كما انْقسَم المثقفون السوريون حَوْل السلميَّة والعّسكرة، حَوْل تأييد التدخُّل الخارجي أو رفضه، فإنهم ينقسمون اليوم حول حضور مؤتمر جنيف 2، حيث أنَّ فئةً منهم ترى في جنيف 2 حلاً آمِناً للخروج من المأساة السوريَّة وضرورةً إنسانيَّة، في حين فئة أخرى ترى في الدخول إلى جنيف 2 بدون رُؤية واضحة وضمانات مُسبقة انِتحاراً سياسيَّاً وانتِصَاراً للنظام، لكن رغم كل الحراك الدبلوماسي والسياسي الذي تشهده العواصم والدوائر المعنيَّة به، لا أحد يُمكنه التأكيد على أن هذا المؤتمر سُيعقد، بالنظر إلى اختلاف التفسيرات والحيثيَّات لنصّ جنيف نفسه، وافتراق مواقف قوى وأطراف الصراع، خصوصا بعدما أعاد الاتفاق الروسي الأميركي بعضا من "الشرعية الدولية" للنظام السوري، مع حملة دوليَّة مشبوهة لإعادة تأهيله وتلميعه.
من هنا عمل موقعنا سيريا أنتولد Syrian untold على آخذ آراء بعض المثقفين المتابعين للشّأن السوري، من أجل رؤيتهم حول مؤتمر جنيف 2 وماهي التوقعات والاحتمالات التي يمكن أن تنتج عنه إن عُقِد.

الصحافي الكردي السوري "محي الدين عيسو"والإعلامي في قناة "أورينت" التلفزيونيَّة، يقول:"بعد التدخُّلات الخارجيَّة في الثورة السوريَّة ومحاولة الجميع استثمارها لصالحه الخاص، وقدرة النظام على زرع الكتائب الإسلاميَّة المتطرقة ودعمها بالسلاح والمال لضرب استقرار المناطق التي شاركت وساهمت في التأسيس لثورة الحرية والكرامة، وعدم قدرة المعارضة على تمثيل الثورة والثوار على المستوى الداخلي والخارجي، أعتقد أنَّ جنيف2 ربما تشكِّل الفرصة الأخيرة للخروج من عنق الزجاجة إذا توفرت الإرادة الجديَّة، شريطة عدم التفريط بدماء الشهداء وعذابات المهجرين والمعتقلين. هنُاك أكثر من خمسة ملايين مُهَجَّر ومُشرَّد بين دول الجوار أوضاعهم الإنسانية في غاية السوء، وكلُّ الدول تتاجر بقضيتهم دون تقديم أية مساعدات جدية لخروجهم من الأوضاع الكارثيَّة التي يعيشونها، لذا أعتقد أن من سيمثل هؤلاء في جنيف2 يجب أن يتحمل المسؤولية الأخلاقيَّة ويضع نصب عينه مصلحة هؤلاء قبل التفكير بالمكاسب السياسية الضيقة التي ربما تكون على حساب ملايين أخرى من المهجرين والمشردين".

أمَّا الكاتب "طارق عزيزة" فيرى أن أهميَّة جنيف 2 من حيث المبدأ، تكمن من كونه يُحَمّل أطراف "الأزمة" كلَّها على القبول بمبدأ التفاوض سَبِيلاً لِوَضع حدٍّ للنّزاع، ويقول:"بصرف النظر عن جدول أعمال المؤتمر الموعود والذي لا تبدو أنَّ حظوظ انعقاده تزيد كثيراً عن حظوظ تأجيله. على أنّ نقطتين أساسيّتين تجعلان من المستبعد أن يضع المؤتمر العتيد حدّاً للكارثة السوريّة المستمرّة، أو على الأقل أن يدفعها باتّجاه مسار سياسي، يفضي إلى تسوية سلميَّة. تتلخّص النقطة الأولى في إصرار طرفي النزاع الرئيسيين، النظام والمعارضة المسلّحة (لا نتحدّث هنا عن التنظيمات الجهادية)، على وهم "الحسم العسكري"، بدليل السعي المحموم لتحقيق مكاسب ميدانيَّة على الأرض، لتحسين الموقع التفاوضي. النقطة الثانية، وهي الأهمّ، تتمثّل في معطيات الأمر الواقع على خطوط التماسّ، وفي المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أو ما يحلو للبعض تسميتها "المناطق المحرّرة"، ذلك أنّها، في معظمها، تحت سيطرة جماعات مسلّحة من أمراء الحرب، أو من كتائب وجماعات جهادية محلّية، أو تلك التي تنتمي للقاعدة، وإنّ هؤلاء جميعاً قد أعلنوا مراراً رفضهم التام لأي حل سياسيّ أو تفاوض، ولا يخرج "البيان رقم 1" الصادر مؤخّراً عن هذه الكتائب عن هذا السياق، ما يعني أنّه على افتراض ذهاب الائتلاف المعارض إلى جينيف2، وتمَّ التوصل إلى تفاهمات تفرض التزامات متبادلة على المتفاوضين فإنّ من المستبعد أن يتمكّن من تنفيذ تلك الالتزامات في مناطق وجبهات لا يملك السيطرة عليها، بل إنها في أيدي من لا يعترفون له بسلطة ولا شرعيّة".
أمَّا الناشِط والإعلامي "عماد الحصري" فيرى أنَّ كلّ ما يتردَّد اليوم عن جنيف 2، هي محاولات المجتمع الدولي لعقد هذا المؤتمر محمولاً على حاملين موضوعيين، "الحامل الداخلي، حيث بعد أن تمّ مصادرة ثورة الشعب السوري من قبل المتشددين دينيَّا والمدعومين بشكل مباشر من دول النفط العربي والذي
غموض كثيرُ يلف حول هذا المؤتمر، ولكن المقتلة السورية تبقى مستمرة وواضحة وبعيدة عن الغموض، آلاف الضحايا ومئات البيوت المدمرة، وملايين النازحين، الدم السوري ينزف بسرعة والمفاوضات السياسية تتم ببطء.