نتيجةً للأوضاع الكارثية إنسانياً التي يعاني منها السوريون في الوقت الراهن، كنتيجة للصراع المحتدم على السلطة ما بين قوات المعارضة وقوات النظام الحاكم، تنامت في الآونة الأخيرة العديد من الظواهر السلبيَّة في المجتمع السوري والتي تحتاج الى حل سريع وفعال لمنع تفاقمها واتّساع نطاقها اللاأخلاقي والجغرافي في آن معاً، فالمشاكل التي بات يعاني منها المجتمع السوري هي مشاكل إنسانية بشكل أساسي، كقضايا النزوح والنزوح الداخلي والصحة والانقطاع عن التعليم، كما أن هناك مشاكل انبثقت عن هذه الأخيرة، إلا أنها قد تؤدي الى صراع بين المجموعات السكّانية المتجاورة كقضايا احتلال البيوت والاراضي بسبب نزوح أصحابها، وسوء المعاملة والاستغلال التي يلقاها النازحون داخليا في بعض المناطق، كما أن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان واستمرارها على النحو الموجود حاليا وبنفس الوتيرة تزيد من تعقيد المشكلة وستكون عائقا هائلا امام أي تسوية محتملة ما لم يبادر الى حل سريعاً.
اعتماداً على هذه الرؤية السابقة تأسَّس "المركز السوري للعدالة الانتقاليَّة-مسعى"، حيث بدأت فكرة العدالة الانتقالية لدى مجموعة من الأشخاص بعد قراءة بعض المواد عن الفكرة، وقد كان ذلك في منتصف عام 2012، حيث ظهر "اهتمامنا بهذا الموضوع، وحاولنا تطبيقه على الواقع السوري. لم يسنح للفكرة أن تجد النور إلا بعد مضي ستة أشهر، أي في أواخر 2012، حيث عقد اجتماع تأسيسي بين الأعضاء عبر السكايب، وذلك بسبب التوزع الجغرافي للأعضاء، وتقرر النظام الداخلي ورسالة النوايا في هذا الاجتماع" هكذا يقول رئيس المركز السيد "داريوس درويش" لموقعنا سيريا أنتولد Syrian untold، وتركز رسالة النوايا لـ (مسعى) على محاولة "انشاء بيئة ملائمة في المجتمع السوري لتقبل مفاهيم العدالة الانتقالية و عملياتها" وذلك عبر العديد من النشاطات مثل تدريب أعضاء المركز على إنشاء آليات للعدالة الانتقالية تكون نابعة من المجتمع، وما يلحق ذلك من تدريب المجتمع المحلي على مفاهيم العدالة الانتقالية للوصول إلى تطبيقها بشكل فعال ومتوافق مع النموذج السوري.
يقوم المركز الآن بتنظيم ورشات عمل في الداخل السوري وذلك لنشر فكرة العدالة الانتقاليَّة، كما أنه يقوم بإدارة نقاشات ضمن الفعاليات الاجتماعية في بعض المحافظات من أجل الوصول إلى تشكيل بعض الآليات المتبعة في تطبيق العدالة الانتقالية، ورغم أنّ العمل يبدو سهلاً، إلا أن العديد من المعيقات تقف في وجه الناشطين في المركز، يختصرها رئيس المركز:"أهمها هو تأثير حجم المآسي الكبيرة التي خلفها النظام السوري على المناطق الخارجة عن سيطرته وما يزال، هذا التأثير يؤدي إلى تشكيل حالة من الوعي العام لدى المتضررين بضرورة الانتقام، لعدم تشكّل إيمان لديهم بقدرة الدولة المستقبلية أو صلاحيَّة النظام الحالي على تطبيق القانون الذي سيعيد للمظلومين حقوقهم. كما أنّ الانفلات الأمني الكبير وعدم طرح "الجيش الحر" نفسه كبديل لتطبيق حالة الأمان في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أيضاً يساهم بشكل كبير في ازدياد حالات انتهاك حقوق الانسان من قبل الكتائب غير المنضبطة، مثل حالات الاختطاف والقتل والنهب والسرقة".
يتألّف المركز من مركز رئيسي بإدارة مجلس إدارة، ومكاتب فرعيَّة في المحافظات. تحمل المكاتب الفرعية جزءاً كبيراً من العمل، وتتمتع بقدر كبير من الاستقلاليَّة لدرجة قدرتهم على وضع نظام داخلي خاص بهم، وإعداد استراتيجياتهم وذلك بما لا يتعارض مع النظام الداخلي العام ورسالة المركز الأساسية، يكمل رئيس المركز:"من أكثر الأمور التي لا تزال تسبب لنا قلقاً دائماً، هو النظرة السلبية التي تتبناها بعض القوى المتطرفة تجاه العدالة الانتقالية، على أنها منتج غربي ولا يجب لنا العمل به. ولم تجد النقاشات التي خاضها أحد أعضاء المركز مع إحدى هذه القوى بأي نفع، ويبدو أنّ "الثورة المستمرة هي ما تحمينا من الاعتقال" والتنكيل من قبل هذه القوى على حسب تعبيرهم، على الرغم من إظهارنا الدائم أن فكرة العدالة الانتقالية، على الرغم من أنها إبداع غربي، إلا أنها تنطلق من واقع المجتمع المحلي، وليست غريبة تماماً عن ثقافة الشرق الأوسط بشكل عام، وسوريا بشكل خاص"
العوائق التي تعيق عمل المركز هي الغالبة الذكر بالعادة، ولكن لا بأس من طرح بعض الأمور التي سهلت العمل علي الناشطين في المركز، مثل "التجاوب الممتاز والفعال من قبل المجالس المحلية مع عمل المركز، وإيمانهم العميق بجدوى العمل الأخلاقي والصحيح، البعيد عن المصالح الشخصية للأفراد. هذا التعاون سيترجم إلى أرض الواقع بطريقة فعالة عبر عمل دائم ومشترك مع هذه القوى المعتدلة والمؤمنة بضرورة استعادة الدولة وحكم القانون عبر الوصول إلى المصالحة الوطنية العامة".
يهدف المركز الى انشاء بيئة ملائمة في المجتمع السوري لتقبل مفاهيم العدالة الانتقالية و عملياتها. هذه العمليات تشمل معالجة مشاكل النزوح و النزوح الداخلي، تعويض المتضررين، الإصلاح الاداري والأمني، المصالحة، ومحاسبة المجرمين.
أخيراً، لا بد من القول أنَّ المركز لا يتبنَّى أي أفكار أو أيديولوجيات مقيدة، إنما يهدف الى تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية على أوسع نطاق ممكن ضمن المجتمع السوري، وهو بهذا الشكل يستطيع التواصل والتعاون مع الهيئات والمؤسسات السياسية السورية ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان السورية منها والعالمية.