لا مقدّس بعد اليوم: من دروس معبر كراج الحجز


24 تموز 2013

 

 

المشاهدُ المذلَّة للمواطنين ليست حِكراً على حواجز النظام السوري المعروف بإذلاله للناس، بل أصبح الإذلالُ بحكم الاعتياد على حاجز "كراج الحجز" في مدينة حلب، إذْ لا يندرُ أن ترى سائق تكسي يقولُ: "كأنَّنا في الطرف الثاني من إسرائيل"، أو أن يتكرَّر مشهدُ عنصرٍ من عناصر الجيش الحر، وهو يقوم بتفريغِ كيس الخضارِ أمام العائلة قائلاً" بكبهن وما بعطيكن ياهن"، أو أن يرجو رجلٌ عنصراً في الحاجز لإدخال كيس الخضار قائلاً:" دخّلي ياه على حب النّبي"، فيجيبُ عنصرُ الجيش الحر بقسوة:"روح طعمي حمص على حبّ النبي"، أو أن يشير رئيس الحاجز ببندقيَّته بكلِّ غرورٍ قائلاً للناس" يلّي معو كيس خضرة لا يعذّب حالو، ما رح ندخلو".

فمنذُ تاريخ 5-7-2013 تشهدُ مدينةُ حلب حصاراً خانقاً، تمنعُ من خلاله كافَّة أنواع الاحتياجات من دخول المدينة، وقد تحوَّل الجيش الحر في أذهان الناس مؤخَّراً، من "حامٍ للمظاهرات" إلى مسؤولٍ عن الحصار، وتورَّطت بعض الكتائبُ المسلّحة، في عملية تجويع رهيبة تؤذي المدنيين القاطنين في مجال سيطرة النظام أكثر مما تؤذي الأخير، خصوصاً في ظل هذا الانهيار الاقتصادي، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، علماً أننا في شهر رمضان المبارك.

هذا الأمر دفعنا "سيريانتولد syriauntold.com" للبحث عن الحكاية من أفواه الناس العاديين الذين وقع عليهم ضررها، ومن الناشطين الذي كان لهم دور بارز في مقاومة الكتائب المسلحة على الأرض، والذين تظاهروا وحوّلوا قضية المعبر إلى قضية رأي عام، إذ علمنا أنَّ مدينة حلب حاليا قُسِّمَت إلى أحياءٍ شرقيَّة وأخرى غربيَّة، يربطُ بينها معبران اثنان، معبر "كراج الحجز" وهو خاص للمشاة، ومعبر "الراشدين" وهو خاص للشاحنات والسيّارات، ومنهُ فإن العديد من الناشطين قد أكّدوا لنا، بأنَّ السبب الفعلي لهذا الحصار المطبَّق على أحياء حلب الغربية، الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، هو إغلاق طريق دمشق-حلب، الذي يعتبر الشريان الأساسي في إمداد المدينة بكافَّة أنواع المواد الغذائيَّة، والذي يعتبر النظام المسؤول الأول والأخير عنه، إذ ناشد الكثيرُ من الناشطين عبر موقعنا منظمة الهلال الأحمر، بإدخال المعونات الغذائية إلى حلب عبر هذا الطريق.

لافتة مرفوعة بجانب معبر كراج الحجز , المصدر : الصفحة الرسمية لتنسيقية أحرار بستان القصر والكلاسة على الفيسبوك
لافتة مرفوعة بجانب معبر كراج الحجز , المصدر : الصفحة الرسمية لتنسيقية أحرار بستان القصر والكلاسة على الفيسبوك

                                                                                                                                                                                                                     

الأزمة بدأت حين قرر القائمون على معبر كراج الحجز بعدم مرور" المواد الغذائية من المناطق المحررة إلى مناطق النظام، متذرِّعين بحججٍ واهية، أهمُّها على حسب تعبيرهم أنَّهم يريدون المحافظة على مستوى الأسعار رخيصة نسبة لمناطق النظام, وكما أنهم لا يخجلون من أنفسهم عندما يصرخون بصوت عالي، بأن من يقطن مناطق النظام هو عميل وتابع له، ولا يستحقُّ منَّا أي شفقة، أما معبر الراشدين فهو مغلقٌ بسبب الاشتباكات العنيفة، مما يمنعُ مرور أيَّة آلية مدنية، إذاً فقد انقسمت المدينة فعلياً إلى منطقتين منفصلتين".

