شباب الانتفاضة غادروا أحزابهم، فهل صنعوا البديل؟


27 حزيران 2013

حين انطلقت الانتفاضة السورية في الخامس عشر من آذار، كان هناك عدد من الشباب السوري المنظّم في إطار أحزاب سورية منخرطة في إطار السلطة ضمن "الجبهة الوطنية التقدمية أو تقف على  مسافة قريبة منها، إيمانا منهم أن العمل من داخل البنية هو" المتنفس الوحيد الذي تستطيع العمل ضمن إطاره من أجل أن تكون فاعل أو ناشط في المجتمع" كما يقول الناشط سومر الأحمد الذي كان عضوا في الحزب القومي السوري الاجتماعي، مستشهدا ببعض النشاطات التي قاموا بها ضد الدكتاتورية في عزّ قوتها، مثل "ما حدث في جامعة حلب ضمن الحراك الطلابي عام 2003 بقيادة الدكتور المعتقل حالياً "محمد عرب"، فقد شارك الحزب بصفة رسمية فيه".

إلا أنّ اندلاع الانتفاضة وتجذّرها باتجاه الإطاحة بكامل بنية النظام دفع القائمين على هذه الأحزاب إلى الحذر من الانتفاضة والابتعاد عنها، إذ تقول "ضحى" إحدى المنتسبات سابقا للحزب الشيوعي السوري/ جناح "يوسف الفيصل": "مع بداية الثورة حضرت عدة اجتماعات حزبية اصطدمت فيها مع الرفاق في الحزب، وصدمت بمواقف البعض،  انفصلت عن الحزب بدون أيّة مواجهات أخرى.. لأن الحزب لم يعترف بجرائم النظام في درعا، مع أنّ الرفاق هناك عانوا منها بشكل مباشر، وهكذا توقفت عن حضور الاجتماعات والنشاطات أنا وعدد كبير من الرفاق بنسبة تقارب 70 % من تعداد المنظمات في حلب وريفها".

وإذا كان البعض انضم لهذه الأحزاب قبل الانتفاضة، فإن حكاية أيهم مختلفة، إذ انضم لتيار قاسيون الشيوعي " بتاريخ 18/3/2011 لفتت نظري جريدة قاسيون, كان طرحها في ذاك الوقت جريء، وكنت بحاجة لأن أكون ضمن إطار يساري أستطيع من خلاله التواصل مع شباب يشبهونني، حتى نقوم بأي نشاط ثوري ممكن، فتواصلت مع شباب التيار في حلب".

إلا أن مُقام أيهم في تيار قاسيون لم يطل، إذ تلقى ثلاث خيبات دفعته لهجر الحزب الذي توّقع أن يكون حاملا للتغيير الذي أراده، " أول خيبة حين كتبت تحقيق صحفي عن حجم الانتهاكات الخطيرة التي كانت تحدث في حلب والمدينة الجامعية التي كنت مشاركا في إطار تظاهراتها، مصرّا على أن يكون بصدر الصفحة الأولى من الصحيفة فكان  مصيره سلّة المهملات، والثانية حين حاولت مع مجموعة من شباب التيار تنظيم تظاهرة في الشهر السابع (2011) ، ليرن الهاتف قبل دقائق من انطلاقنا, ليهددنا الأمين العام قدري جميل بأنّ من يخرج في المظاهرة مطرود من الحزب! لم يكترث أحد ونزلنا وقتها إلى شارع فيصل في مدينة حلب لنفاجأ بأنّ المظاهرة مخترقة من الأمن، والثالثة حين اعتقلت لمدة شهرين، إذ لم أتلّقى أيّ اتصال من الحزب، فكان خياري النهائي بعدم الاستمرار".

 الانتفاضة وموقف قيادات هذه الأحزاب منها، دفع الشباب للبحث عن إطارات أخرى تجمعهم، وتنظّم عملهم لكي يكونوا فاعلين في صناعة حرّية بلدهم، ولأنّهم جرّبوا العمل في الأحزاب سابقا، أدركوا أهمية تأسيس تجمعات و أحزاب جديدة تعبّر عنهم، فتقول ضحى" منذ بداية الثورة عملت أنا وعدد من الرفاق المنفصلين عن أحزاب الشيوعية باتجاه تشكيل نويات لهيئات حزبية مستقبلية، إيمانا منا بأهمية العمل الحزبي ودوره في تحقيق المطالب الشعبية.. من وجهة نظري للأحزاب السياسية أهمية تعادل منظمات العمل المدني الأخرى (غير السياسية) لكل دوره وكلاهما مكمل للآخر".

في حين انطلق شباب آخرين بعد هجرهم أحزابهم نحو تشكيل تنسيقيات أو تجمعات تعنى مباشرة بالعمل الميداني على الأرض، إذ يقول "الأحمد " استطعنا أن نؤطّر أنفسنا ضمن إطار تنسيقية "النهضة" التي تضم جميع الأعضاء المنشقين عن الحزب القومي السوري، حيث تمكنّا من التواصل مع مجموعات متفرقة مثل تنسيقية الشيوعيين السوريين، و تنسيقية التآخي وكش ملك وحركة التنوير المدني, فعملنا سويّة وخرجنا باعتصامات ومظاهرات، لنتوحد مؤخرا تحت اسم "شباب ربيع حلب" الذي ضمّ كلّ التجمعات العلمانية والمدنية في حلب.

ناشطوا شباب حلب يتظاهرون. المصدر: الصفحة الرسمية لشباب التجمع
ناشطوا شباب حلب يتظاهرون. المصدر: الصفحة الرسمية لشباب التجمع","title":"..... EN

وعن رؤيتهم وتوقعاتهم لمصير أحزابهم القديمة، يقول الأحمد  "بأنّ الحزب يتجه نحو الانقراض، ولن يبقى له آثر، ولو بقي فسوف يكون فاشل وشكلي، لا دور له "، في حين ترى ضحى أن "الحزب مسيطر عليه بقيادة مركزية تستبد برأي الحزب، وتستبعد من تشاء وقت الضرورة ( تركيبة مبسطة عن دكتاتورية بشار).. لم أصدم كثيرا فقد خرب الحزب على مدى 40 عاما بعد انتسابه للجبهة".

وعن رؤيتهم لمستقبل العمل الحزبي في سوريا، تقول ضحى: " أتمنى أن تلعب الأحزاب الجديدة اليسارية منها خاصة دورا فعالا في سوريا المستقبل، يمكن أن تتميز فيه الثورة السورية عن غيرها من الثورات العربية بهذا الدور.. العمل الحزبي في سوريا و أنقاض الأحزاب السابقة ستشكل أرضية جيّدة لحياة سياسية يمكن الاستفادة منها جيدا"، في حين يرى أيهم أنّ "الشباب السوري قادر على خلق أنظمة جديدة تكسر السياقات الكلاسيكية للأحزاب المهترئة، وسيقدم تجربته التراكمية بصورة أعتقد بأنّها سوف تكون مميزة".

رغم أن الشباب السوري لم يتمكن حتى الآن من صنع البديل السياسي إلا أنهم واعون لضرورته وأهميته، وهم يعملون في هذا السياق، إلا أنّ طول زمن الانتفاضة وعجزها عن إسقاط النظام عثّر مهمتهم التي باتت تتراجع أكثر بسبب الأوضاع الصعبة التي تعانيها الانتفاضة وناشطيها على الأرض، إذ تكاد مهمتهم تنحصر الآن بمحاولات إحياء المجتمع المدني للقيام بمهمات الدولة التي يتراجع آداء مؤسساتها إن لم نقل تتفكك!

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد