ضمن المحاولات الجارية لسرقة انتفاضة الشعب السوري، من خلال سعي بعض المكونات الإسلامية لحرف بوصلتها بعيدا عن الإطار الوطني. أقدمت الهيئة الشرعية في حي الفردوس في مدينة حلب بإصدار قراراً تشريعياً يحرّم على المرأة التبرج، أو لبس الألبسة الضيقة تحت طائلة المسؤولية، إذ جاء في القرار: " يحرّم خروج المرأة المسلمة متبرجة ( بالألبسة الديقة التي تظهر منها معالم الأبدان أو مزينة بالأصباغ على وجهها ) فعلى جميع الأخوات الالتزام بطاعة الله والتمسك بأداب الإسلام ، ولله من وراء القصد"، الأمر الذي استفز المجتمع المدني والتنسيقيات والتجمعات الثورية في المدينة، إذ لم يتوقع هؤلاء أن تتسارع تطاولات الهيئة الشرعية لتنتهك شؤون الناس الخاصة، كما عبر لموقعنا "سيريا أنتولد" الناشط فراس من حلب.
الملفت في الأمر أنّ القرار لم يصدر إلّا في حيّ الفردوس، الأمر الذي رأى فيه الناشط فراس "حركة خبيثة" الهدف منها "جس نبض للناس، فلو رضخوا لهذه القرارات، سوف يباشروا بتعميمها على أحياء أخرى، لتشمل في نهاية الأمر جميع أحياء حلب الخارجة عن سلطة النظام ".
و كرد فعل ضد قرار الهيئة، توّعد نشطاء تنسيقية التأخي "بمظاهرات ضخمة أمام مقراتهم تطالبهم فيها بالتراجع والعودة عما أقرّوه، والتوقف بشكل نهائي عن التدخل بشوؤن الناس الخاصة, والإلتفات لعملهم حتى يكون بخدمة الثورة وأهدافها التي تتلخص بالحرية والكرامة".
وأما رد أهالي الحي فقد عبّر عنه المواطن "أبو أحمد" الذي قال لسيريا أنتولد: "مدينة حلب محافظة بشكل عام منذ القدم , وهذا الحي من أحياء حلب القديمة التي ما زالت لليوم تحافظ على تراثها وعادتها وتقاليدها , فكيف لهؤلاء الغرباء أن يملوا علينا تصرفاتنا، ويتدخلون بشؤون أسرنا وشبابنا ! بناتنا كلهم شرف وعفة وملتزمات بأخلاق المجتمع والدين, ولا أقبل أبداً أن يأتي اليوم أحد ليفرض علي كيف أربي بناتي وأبنائي, هل سيقتلوني ؟ لم أشعر بالرعب من نظام الأسد حتى أشعر بالرعب من هؤلاء ".
و تعمل الهيئة الشرعية على استغلال وضع الناس الاقتصادي وخوفهم من قصف القوات النظامية لفرض ما تريد، مراهنة على ضعف الناس الذين لن يجدوا الوقت للتظاهر، إذ يقول الناشط فراس أن " الناس اليوم بحالة مادية يرثى لها, وكما أن النظام لم يتوقف عن قصف الأحياء , و ليس لأحد اليوم قناعة بأن هؤلاء العسكر سيرتدعون بمظاهرة ضمن ظروف الحرب الحالية فتجدهم يعبرون عن آلامهم بيأس وترجي, وأحياناً أخرى بمنطق الخلاص الفردي".
ولكن دون أن يعني هذا الأمر الرضوخ لهذه القوى التي يصرّ فراس على مواجهتها، قائلا: "نحن القوى المدنية ضمن المدينة نعمل ليل نهار حتى نتخلص من هذه المشكلة, أعتقد بأنكم سوف تشاهدون حلب بيوم قريب منتفضة عن بكرة أبيها تسقط كل شيء وتعيد ثورتها لمجدها ومكانها الأصلي".
https://www.youtube.com/watch?v=m7w0F_jf4kE
ولم تتوقف مقاومة القرار على نشطاء المدينة وتجمّعاتها وتنسيقياتها، بل وصل إلى الجسم الثقافي السوري الذي عبّر عن رفضه الكامل لمثل هذه التصرفات، إذ كان عبر الشعراء السوريون عن مقاومتهم للأمر عبر السخرية منه، إذ قال الشاعر وفائي ليلا "أعضاء الهيئة الشرعية تركوا الجهاد و اشتغلوا بالعباد .. شي للجنان رسمي"، في حين كتبت الشاعرة هالا محمد: "سؤال إلى الهيئة الشرعيّة ... بنطلون الجينس للمرة مسموح !"، إذ يلاحظ كيف استبدلت كلمة الجينز بالجنس في سخرية لاذعة، في حين وجّه الناقد والشاعر خضر الآغا إلى الهيئات الشرعية سؤالا مفاده:"مرة جابت زوجتي تنورة قصيرة، ولما شفتها كانت حلوة كتير بس فعلا قصيرة، وانا باعتباري "متحرر" خجلت قلها قصيرة.. بعدين قلتلها: كتير حلوة هالتنورة بالبيت مو هيك حبيبي؟ ماحكمكم؟". كما وجّه الشاعر أديب حسن محمد سؤالا يقول: "ما المقدار الشرعي للتكحيت المسموح به في بناطيل الجينز، وكم سنتميترا يجب أن يبعد القماش عن الجلد؟؟ أفتونا".
رد فعل المجتمع المدني والأوساط الثقافية السورية على القرار، يؤكد حيوية المجتمع المدني بمواجهة من يحاول سرقة الانتفاضة من جهة، ويدل من جهة ثانية على حجم العوائق والمشاكل التي باتت تفرز ضمن تيار الانتفاضة، مما يجعل الكثيرون متخوفون من قدرة هؤلاء على استغلال الأوضاع الشاذة والخالية من القانون التي تمر بها المناطق التي ينسحب منها النظام، الأمر الذي يجعل سوريا تقف على مفترق طرق حساس جدا، ليس من المؤكد تماما أن تتمكن القوى الوطنية المدنية من الفوز بها بعد.