و لو طارت" إسم البرنامج الساخر و الذي، على الرغم من تشابهه مع فكرة برنامج الدكتور باسم يوسف، إلّا أنه ُ حمل َ الحسّ السوري في طرح الثورة و التفاعل مع المشاكل الإعلاميّة التي ظهرت من خلال الثورة السورية.
https://www.youtube.com/watch?v=eXAANOZ5t9w
في ١٢ آب ٢٠١١ ظهرت أنثى محجّبة و متقنعة أمام َ عدسة كاميرا في فيديو على اليوتيوب تناقله كـُثر تحت مسمى “عنزة و لو طارت”. كان هذا الفيديو نقد مباشر لخطاب حسن نصر الله الذي كان َ قد ظهر على الإعلان ليقول بأنّ سوريا بخير و يعلن تأييده للنظام السوري بشكل ٍ لا يقبل النقد أو الشكّ. الفيديو كان َ الأوّل من نوعه ِ . في الأوساط السورية و لاقى إهتماما ً شديدا من قبل عدد كبير من الناشطين و المتابعين لشؤون الثورة السورية فوصل عدد مشاهدي الحلقة الأولى من البرنامج إلى 442801 مشاهدا ً.
لفّ الغموض البرنامج و معديه الذين لم يعرّفوا عن أنفسهم أبدا ً و حافظوا على سريّة في العمل تجلّت ابتداء ً من القناع الذي ترتديه مقدمة البرنامج التي تخفي كامل معالم وجهها خلفه ُ. لا توجد أيّة معلومات عن معدي هذا البرنامج و لا حتّى في مقابلات ٍ أو أحاديث مع وسائل الإعلام. و قد لا يكون ُ هذا الأمر غريبا ً على السوريين ممن عاشوا أو عملوا و تعاملوا مع النظام السوري فحتّى إن لم يعرضهم تقديم ُ برنامجا ً كهذا للأذى المباشر في حال كانوا يقومون بالتسجيل من خارج الأراضي السورية، فسوف يتعداه ُ لأن يتسبب بالأذى لأهلهم و ذويهم الذين لن يتردد النظام على معاقبتهم على ما يعتبره ُ أخطاء لأبنائهم.
في الفيديو الأوّل تطرح قضيّة الممانعة الهزلية التي يستند إليها النظام و معه ُ دفاع حزب الله عنه ُ. تسخر “المندسّة”، حسب ما تعرّف مقدمة البرنامج عن نفسها، من تصريحات حسن نصر الله التي لوّحت إلى أنّ سوريا بخير و لا شيء يحصل في سوريا كما أنه ُ ليس َ هناك َ شعب يطالب بالثورة ليسانده على مثال ما فعل في الثورات العربية الأخرى. تردّ “المندسّة” على أقوال حسن نصر الله هذه بأن تعطيه عنوان أين َ سيجد ما يبحث ُ عنه، ساخرة من خطابه. “ راح أدلك على العنوان، خذ طائرة و اذهب إلى حلب أو حماة هناك في ساحة العاصي هتلاقي هناك قلة قليلة مغرضة تقدر بحوالي 500 ألف، أو أذهب إلى حمص أو درعا، وإذا ضيعت الطريق اتبع رائحة الدم” تقول ُ بلهجة ٍ توحي بالثقة.
https://www.youtube.com/watch?v=SRh4hd9zl-w
لاقى هذا الفيديو انتشارا ً كبيرا ً نظرا ً لأنه ُ تحدّث َ بلسان حال المنطق الذي كان يتساءل عدد كبير من المواطنيين و النشطاء السوريين حوله بعد َ إعلان حزب الله موقفه من الأحداث الجارية في سوريا و اصداره ُ تبريرات ٍ لها، المسألة التي أثارت الكثير من الجدل و فتحت الباب للعديد من التحليلات و الأحاديث.
بشكل ٍ خاص أنّ العديد من السوريين كانوا يعتبرون، و لفترات ٍ طويلة بأنّ حزب الله هو َ مثال شعبيّ للثورة و المقاومة.
أمـّا الحلقة الثانية من برنامج “عنزة و لو طارت” فقد كان َ موجها ً لوليد المعلّم، وزير الخارجيّة السوري، الذي كان َ قد أدلى بتصريحات ٍ لم تكن منطقيّة من وجهة نظر معدي البرنامج، فقاموا بتخصيص حلقة للسخرية من التصريحات و تسليط الضوء على عدم منطقيتها و هزليتها.
تبعته ُ فيما بعد حلقات عن الكثير من التصريحات الإعلاميّة التي أتت كردّ غير منطقيّ على الثورة السوريّة سواء كانت من قبل النظام نفسه ُ أو داعميه ِ من خارج أو داخل سوريا.
https://www.youtube.com/watch?v=LUynaTdQRJo
و هكذا أصبح َ البرنامج حدثا ً ساخرا ً يأتي شهريّا ً ليلقي الضوء على لا منطقيّة ما يتمسّك به النظام و مسانديه في المنطقة من أقوال و تصريحات لا حقيقة لها من وجهة نظر المعدين.
