الحياة بالنسبة له ثورة مستمرة "على كل شيء خاطئ"، ومقتل الثورات يكون حين "ينتظر من يقوم بها أن تعطيه شيئا". فالثورة بالنسبة له لا تنتهي، لأن "لدينا الكثير لننجزه في المستقبل، خصوصاً بعد أن تم تدمير أجزاء كبيرة من الوطن و أجزاء كبيرة من إنسانيتنا. بناء الحجر ينتهي و لكن بناء البشر أمر مستمر ".
إنه الفنان الفلسطيني/ السوري "هاني عباس"(1977) ابن المخيم الذي عاش دوما، ومنذ ولادته على احتمال ثورة تأخرت عنه كثيرا، ثورة تعيده إلى فلسطين التي نأت وطال انتظارها، فكان الرسم وسيلته الوحيدة لمواجهة هذا الانتظار الطويل، إذ " باللاشعور نحن عندما نرسم. نرسم عن فلسطين" التي رسمها الفنان منذ الطفولة على جدران منزله في مخيم اليرموك، حيث "تعلمت الكثير عن المخيم و فلسطين . عن الثورة و الحياة"، كما يقول في حوار له مع موقعنا سيريا أنتولد Syria untold.
ولأنه ابن الثورة الفلسطينية المؤجلة، كان على أتم الوعي والاستعداد حين اندلعت انتفاضة الشعب السوري ضد الطاغية، حيث جعل لوحاته خير معبّر عما رآه وشاهده ، إذ يقول "حاولت نقل مشهد القمع و التنكيل من خلال الرسم و النشر على صفحات التواصل الاجتماعي. لم أكن مهتماً بأي شيء سوى أن أقول كلمتي من خلال الرسوم. الثورة كانت اختبار فعلي لإنسانيتنا و إدراكنا للواقع. و في زمن الثورة عليك أن تحافظ على أخلاقك و أن لا تنزلق. مع الوقت أصبح الأمر معقداً.التمسك بالبدايات الصحيحة هو قارب النجاة لك.و هو أن تكون مع الإنسان المظلوم و المضطهد".
الفنان الفلسطيني الذي فاز بجائزتين دوليتين أثناء دراسته الإعدادية من الأمم المتحدة التي يعتبرها "الراعي الرسمي لشتاتنا"، رغم مغادرته سوريا لا تزال أرواح أصدقائه الذين سقطوا أمامه في مخيم اليرموك، ومشاهد الدمار التي عايشها، تدفعه للمزيد من الرسم لمقاومة الموت، إذ يتذكر لحظات رسمه بالمخيم على وقع الموت قائلا" و جودي في المخيم خلال فترة القصف و القنص المتواصل وارتقاء الكثير من أصدقائي و جيراني شهداء جراء ذلك، أعطاني الدافع الكبير لاستمر بالرسم تحت القصف. للرسم هنا نكهة مختلفة. ربما تكون الرسمة التي ترسمها هي رسمتك الأخيرة. أو ربما لن تستطيع اكمالها. القذائف كانت تسقط بجانبنا . فنخرج لتجميع أشلاء البشر و الأطفال. شيء أشبه بالكابوس. كانت رسوم ممزوجة بالدم و الدموع ".
الفنان الذي كان يرسم على الكتب المدرسية، مما يدفع المدرسة لـ "تغريمي بثمنها وقت تسليمها آخر العام الدراسي"، بدأ رحلته مع فن الكاريكاتير في العشرين من عمره، لأن "هنالك الكثير من الأشياء بداخلي لم أجد إلا الكاريكاتير للتعبير عنها"، رغم أن الكاريكاتير من وجهة نظره هو "الفن الصعب و الدقيق. الفن الذي تحاسب عليه فنياً و فكرياً و سياسياً. حقل الألغام على الورقة البيضاء. لم أكن أخاف من أي رقابة إلا رقابة الناس".
ورغم انتمائه للكاريكاتير كفن للتعبير إلا أنه ظل يرسم بالطريقة التقليدية إلى أن اندلعت الانتفاضات في العالم العربي، "حيث انعكس ذلك على طبيعة اللوحة الكاريكاتورية، من حيث الشكل و المضمون. كنا قد أهملنا الكثير. كنا نحارب بأقلامنا عدواً معروفا، دون أن نلتفت إلى أنفسنا، إلى الأعداء الذين يسكنون فينا. بدأت وقتها بالتركيز على الإنسان و طورت تقنياتي للوصول إلى صيغة منسجمة مع الفكرة العميقة التي أبحث عنها دائما" حيث بدأت لوحاته تأخذ شكل الصوت الخاص الذي يميز الفنان، مما جعل لوحاته تنتقل على صفحات الناشطين على الفيسبوك لأنها عبّرت عما يمس جروحهم وآمالهم، وذلك بعد أن كان في بواكيره يعاني "رحلة البحث عن المكان الذي أستطيع النشر به".
في رصيد هاني عباس الذي انتسب لنقابة الفنون الجميلة السوري منذ عام 1999 أكثر من خمسة عشر معرضاً فردياً بعنوان "شخابير سياسة"، وأكثر من خمسة معارض مشتركة مع رسامين سوريين وعرب، وهو حاصل على المركز الأول لفئة الرسامين المحترفين في سورية في مسابقة الكاريكاتير السياسي في الموضوع العراقي 2003.
الفنان الذي حدد منذ البداية اصطفافه مع الإنسان وحقه في الحرية والتعبير ضد القتل والاعتقال وتكميم الأفواه، معتبرا أن "الحرية هي غاية أي فكر حر" ، لازالت تعيش معه رغم مغادرته البلد الكثير من اللحظات الصعبة التي عاشها في المخيم، "منها لحظات القصف، و نحن نلتف ببعضنا في البيت و نسمع أزيز القذيفة، و نخمن أين ستنزل؟ و هل سوف تنزل فوق رؤوسنا؟ مشاهد المجازر الجماعية تحت القصف و الدمار، فقدان أعز أصدقائي شهيداً، لحظة مغادرة سوريا، ما شاهدته من تشرّد هذا الشعب في مخيمات النزوح. كل شيء كان يدعو للحزن، كل شيء ".
هذه المشاهد هي ما يدفع الفنان الذي تخرج من دار المعلمين بدمشق(1999) حتى اللحظة لمقاومة الحزن واليأس بلوحة الكاريكاتير، حالما بأن تساهم لوحته في خلق" سوريا دولة عصرية بكل شيء، دون ظلم و قمع و دماء، دون دكتاتوريات و دون أصوليات، و دون تبعية لأي قوة دولية".
انتماؤه للحق وحده هو ما دفعه للكتابة في الذكرى السنوية الثانية للانتفاضة على صفحته على الفيسبوك، بتاريخ ١٥ آذار ٢٠١٣ "أعيدو سكانيكم و صحونكم إلى مطابخكم أيها السادة، فالكعكة التي ظلت في الفرن سنتين متتاليتين، احترقت .. و فحمت و أصبحت رماداً ..و حدهن سندريلات سوريا .. من يستطعن التعامل مع هذا الرماد و زرع ورودهن فيه ليزهر من جديد .." في دلالة واضحة على المناخ الصعب الذي تعيشه الانتفاضة السورية.