في 28/7/2013 انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو مسرّب لضابط من الجيش العربي السوري يتقدم باتجاه المعارضين المسلحين بعد رمي سلاحه ليقول لهم عبارة "أنا من سوريا من بلدنا" ليتلقفها السوريون: موالون ومعارضون، وكأنّ "شدود" نطق باسمهم، تطلعا للحظة تنهي الحرب الدائرة في سوريا، والتي باتت برأي البعض نزاعا مسلحا، في حين لا يزال البعض الآخر يرى أنها ثورة مسلحة لإسقاط النظام.
رغم أن مصطفى شدود قتل في ظروف غامضة لم تعرف تفاصيلها بدقة حتى اللحظة، فإن عبارته تلك ترسخت وتخلّدت في أذهان السوريين، وباتت محرّكا للعديد من المبادرات والسجالات والفعاليات التي انطلقت على مواقع التواصل، جاعلة منها دليل عمل للوصول إلى سوريا " اللي بتساعنا كلنا"، مستندين إلى القول أنه إذا كان هؤلاء المتخاصمين بالسلاح قد التقوا وسط الحرب، فماذا عن السوريين خارج دائرة الحرب؟ ولم لا يدفعون باتجاه إيقافها؟
هذا ما دفع مجموعة من الشباب السوري الذي يرفضون إطلاق اسم تنسيقية عليهم لأنها "تجمع ثوري"، مقدمين أنفسهم بأنهم" تجمع شبابي بخطاب سوري جامع. ننسق مع من ينظر الى سوريا على أنها وطن للجميع"، لإطلاق فعالية حملت العبارة التي أطلقها الضابط (أنا من سوريا من بلدنا) في نفس يوم انتشار الفيديو، الأمر الذي دفعنا في سيريانتولد syriauntold لمتابعة الحكاية والوقوف عند تفاصيلها التي تسعى لأخذ سوريا من حال الاستقطاب الحاد الذي قسّم السوريين بين موالين ومعارضين وصامتين إلى أن يكونوا مجرد سوريين! قائلة لمن يتصفح صفحتهم على الفيسبوك: " إذا أوّل شي خطرلك أول ما دخلت إنو تسأل هالصفحة موالية ولا معارضة .. بحب جاوبك بكل صراحة و قلك , يلي ساووها نسيو للحظة شو هنن سياسياً , و تذكروا إنو بالضفة التانية في وطن متل ما بالضفة تبعهن في وطن ..هنن ناس شافو بالعقيد شدود من الجيش النظامي, و بالعقيد أبو فرات من الجيش الحر, مثال لضباط بجيش يمكن يوم من الأيام يتكوّن و يكون جيش للوطن بكل ما تحمله الكلمة من معاني. بدنا ندور عليهن, للناس يلي متل أبو فرات و العقيد شدّود. مو حباً بالعسكر, و لكن مافي وطن بلا جيش وطني، يحمي الحدود و يحمي الشعب من الصراعات السياسية".
ولعل إصرار الحملة على الجمع بين العقيد "مصطفى شدود" الذي بقي في صفوف الجيش النظامي و "أبو فرات" الذي انشق عن الجيش النظامي و قتل في ظروف غامضة أيضا بعد أن أشهر حزنه على ما يحصل للسوريين، يدل على المعنى الوطني الذي تختزنه هذه الحملة، لتجاوزها الطائفية و الانقسام الحاد بين الجيش النظامي والمعارضة المسلحة، سعيا لتوحيد شطري سوريا حول مفاهيم وطنية محددة وغير مختلف عليها، داعية من يدخل صفحتهم إلى "شلاح حقدك من قلبك و دخول. سوريا للسوريين , وطن المحبة و العدالة و الكرامة للجميع".
الحملة بدأت بشكل فردي كما يقول لموقعنا أحد المؤسسين لها، "ثم تعمم الأثر ليشمل مجموعة عمل ما زالت ترتب بيتها الداخلي بعد العاصفة الأخلاقية التي ضربت دواخل جميع السوريين نتيجة مشاهدتهم موقف الشهيد الوطني بامتياز".
ورغم أن الحملة لا تزال في إطار الواقع الافتراضي، إلا أنها تمكنت من استقطاب عدد كبير من المتابعين والمتفاعلين حيث وصل عدد المعجبين بالصفحة بعد ستة أيام من تأسيسها إلى سبعة آلاف، داعية السوريين إلى كتابة عبارة مصطفى شدود على كرتونة مع كتابة الاسم والمكان تحتها على أن تصوّر وترسل للصفحة في حملة تستمر لمدة أسبوعين على أن تنتهي بـ "فيديو وثائقي عن قصة الشهيد مع الرسائل يلي بعتوها و رسالة من تجمعنا لكل أبناء سوريا, دون استثناء".
ولم يكد النشطاء ينتهون من إعلانهم هذا حتى بدأت المشاركات تتقاطر عليهم من السوريين في الداخل والخارج، إضافة إلى قصائد كتبها بعض الشعراء خصيصا للحملة، إذ يقول أحمد فستك كما يسمي نفسه: "دع عنك أوهام الكذب/خدعوكما/ ما في الوغى إلّاكما/ فلتستجبْ/ "شدّود" أطلَقَ صرخةً ثم ارتحَلْ / واليوم جاء بها الصدى/ ليفيقَ جنديانِ مختصِمانِ منْ وهمِ الوغى/ أنت الرَّجلْ .. وَهوَ الرَّجُلْ ../ اصرعْ سلاحَكَ واستجِبْ .. ولْيَسْتَجِبْ" في دعوة واضحة لإلقاء السلاح من الطرفين والاتجاه نحو حل سلمي يجمع السوريين، إضافة إلى مشاركة حملة " NO. . لأ " ببروشور مكتوب عليه "لا تنسوا وطنكون/ أنا من سوريا ... أنا من بلدنا ../ الطايفة مالها شوارع ولا حارات..".
تتمثل عوائق الحملة بصعوبة "الانتقال من العمل الافتراضي الإلكتروني الى العمل على أرض الواقع و خطورة ذلك على حياة المجموعة و غيرها الكثير من مجموعات العمل المدني التي حاولت تجاوز الفيسبوك و اصطدمت ببطش لم يسبقه تاريخ العمل المدني في العالم ربما"، الأمر الذي أدى لأن يعيش الناشطون هؤلاء أسوأ لحظات الانتفاضة المتمثلة بـ "فقدان الناشطين السلميين المعتدلين و المتحررين من سجن إلى خطف إلى قتل في ظروف غامضة"، مقابل لحظات أمل تجلت بالنسبة لهم في "سماعنا لكلمات العقيد أبو فرات, و سماعنا لحروف العقيد شدود".
"أنا من سوريا.. من بلدنا" حكاية تعكس توّق السوريين للعيش بسلام بعيدا عن العنف الدائر حولهم: وحكاية ناشطين يصرّون على "العمل المدني السلمي الغير مسلّح، و الوطني الغير مسيّر أو مسيّس أو مموّل, نعمل لأجل الوطن. و لا ثمن لذلك العمل و لكننا نعلم في دواخلنا, أنّ وجود جيش وطني التوجه غير متأثر بالصراعات السياسية، هو بداية انتقال سوريا الى الطريق الصحيح بعيداً عن التطرف و الصراعات الطائفية و السياسية".
حكاية سوريا "اللي بتساعنا كلنا".