يقدّم البرنامج، منذ ُ نشأته ٍ حلقة كلّ شهر، تعتمد ُ هذه الحلقة على أغرب ما قيل َ أو صرّح َ به في شأن الثورة السورية لتروي قصتها الغريبة حوله. توقف َ البرنامج عن العمل وفقا ً لهذه الآلية الشهرية منذ ُ مايقارب الستة أشهر. فبعد َ الحلقة الخاصة بمجزرة الحولة في 8 حزيران 2012 توقف َ البرنامج لمدّة ثلاثة أشهر ثم عاد َ بحلقتين في فترتين زمنيتين متباعدتين ِ ( 8 أيلول 2012، و َ، 1 تشرين الأوّل 2012) و كانت حلقة "فناني السقطة في بلاد البطّة" هي آخر ما قدمته ُ المجموعة على حسابها على اليوتيوب. لا أسباب منطقيّة تفسّر سبب توقف البرنامج إلّا أنّ كثير من الناشطين يعتقد ُ بأنّ ذلك قد يعود إلى تعقّد الأمور مؤخرا ً في سوريا.
و في حين ّ أنّ البرنامج نفسه ُ لا يواظب على حلقاته الشهريّة فإنّ الفريق القائم عليه مازال َ يمارس ُ السخرية من الغير منطقي على صفحته ِ على كلّ من توتيتر و فيسبوك.
أمـَا عن إسم البرنامج، عنزة و لو طارت، فهو مثل شعبيّ متعارف عليه في منطقة بلاد الشام و الشرق الأوسط. هناك قصص وروايات كثيرة تروى عن مصدر هذا المثل الشعبيّ. واحدة من هذه الروايات هي بأنّ زوجا ً كان محكوما ً لزوجته ِ التي أعطته ُ بطّة و طلبت إليه أن يبيعها في السوق على أنّها عنزة، و عندما حاول َ العمّال و التجار في السوق إقناعه بأنها ليست عنزة بجعلها تطير، قال لهم، “هي عنزة و لو طارت”. و في رواية اخرى بأنّ صديقين حاولا معرفة الشكل الغريب الذي يقف ُ على حافة سفح الجبل فتشارطا على أنّه أمـّا غراب أو عنزة، و عندما طار َ ذلك الشكل قال أحد الأصدقاء للآخر بأنه ُ ربح الرهان لكنّ الصديق الآخر أصرّ على موقفه و قال بأنّ الشكل هو عنزة حتّى لو طارت! و قصص و روايات أخرى حول ّ أصل هذا المثل، لكنّ المشترك الوحيد بين هذه القصص جميعاهو إصرار أحد الشخصيات على التمسّك بالرأي اللامنطقي لغاية تناسبه ُ و العناد و الإستمرار بالدفاع عن شيء غير حقيقيّ، تماما ًكما يفعل النظام السوري.
كزيادة في السخرية يقوم القائمين على البرنامج بالتعريف عن أنفسهم عن طريق استخدام مصطلحات ٍ استخدمها النظام السوري لوصف الناشطين و الثوار من خلال الثورة السورية، و بعض هذه الصفات و الروايات: "مندسين و مخربين يتقاضون مبالغ اذاء تخريب البلاد و يقوم كل من أميركا و إسرائيل و أشرار لبنان و الاخوان و القاعده و غيرها" مؤكدين بأنّ الممول الأوّل لهذا البرنامج هو أميركا و إسرائيل و القاعدة و الإخوان المسلمون و بندر و غيرها من مصادر َ أتدعى النظام السوري في مراحل سابقة بأنها من تقوم ُ بتمويل الثوار في سوريا. الملفت للنظر في هذه النقطة هو عبارة صغيرة ملحقة لكلّ الصفات و الروايات التي يصف ُ النظام بها الثورة السورية و يستخدمها المعدين للتعريف عن أنفسهم شاكرين، بنفس الأسلوب الساخر، أميركا و إسرائيل و الغرب و غيرهم: “و نشكرهم على أن اتحدوا لأوّل مرّة في التاريخ لتخطيط الثورة السورية.”
أخيرا ًيعرّف القائمين على البرنامج أنفسهم كمشروع إعلامي ناقد لدعم الثورة السورية،يهدف للوصول للصامتين عن المجازر،المخدوعين بأكاذيب النظام،بطريقة ساخرة تصل لجميع الشرائح. يسلط الضوء على صفحات من مذكرات الثورة السورية. أمـّا عن المنظمين و القائمين على هذا البرنامج فهم يقومون بتسجيل البرنامج و العمل عليه من خارج سوريا لكنهم يستطردون في تفسير القناع الذي ترتديه المقدمة : “أما القناع فهو نتيجة طبيعية للتعامل مع نظام سيقبض على ثلاثة من أقربائنا في سورية كثمن لوجودنا خارجها”. على الرغم من إرتدائها القناع إلّا أنّ مقدمة البرنامج لم تستطع، و ربما لم ترغب، بتمويه لهجتها الحلبيّة الواضحة للسوريين.