صور فدوى سليمان في مشاركاتها في قيادة مظاهرات الثورة السورية و مشاركتها في فعاليات عديدة ضمن الثورة في الداخل.
لم تكن الفنانة والناشطة السورية فدوى سليمان تتوقع أن ينتهي بها المطاف في باريس حزينة ومتألمة منتظرة حرية بلدها، ترنو إليه وهو ينزلق لكل ما حذرت منه سابقا، وهي التي كانت منخرطة في كافة الفعاليات منذ بدء الانتفاضة حتى الآن.
حين بدأ " الربيع العربي" يرن أجراس الحرية كانت فدوى كغيرها من أفراد الشعب السوري المنتظر حرية طال انتظارها، حرية عُتقت في دنان الانتظار، ليتخذ الربيع السوري صيغة تظاهرات متضامنة مع ربيع الشعوب الأخرى أمام سفارات تونس ومصر وليبيا، حيث حاول السوريون تغليف تظاهرهم ضد نظامهم تحت شعار التضامن مع الشعوب الثائرة، مع رفع شعار" خاين يلي بيقتل شعبو" في تلميح مبطن إلى النظام السوري.
وقتها كانت فدوى تقرأ وجوه الناس باحثة عن التغيير الذي تنتظره، و رغم أنها لم تشارك في تلك الاعتصامات إذ قالت لموقعنا: "لم أشارك في اعتصامات السفارات، وإنما عندما بدأ الربيع العربي في تونس تمنيت لو أن الشرارة تمتد إلى سوريا، وبدأت أبحث في الشوارع وفي وجوه الناس عمن يشاركنا حلم التغيير".
وما إن انطلقت صرخة حرية في سماء الشام في الخامس عشر من آذار (2011) حتى بدأت فدوى ورفاقها تشعر أن الحلم اقترب، فبدأت تعمل على أن تكون جزءا من ثورة شعبها لا مجرد " كومبارس" مستغلة بذلك صوتها كفنانة للتأثير على الرأي العام السوري من جهة، ولتكون صوت الانتفاضة المدني للخارج أيضا،" وعندما خرجت أول مظاهرة في 15 آذار بدأت ألتقي ببعض الناشطين، الذين يريدون القيام بمظاهرات في دمشق وتفعيل الحراك السلمي بتنظيم مظاهرة معهم في قلب العاصمة دمشق"، لتبدأ حكاية فدوى مع الانتفاضة، والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة مراحل طبعت تاريخ نضالها، وهي:
مرحلة دمشق:
شاركت فدوى في هذه المرحلة الممتدة من الخامس عشر من آذار وحتى بواكير شهر تشرين الثاني من سنة 2011، في أغلب التظاهرات التي انطلقت في العاصمة السورية، حيث كانت من المنظمين لعدد منها في أحياء دمشق، بدءا من تظاهرات واعتصامات عرنوس إلى مدحت باشا والحريقة، مصرة على سلمية الثورة ومدنيتها، مدققة في اختيار شعاراتها التي كانت تختار بعناية فائقة.
تقول فدوى "أول مظاهرة نسائية في عرنوس صامتة وكانت الشعارات: "فكوا الحصار عن درعا- سوريا وطن يتسع للجميع- لسنا سلفيات ولا مندسات- نحن نساء ننتمي لسوريا وسوريا فقط - ولوغو مع شعار (لا للقتل ، ولا للعنف)"، كما شاركت في تظاهرة أخرى في عرنوس شارك بها حوالي 250 شاب وفتاة، تم خلالها رفع شعارات "فكوا الحصار عن المدن"، و" الحوار الوطني هو الحل"، و "سوريون لن تفرقنا الطائفية"، و "نريد وطنا جميلا ونظيفا" و "شهداؤنا نوصيكم بهم" و "حماة الديار اوقفوا إطلاق النار"، و " نحو مجتمع مدني حر"، وهو ما يعكس الوجه المدني الحر والمستقل للشباب السوري في بداية الحراك.
