خلال متابعتنا في سيريا أنتولدsyriauntold لقصة زيد محمد الذي سجنته الهيئة الشرعية في حلب لأنه علماني، اكتشفنا أن حكايته فاتحة لحكايات أخرى تحصل في الظلام: ظلم من نوع آخر، وقسوة شبيهة بقسوة النظام، وسجون لا أحد يعرف من أين استمدت شرعيتها ولدت للتو!
والأكثر إدهاشا أن ثمة معتقلين لا يعرف بهم أحد، و كأننا أمام مسوّدة رديئة من سجون النظام، والأسوأ أن الأمر يحصل باسم الانتفاضة!
حكايا وعذابات حمّلها أصحابها لزيد الذي اعتقل بينهم لأيام، وربما لولا الحملة الإعلامية التي رافقت اعتقاله، و التي شارك موقعنا بها، لكان بقي بينهم مجرد رقم، فخرج ليكون لسان حالهم والناطق باسم عذابهم، لأن " السجناء أمنوني إنو أحكي عن اللي عم يصير معهن بس إطلع، حطوا هالشي أمانة برئبتي"، لنتلقف الأمانة من زيد ونقرر في سيريا أنتولد syriauntold سردها وإخراجها للعلن، كي لا تضيع أحلام السوريين هباء، وكي لا تنتهي الانتفاضة السورية إلى نظام شبيه بنظام الأمس.
يحكي لنا زيد عن القصص التي عايشها وسمع بها داخل المهجع من سجناء قاسمهم ظلمة معتقل الهيئة في حلب، إذ ثمّة معتقلون لا يعرف أحد في العالم الخارجي أنهم موجودون في سجون الهيئة!
وفي ظل هذه الظروف التي تعيشها سوريا، يعتقد أهلوهم أنهم مسجونون لدى النظام أو أنهم لقوا حتفهم أو يسجلون بحكم المفقودين! إلّا إن خرج أحد من المعتقل وأخبر ذووهم الذين غالبا ما يفاجؤون بأن ابنهم في سجن الهيئة!
التعذيب موجود أيضا، بدءا من "الإهانة اللفظية، للضرب، للدولاب، للجلد، للشبح، لاستخدام الكهرباء، لغرز أداة حادة محمّاة بجسد المعتقل. و من شدة التعذيب يطالب المعتقلون بالموت أحيانا. هي الشغلات سمعتها من المعتقلين و شفت آثارها على أجسادن"، كما يقول زيد.
المعتقل لم يستثن أيضا الفتيات اللواتي يتم جلدهن " سألت شو سبب الجلد ما حدا كان بيعرف، واحد من الموجودين قال لي عم "يطهروهن"، ممكن يكون هاد المصطلح من باب سخرية هالشخص من "الهيئة"، و ممكن يكون سمع هاد الشي. و حكولي إنو قبل بكم يوم من جيتي جلدوا إحدى الإناث فصار استعصاء بالسجن منشان يوقفوا ضربها و تمت الاستجابة".
للأطفال أيضا نصيب من المعتقل، إذ يقول زيد أن طفلا عمره عشر سنوات معتقل مع والده منذ شهر ونصف، وكل واحد في مهجع، "من كم يوم صار في استعصاء بالمهجع، بعد ما بدأ الوالد يبكي، و ما عاد يتحمل بدو يشوف ابنو. هون اضطروا يحضرولو ابنو تحت ضغط الاستعصاء"، إضافة إلى" إنو السجناء حكولي إنو بعض الأمهات معن ولادن بالسجن".
وحسب الشهادات التي سمعها زيد في المعتقل، أن مهجع رقم 11 يطلق عليه مهجع السنافر" لأنه يحتوي كله على أطفال. في طفل ضلت إصبعتو مكسورة لمدة 20 يوم" دون أن يهتم به أحد.
السجناء تحت رحمة سجانين لا رحمة لهم، حيث أن بعضهم تحت سن الـثامنة عشر يقومون بتعذيب رجال بعمر آبائهم إلى درجة أن أحد المعتقلين " طلب الموت على أن يقوم ولد بعمر ابنه بضربه و إهانته". معاملة السجانين تحسنت مؤخرا كما قال المعتقلين لزيد بعد تبديل العاملين فيه.
