لم تتمكن "فرقة تمرد" الموسيقية التي تأسست في ظل الانتفاضة السورية أن تنتج أكثر من أربع أغان، إذ بعد شهرين توقفت بسبب العوز المادي الذي وقع فيه أعضائها المؤسسين الخمسة، لنكون أمام فرقة قد تشكل نموذجا عن شباب سوري قدّم كل إمكانياته لمقارعة الدكتاتورية: فنا وغناء وتظاهرا، وحين تقل قدرته في مجال ما يتجه إلى آخر دون أن يركن لليأس.
يقول أحد مؤسسي الفرقة بشار اسماعيل الذي يلقبه أصدقاؤه بـ " المايسترو ليزت" الكمبوزر لفرقة تمرد: "كان السبب الرئيسي لتوقفنا عن العمل هو السبب المادي ليس إلا, فمعظمنا فقد مصدر رزقه، وأصبحت الفرقة مصدر استنزاف لنا, صمدنا لأكثر من شهرين قبل أن نقرر تعليق العمل حتى تتحسن الظروف ".
تألفت الفقرة من خمسة أعضاء هم: المايسترو ليزت ومغنّي ومغنية وعازف إيقاع وعازف جيتار"، كانوا ينشطون في ظل حركة التنوير المدني التي تأسست في ظل الانتفاضة السورية، لتكون إطارا ينظم عمل هؤلاء الناشطين ونقاشاتهم.
في ظل هذا النقاش ولدت فكرة تأسيس فرقة تمرد، كما يقول " ليزت": " نحن في مجموعة " تمرد " بالأساس لدينا اهتمام بالموسيقى, العزف والغناء. فقد كنا نتدرب بفترات سابقة على كل ما سبق فأتت فكرة إنشاء الفرقة كتطور طبيعي لعملنا, اجتمعنا مع بعضنا البعض (أعضاء الفرقة و أعضاء حركة التنوير المدني)، واقترحنا إنشاء فرقتنا فتجاوب معنا جميع أعضاء الحركة وكانوا من الداعمين لنقل هذه الفكرة الى حيز الواقع والتنفيذ"، حيث " فكرنا بأننا بحاجة ماسة إلى عمل موسيقي يغني جانب الثورة الفني, فلم نتردد بأن نتقدم بالمحاولة وكانت صرختنا " تمردنا على الظلم سرنا غيرنا ختام المسرحية ".
وعمّا إذا كان للفن دور فعلي في إسقاط الدكتاتورية ومدى قدرة الفن على الفعل يقول ليزت: " الثورة تحتضن جميع أبنائها ومن ينتمي لها, والصراع المباشر مع السلطة في ميادين التظاهر سابقاً, وعلى خطوط الجبهات اليوم عمل جبار وناجح: نعم. ولكن لا يكفي وحده لإسقاط الديكتاتورية. ومن هنا تأتي أهمية الفن بشكل عام والعمل الموسيقي بشكل خاص, فتعطي للثورة رونقاً خاصاً بها وتفتح أمامها آفاق التواصل مع كل العالم, فالموسيقى لا تعرف حدود اللغة أو أي حدود آخرى هي عابرة لجميع الناس".
ونزولا عند هذا الدور الفني في الانتفاضة أنتج الفريق أربع أغاني، إذ "البداية كانت رائعة بغض النظر عن احترافية الأداء, لكن كانت تجمعنا حينها روح واحدة وحماس لا ينتهي، وكنا نشعر بأننا في طريقنا نحو التقدم, فلو عدت لبدايتنا مع أغنية " سالم ثورتنا " ستجد اختلافاً كبيراً بينها وبين أغنية "ههنا " من حيث الأداء الغنائي والتلحين الموسيقي وحتى المستوى الشعري فهي قصيدة للشاعر محمود درويش".
وفي ظل هذا الحماس انخرطت الفرقة في العمل الميداني عبر نقل الأغاني إلى مركز التظاهرات والمشاركة غناء في الحملات التي تقررها التنسيقيات، عبر إحياء "حفلات ثورية غنائية متميزة"، إذ كانت أول حفلة أحيتها الحملة "في مدينة مارع ضمن احتفالية " شوارعنا ملونة"، فذهبنا الى هناك، وغنينا ضمن المركز الثقافي للمدينة, جميع أغنياتنا، وأغاني آخرى للشيخ إمام وسميح شقير".
هذه التجربة حفرت عميقا في روح أعضاء الفريق، إذ "كانت تجربة غنية وجميلة لن أنساها, ففي تلك اللحظات فقط ومع ابتسامة كل طفل شعرت بأنّ جهدي وجهد أعضاء الفرقة جميعاً لم يذهب هدراً بل كان مثمراً ذو نتيجة ".
ورغم إيمان الشباب بصنع المعجزات "عندما يكون حولي أصدقائي، أصدقاء الثورة والنضال"، فإن العمل توّقف تحت ضغط الأمور المادية، حيث ينتظر فريق العمل "تأمين أنفسنا مادياً" حتى "نعود ونلتحم من جديد, هذا الأمر هو قناعة راسخة عند جميع أعضاء الفرقة" التي تؤمن أن "الثورة صوت حناجر تهتف للحرية, وبارودة مقاتل, وقلم شاعر, ولحن عود يغني للحب والسلام . كلنا معاً ثورة وكل ماعدا ذلك لا يعنيني".
"فرقة تمرد الموسيقية" مثال حي على شباب سوري آمن بالمستحيل وحاول تسلّقه إلا أن ظروف الواقع وتعقيدات الانتفاضة السورية هزمته حينا دون أن تهزم الروح التي لم تزل توّاقة تبحث عن التغيير.
للاستماع إلى أغاني الفرقة يمكن الضغط هنا.