لم يكن "سومر شعبان" ابن شارع بغداد الدمشقي يتوقع يوما أن يعود إلى شغف طفولته حين كان حبّه للموسيقا يطغى على ما عداه، إذ قذفته مصاعب الحياة بعيدا قبل أن تعيده الانتفاضة السورية إلى فضاء الموسيقى الرحب، إذ فجرت المشاهد المفجعة التي بات يراها عن أطفال بلده مخزون الطفولة وبدأ يفيض ألحانا وأغاني، مقدّما للسوريين ما يحاكي وجعهم ويعبّر عن آلامهم من جهة، وما ينقل آلامهم من الفضاء الخاص إلى العام لتتحول إلى أغنية/ حكاية تحكي شجاعة السوريين وآلامهم وشغفهم للحرية ومقاومتهم لطاغية دمشق.
ولد سومر في عام 1969 في دمشق وترعرع في بساتين دمر وحاراتها الضيقة، ثم غادر إلى هولندا ليدرس الاقتصاد ويعمل كاستشاري لمجلس مدينة ألميرا.
بدأت عودة سومر للكتابة والغناء حين كان في مصر بعد سقوط حسني مبارك، حيث شاهد على التلفاز الدبابات السورية تجتاح مدينة درعا السورية، فتحركت في داخله شهوة الكتابة للتعبير عن آلام بلده، لتولد أغنية remember التي تتحدث عن الشهداء الذين لم يسمح لأهلهم بدفنهم.
إلا أن أغنية سومر الأولى لم تنشر إلا في صيف 2011 بسبب عمله لوحده على إنجاز العمل من ألفه إلى يائه بدءا من تسجيل الصوت و هندستة و إنتاجه، حيث كانت خبرته ضعيفة في هذا المجال ( هندسة الصوت)، فبدأ يجرّب لوحده متسلحا بالتصميم وبقوة الدفع الذي تمنحه إياه الانتفاضة ومشاهد المظاهرات السورية و التحدي الذي يسطره السوريون بوجه النظام.
وعن تجربته تلك، وكيف تخطّى عوائقه الأولى في التوزيع الموسيقي وهندسة الصوت يقول سومر لسيريا أنتولد Syria untold : " كنت أجلس ساعات بالاستديو وأجرب أمورا كثيرة إلى أن أتوصل للصورة الموسيقية المرسومة في ذهني، وهذا أخذ وقتا كثيرا في التجريب، حيث كان دليلي الوحيد هو سماعي لأن الكتابه والتلحين شيء حِسّي أكثر منه مهني وتِقَني".
يدرك سومر حتى اللحظة أنّ أغانية تحتاج اهتماما أكثر بمجال هندسة الصوت، فلو "معي مهندس صوت كان حسّن بالصوره السمعية النهائيه لأعمالي، ولكن هندسة الصوت عندي هي فعلياً وسيله وليست هدف، وسيلة كي أوصل فكرتي".
لازال حتى اللحظة يعمل سومر لوحده، حيث التجريب الدائم رفيقه الوحيد، إذ يعمل حاليا على " قطعه جديدة اسمها جايين، جاهزة منذ خمس أسابيع، وأنتظر حاليا شاب من سوريا كي ينجز الكليب الخاص بها لأنشرها على اليوتيوب".
يعتبر سومر أن معيار نجاح العمل الفني هو مدى قدرته على "التواصل مع الناس، لأن الآراء قد تختلف حسب الذوق وهو موضوع شخصي، لكن ضمن دائرة الذوق قد لا ينجح العمل إذا لم يحقق التواصل".
رغم أن مواضيع الأعمال التي يقدمها "سومر" متنوعة بين التعبير عن الانتفاضة، ودوره كأب، وعن لوعات القلب وانكساره وغيرها، إلا أنّ أغانيه عن الانتفاضة ظلت هي طريقه الأبرز إلى قلوب الناس، خاصة أغنيته " كيماوي" التي لقيت صدى جيدا، وجاء فيها " حاجي تبيعني حكي فاضي/ وتقول قديش زعلان عابلادي.. ما في شي يداوي. الموت هون عنواني"، محاولا تحويل الكيماوي من سلاح قتل إلى فكرة تواصل مع السوريين.
https://www.youtube.com/watch?v=ZVJh-RLEUio
ومن الأغاني التي قدّمها ابن شارع بغداد أغنية "ياما" التي تتحدث عن مشاعر المغتربين في الخارج، وأغنية " الحنونة" التي تتحدث عن أم الشهيد و "يا أخي" التي تحدثت عن الطفل السوري الذي تعرف مبكرا على الموت، ويا "وطن" التي تتحدث عن المعتقلين، و "راحوا" التي كتبها بعد أن رأى صور " علي السيد" على التلفزيون وهو يشرح ما حلّ بأهله في الحولة، حيث يعتبرها من الأغاني التي لها وقع خاص عنده، لأنها "ذات أبعاد متعددة".
سومر شعبان مواطن سوري انتظر حرية بلاده سنينا طويلة، إلى أن أطلق شبان سوريا وشاباتها صرخة الحرية في آذار 2011 فانضم مباشرة إليهم ودون تردد، من منفاه ليعبّر عن صوت الشعب المقموع بعد أن رأى ما رأى من عنف نظام مستبد لم يرحم الشجر والبشر والحجر، فكانت صرخاته/ أغانيه صرخة قهر ضد الظلم، وحكاية شعب ينتفض، وقصة مقاومة إبداعية تشهد أن ثمّة شعب أعزل يقاوم عالما بلا قلب.