وقامت إلى جانب عدد من الصبايا والشباب بتصوير أول الاعتصامات المنزلية النسائية، والتي كانت تحمل نفس الشعارات الداعية للسلمية ووقف العنف، كما شاركت في كل العزاءات التي أقيمت لشهداء الانتفاضة في برزة والقابون و زملكا ودوما، حيث أصرت ورفاقها على تأدية واجب العزاء ضد إرادة الأجهزة الأمنية التي كانت تحاول منع السوريين من الالتقاء ببعضهم البعض، خاصة إن كانوا من منابت طائفية متعددة، لذا أصرت فدوى على كسر الحواجز بين السوريين، محولة العزاء إلى تظاهرة بصوتها الهادر والداعي للوحدة الوطنية، ودون أن تتنازل عن حريتها في وجه الاستبداد وفي وجه العادات والتقاليد التي كانت تحكم بيئات العزاء هذه، ففي إحدى المرات حين وصلوا إلى أحد العزاءات رحبت بهم أخت الشهيد، وقالت: هل أجلب لكم حجابات ( أغطية الرأس)؟ فردت فدوى: "لا نحن جئنا من كل سوريا ونريد أن نتضامن معكم كما نحن لنثبت للجميع أن سوريا واحدة بجميع أبنائها"، فما كان من المرأة إلا أن رحبت بفدوى ورفيقاتها بحرارة.
هنا كانت فدوى تعمل على العقل والوعي لتكسير التقاليد بدءا من العقائد وليس انتهاءا بالأفكار الخاطئة عن الآخر، إذ طلبت ذات مرة من الرجال المتواجدين في فناء الجامع ببرزة أن يبدأووا بالصلاة معاً من أجل حمص، كي لا يجرها النظام إلى بركان طائفي، وقد وقفوا جميعاً نساءا ورجالا وبدؤوا بالدعاء لحمص، وهذا يُعد كسرا للعادات والتقاليد الدينية، التي تمنع وقوف الرجل إلى جانب المرأة في الصلاة.
في هذه المرحلة ظهر أول شريط لفدوى سليمان على صفحات التواصل الاجتماعي، وهي تقوم بالغناء في أحد عزاءات الشهداء في القابون، حيث أنها كانت مدعوة للمشاركة في مظاهرة نسائية في القابون، متزامنة مع مظاهرة للرجال، فقامت بالتواصل أيضاً مع ناشطين لكي تكون المظاهرة عبارة عن زراعة أشجار زيتون من الساحل السوري في القابون من أجل أرواح شهداء سوريا والقابون، حيث تقصدت أن يكون أغلب النشطاء من الأقليات الدينية لإثبات كذب النظام، لتتحول المظاهرة في 17/7/2011 إلى عرس وطني حقيقي، وتنضم النساء إلى الرجال في مظاهرة واحدة، وتكرر الأمر في اليوم التالي/7/2011 في برزة في جنازة الطفل يزن الريس وزراعة زيتون الساحل السوري لأرواح الشهداء فيها.هنا بدأت شهرة فدوى تظهر للعلن، ولتكون بذلك من أول الفنانين الذين أعلنوا رفضهم المطلق للاستبداد، وبشكل علني وصريح.
وشاركت فدوى في هذه المرحلة أيضا في التوقيع على البيان الذي عرف باسم "بيان الحليب" الذي كتبته السيناريست ريما فليحان للتضامن مع أطفال وأهالي درعا، ردا على حملات النظام التعسفية، حيث قام النظام وشبيحته بتهديد الفنانين الذين وقعوا على هذا البيان. وأطلقت ما سمته ثورة الحب والمسامحة، كي يعيش السوريون جنبا إلى جنب، وذلك في رسالة سجلت خصيصا لأجل محاضرة عن دور المرأة في الثورة السورية، برعاية مؤسسة المرأة في إطار البحر المتوسط وجمعية سورية حرية لدعم ثورة الشعب السوري. وأثناء تواجدها في دمشق، لم تكتفي فدوى بذلك، بل كانت تقوم بالذهاب إلى مدينة درعا و وريفها (المسيفرة والحراك والطيبة)، حيث نقلت نشاط زراعة زيتون الساحل السوري إلى درعا لتشارك في زراعة الزيتون والتظاهرات التي كانت تنتهي بالقسم الذي يثبت إيمان ابنة الساحل السوري بسوريا وشعب سوريا.
