حكايات كثيرة وأوجاع كثيرة قيلت، ولا تزال تقال عما يحصل عند معبر كراج الحجز في حلب، كونه المنفذ الوحيد بين شطري المدينة الذي يتقاسم السيطرة عليها النظام والمعارضة، إذ يسعى كل منهما لحصار الآخر داخل حدوده وقطع الماء والطعام عنه لتحقيق مكاسب سياسية، حيث بدأ الأمر حين قررت المعارضة منع دخول المواد الغذائية إلى القسم الذي يسيطر عليه النظام، مما أدى لتضرّر حوالي ثلاثة ملايين مواطن يقطنون هناك، لتبدأ حملة تطالب بفتح المعبر الذي بات مخزن حكايات وحكايات مضادة يصعب حصرها، إلا أنّ ثمّة صورة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي لفتاة تصرخ، متوسلة السماء وعيناها دامعتان قد تختزل الكثير، الأمر الذي دفعنا في سيريا أنتولد syriauntold.com للبحث عن حكاية هذه الفتاة ومعرفة ما حصل معها،
إذ قادتنا عملية البحث للوصول إلى المصوّر الذي التقط الصورة وكان حاضرا، ليسرد لنا ما حصل مع الفتاة ودفعها للبكاء: "بعض الثوار كانوا يسخرون من المارة ويقولون لهم " شبيحة طلاع لبرا شبيحة"، وهنا كانت المرأة لديها بعض من المواد الغذائية التي تم حجزها، وأصبحت تقول لهم "حرام عليكم حرام عليكم"، ليرد عليها أحدهم "طلعي لعند الأسد يا شبيحة"، الأمر الذي استفزها وأزعجها لترد عليهم "الله أكبر عليكم إذا كل شخص بدكم تقولوا عليه شبيحه حرام حرام"، الأمر الذي دفعني لالتقاط الصورة ليرى العالم والمعنيين ماذا يحصل على المعبر".
ويتألم المصوّر لأنه لم يحسن أن يساعد الفتاة التي بدأت تبكي أمامه بعد أن أساء إليها بعض العناصر المسلحين بالسخرية رافضين إعادة المواد الغذائية، الأمر الذي دفعنا للبحث عما يحصل على الحاجز، إذ يقول: " في ذلك الوقت منع العناصر المواطنين من إدخال أي مواد غذائية حتى البندورة، بسبب غلاء المواد في المناطق المحررة، حيث يرسل النظام أدواته لشراء المواد بأسعار رخيصة، وهو ما تسبب بمشاكل معينة"، إلا أن المعبر الآن فتح ويجري العمل الآن على تقنين دخول المواد إلى المناطق التي يقطن بها النظام، بحيث لا يتضرر المواطنون.
وعن السبب الذي دفعه لالتقاط هذه الصورة دون غيرها رغم وجود الكثير من الحالات، يقول المصوّر الذي لم يرد أن يذكر اسمه: "كان هناك أكثر من حالة. لكن ما فيي أصوّر لأني بالزور عم أقدر أصوّر".
وعن سبب تواجده على المعبر وتصويره ما يحدث عليه، قال: " أريد أن ترى الجهات المختصة مثل العقيد عبد الجبار عكيدي أو عبد القادر الصالح ( هم ضباط في المعارضة المسلحة) ما يجري على المعبر لأننا نرفض هذا الذي يحصل".
وكان المصوّر قد خرج بدافع توثيق الانتهاكات التي تقوم بها فصائل مسلحة على المعبر، إذ يقول: " أنا خرجت لكي أصوّر. أنا أعرف أنّ هناك عناصر مسيئة للجيش الحر، ولكن كنت أقول لا لا يوجد شيء من هذا، إلى أن خرجت ورأيت بعيني فقررت أن أخرج كل يومين لكي أصور وأفضح المسيئين".
وعن رؤيته لموضوع المعبر، يقول المصوّر:" أنا أرى أنه يتوجب على المجلس المدني في بستان القصر أن يستلم المعبر، لأن ما يجري عليه من انتهاكات حرام، والمعبر يجب أن يبقى مفتوحا، ليس لأجل حاجة المدنيين فقط، بل لأنه لا يجوز أن نتعامل كما النظام. نحنا طلعنا ضد الظلم. ونحنا كثوار حقيقيين لازم نشتغل كيد واحدة، لأجل المواطن الشريف السوري لا ينذل ولا تنهنان كرامتو".
الصورة التي التقطها المصوّر سرعان ما تمّ تناقلها على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي استغله بعض الناشطين، لإطلاق حملة تطالب بمحاسبة القائمين على المعبر، إذ كتبت الناشطة مارسيل شحوار: " في الصورة إحدى المواطنات وهي تتعرض للتشبيح على حاجز يفترض أنه من حواجز الثورة، على معبر بستان القصر. نحن كثائرات وثوار نطالب بمحاسبة القائمين على المعبر لسوء معاملتهم للناس. ما هذه أخلاق ثورتنا، ولا لأجل هذا ثرنا. اصرخي أختاه اصرخي لأجل الشعب الذي لن يرضى الذل. اصرخي أختاه اصرخي: ذكرّي الثائرين بثورتهم الأولى. اصرخي أختاه اصرخي: كوني صرخة " لا " في وجه الظالم كائنا من كان: لن نرضى أن يهُان الناس باسم الثورة الكرامة"، مرفقة بعبارة حملة للدعم والمشاركة.
قصة الفتاة والحملة التي أطلقها الناشطون تضامنا معها ورضوخ القائمين على المعبر لرأي الناس، كلها أمور تأتي لتؤكد أن السوريين لن يوقفوا نضالهم ضد أي مستبد جاء، حتى لو لبس لبوس الانتفاضة، فهم لم يثوروا ضد النظام ليذلّوا على يد آخر.
هذا ما نقرأه في عيني الفتاة المظلومة مرتين، وفي رد فعل المجتمع المدني على قصتها ومعبر حلب: لا في وجه الظالم كائنا من كان.