من يمرض في المعتقل، لا يوجد من يقوم بمعالجته بسبب نقص الكادر الطبي، إذ "خلال تواجدي بالسجن كان في أحد الأشخاص معو إنتان رئوي، ضل لمدة ساعة كاملة بلا أي مساعدة طبية، قال عم يستنوا فان ( سيارة) تيجي تشيلو"، إضافة إلى أن الزيارات لا تتجاوز الخمس دقائق كما يقول زيد، مما يجعل إمكانية تواصل المعتقلين مع الخارج ومعرفة ما يحصل خارجا محدودة جدا.
والفساد وصل معتقل الهيئة حتى قبل أن يسقط النظام الذي ثاروا ضد فساده، إذ ثمّة سجان يجلب مواد غذائية للمساجين ويبيعهم إياها بشكل رسمي وبسعر أعلى بكثير من الخارج ( كما يحصل في سجن عدرا النظامي في ريف ديشق. يا للمفارقة!)، حيث تباع علبة الكولا التي سعرها 250 ليرة سورية بـ 350 ل س.
وكما يحوّل المعتقلون في سجون النظام من فرع لفرع، ثمة معتقلون محوّلون من سجون الكتائب إلى سجن الهيئة، حيث يتم انتزاع الاعترافات وبطريقة وحشية تقارب ما يحدث في سجون النظام، حيث يصوّر التعذيب على شريط فيديو."أحد الأشخاص تم تعذيبو بكافة أنواع التعذيب في سجن أحمد شما لمدة تقارب الشهر، و ما اعترف بالتهمة الموجهة إلو، لبين ما إجا أحمد شما بيوم من الأيام و ضل يعذبو. بعدين جاب كيس و طالع منو حيّة، و خلا الحية تمشي على جسد هالشخص و ألو "نحنا ما منخاف من هدول، هدول صحابنا، أما إنتو بتخافوا منن"، و هيك ألو الشب خلص بعترف. أحمد شما نادى لشخص عمرو حوالي 35 سنة في بشعرو بياض، و هاد الشخص سجل المقابلة. سألت عن موضوع الحيات عند أحمد شما بعد ما خرجت من المعتقل، و في أحد الشباب الثقات أكدلي هالشي. يذكر إنو الشخص اللي كان معتقل عند أحمد شما قد أفاد بوجود كابلين عندو، يقول عنهم أحمد شما: "واحد ماخد شهادة جراحة و الآخر لسا عم يدرس حقوق"، المقصود بهالشي إنو الكابل الأول أول ما بيضرب فيو بخلي الدم يطلع من مكان الضرب، أما الكبل التاني فلاء. هاد الشخص تم تسليمو لـ"الهيئة" و على جسدو آثار التعذيب، لكن "الهيئة" صرلها معتقليتو حوالي الشهرين بسبب تسجيل الفيديو اللي بيعترف فيو بتكوين خلايا نائمة تابعة للنظام"، دون أن يعرف إن كان اعترافه هذا حقيقة أم أنه قال ذلك لينجو من التعذيب!
ولكي لا يتم تسليط الضوء على سلبيات معتقل الهيئة فقط، فإن زيد يسرد ما يسميه الإيجابيات التي يختزلها بأن السجناء قادرين على غسل ثيابهم ونشرها داخل المهجع، إضافة إلى الاستحمام في المهجع الذي تتوافر فيه شروط نظافة معقولة، وأحيانا يحصل فتح للمهاجع لكي يتبدل الهواء، مع وجود طعام مقبول تحسن أثناء وجود زيد.
ورغم هذه الإيجابيات إلا أن السؤال الأبرز الذي يبقى مطروحا: من أين تستمد هذه السجون شرعيتها؟ ومن يقر التعذيب وسجن الأطفال و جلد النساء؟ ألم يثر السوريون ضد هذه الممارسات، أم ماذا؟