المرحلة الثانية: فدوى في عاصمة الثورة:
بعد أشهر من اندلاع الانتفاضة بدأت أساليب النظام تؤتي ثمارها في دفع قطاعات من الانتفاضة نحو الطائفية والعنف، الأمر الذي دفعها للنزول إلى حمص لمواجهة الطائفية وعنف النظام والسلاح عبر التأكيد على سلمية الانتفاضة ومدنيتها بوجه محاولات حرفها نحو مناخات إسلامية أو تحويلها لثورة مسلحة، حيث بدأت فدوى لقاءات موسعة مع ناشطي مدينة حمص لوضع خطة لتفعيل الحراك السلمي والتظاهر ومنع الانزلاق للعنف والطائفية، وانطلقت في حملة توعية للأهالي والمتظاهرين، تؤكد من خلالها أن النظام يدفعنا نحو التسلح ليحقق أجندته وكذلك القوى الخارجية، فبدأت تقود التظاهرات في البياضة والخالدية وتتواصل مع الإعلام باسمها الصريح لنقل صوت المنتفضين ومطالبهم، رغم كل ما في ذلك من خطر واضح على حياتها، حيث كان النظام بدأ القيام بتصفيات ميدانية للناشطين السلميين.
ولم تكتفي فدوى بذلك بل بدأت التواصل مع الناس على الأرض والمشاركة في أحزانهم وغنائهم، حيث زارت العائلات المنكوبة وغنت مع العجائز والشباب وشاركت في تشييع الشهداء عدا عن المشاركة على قنوات الجزيرة والعربية وغيرها لنقل صوت الثورة للخارج، إضافة إلى المشاركة في المؤتمرات من قلب حمص الثائرة عبر سكايب، لنقل صوت المنتفضين و تشجيعهم على المضي في انتفاضتهم حتى النهاية ولمنع انجراف الناس نحو السلاح، وهو الأمر الذي لم تتمكن فدوى من إيقافه رغم كل محاولاتها، حيث بقيت في المدينة قرابة الشهر تلتقي مع الجميع وتحاور الجميع، إلى أن أصبح حجم العنف أكبر من أن يحتوى، فخرجت من حمص وهي تبكي، رغم أن تجربتها في المدينة هي التي حولتها إلى أيقونة لكل السوريين، لأنها كانت تحارب على جبهات عدة: النظام من جهة، و دعاة السلاح من جهة أخرى، والطائفيون من جهة ثالثة.
المرحلة الثالثة: المنفى الباريسي:
بعد أن اشتد عنف النظام وبدأت بعض قوى الانتفاضة بالتسلح أصبح الخطر قائما على حياة الناشطين السلميين ومنهم فدوى سليمان، فخرجت من حمص إلى دمشق سعيا منها لإعادة تفعيل حراك المدنية وتنشيطه أكثر إلا أن حجم العنف والوضع الأمني الصعب والملاحقات المستمرة لها منعتها من ذلك، لتقرر الذهاب إلى الأردن فباريس، حيث كان ناشطو المنفى بانتظارها، ولتواصل بعدها دورها الإعلامي في فضح مجالس المعارضة التي لم ترقى ( من وجهة نظرها) لما يقدمه المنتفضون على الأرض السورية.
الآن تجلس فدوى في المنفى الباريسي حزينة لحجم العنف الذي يضرب أرض السوريين، ومع ذلك لا تكف عن الأمل، وكأنها تحمل في دمها نبوءة أستاذها الراحل المسرحي الكبير سعد الله ونوس حين قال: "إننا محكومون بالأمل!