ولسوء الوضع فقد قام بعض من النشطاء بتنظيم مظاهرة احتجاجيَّة تحت راية "مبادرة تنظيم كراج الحجز"، تطالبُ بالسماح للمواد الغذائية بالعبور إلى أحياء حلب الغربية، وذلك لمساعدة الأهالي على الاستمرار في الحياة، وقد كانت هتافات المظاهرة هي" ويالله ما منركع إلا لالله"  أو "واحد واحد واحد الشعب الحلبي واحد". في البداية اصطدم الأهالي مع كتائب الجيش الحر عند معبر كراج الحجز، حيث نادى أحد عناصر الجيش الحر في الجموع قائلاً "بدكن حريَّة يا عرصات"، وتم تفريق التظاهرة بالقوة وبإطلاق بعض العيارات النارية في الهواء، واعتقلوا بعض ممن كانوا يصوّرون المظاهرة, ولكن سرعان ما استجابت قيادات الجيش الحر لمطالب الناس وفتحت المعبر.

صورة لأحد العناصر عند المعبر وهو يرفعُ السلاح في وجه المدنيين المصدر : الصفحة الرسمية لتنسيقية أحرار بستان القصر والكلاسة على الفيسبوك
صورة لأحد العناصر عند المعبر وهو يرفعُ السلاح في وجه المدنيين المصدر : الصفحة الرسمية لتنسيقية أحرار بستان القصر والكلاسة على الفيسبوك

                                                                                                                                                                                                    

ويذكر لنا أحد النشطاء قائلاً " لقد كانت معاملتهم سيئة وكأنَّ فتح المعبر قد حدث بالرغم عنهم، حيث كان تعاملهم مع الناس بمنتهى السوء، ولكن على الأقل حقَّقنا غايتنا, ولم تكتمل فرحة الناس بمقدرتها على نقل بعض من الخضروات والمواد الغذائية من المناطق المحررة إلى بداية معبر كراج الحجز، حتى انهالت قناصة النظام لتسقِط عشرين شهيداً في يوم واحد, وهذا أمرٌ لم يكن يحدث على الإطلاق سابقاً".

في حين أن المؤيّدين للنظام السوري قد كذّبوا القصَّة وقالوا أنها تلفيق من الجيش الحر، و"تآمرٌ على الجيش الباسل"، و قسم كبيرٌ منهم طلب من الجيش السوري أن يقوم بقتل الناس مُباشرة.

إلا أن أهم ما كشفته حكاية كراج الحجز، مدى التناقضات التي تحصل داخل الانتفاضة، مما يحتم على النشطاء بذل جهود أكبر لفهمها واحتوائها من جهة، ومدى مقاومة المجتمع المدني لأي استبداد يحاول إهانة الناس، إذ أظهر الحدث قوة المجتمع المدني والنشطاء السلميين وقدرتهم على تنظيم أنفسهم رغم كل الظروف الصعبة، إذ تمكنوا من تحويل القضية إلى قضية رأي عام تلقفتها القنوات الإعلامية، سواء عبر التظاهرات أمام المعبر أو النشاط الإعلامي عبر الشبكة العنكبوتية لحشد الناس، أو تصوير ما يحصل على المعبر من إهانات وإذلال للناس وهو ما وجد طريقه إلى وسائل الإعلام، كما في صورة المرأة التي تم تداولها على الشبكة، والتي روينا روايتها في حكاية خاصة لقت تعاطفا كبيرا، مما ساهم بإجبار المسؤولين على تغيير القرارات التي اتخذوها، و السعي لمعاقبة المسؤولين كما وعدوا! عدا عن الرسوم والفيديوهات واللافتات التي رفعت وتحوّل قسم منها إلى عناوين لمقاومة حاملي السلاح، إضافة إلى بث حلقات خاصة عن المعبر كما في برنامج " ثورة 3 نجوم" الذي كان لنا وقفة خاصة معه أيضا.

"تسقط شبيحة الجيش الحر.. ثورتنا ثورة كرامة"، هذا ما رفعته إحدى اللافتات لتؤكد أن "لامقدس" بعد اليوم حتى لو كان باسم حمايتهم، إلا أنه بنفس الوقت يدرك الناشطون جيدا أن خصمهم الأول والأخير هو النظام، و ما رفعهم الصوت عاليا هنا إلا لإدراكهم أن هذه المعارك الجانبية تحرفهم عن معركتهم الأهم.

بعد كتابة هذه القصة، أغلق المعبر مرّة أخرى بتاريخ 24/7/2013، إذ أعلن "لواء أحرار سوريا" عن معركة لإسقاط جميع القناصة المتواجدين في محيط المعبر، الأمر الذي سيكون له تفاعلات كثيرة  سنتابعها لاحقا.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد