بوسنيون يحاربون الجوع السوري في واشنطن!


29 تشرين الثاني 2013

يبدو أن قدر الإنسانية أن تكرر مآسيها جيلا بعد جيل، إذ رغم أن العالم لم يدخل حربا عالمية جديدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إلا أن الحروب والمعارك لم تتوقف، لأن النضال لأجل الحرية ولقمة الخبز لازال قائما، الأمر الذي خلق أزمات كبرى وضعت الإنسانية جمعاء بمواجهة ضميرها العاجز عن إيقاف الحروب والوقوف إلى جانب المظلومين ضد الظالمين والطغاة، ولعل ما يحصل في سوريا اليوم دليل ذلك.

ورغم عجز المجتمع الدولي عن إيقاف هدير المعارك في سوريا، إلا أن الصور والمقاطع المهربّة من تحت النار، ساهمت في وقوف قلة من الضمائر الحية إلى جانب السوريين بغية مساعدة أطفال سوريا، وإبعاد شبح الجوع عنهم. هذا ما دفع "سارة" السورية التي تعيش في أمريكا للبحث عن طرائق جديدة تلفت النظر و تحض الناس على التبرع لأطفال سوريا بعد أن عجزت المؤسسات الدولية عن إيصال المساعدات كما ينبغي وفتح ممرات إنسانية عاجلة كما تطالب المعارضة، إذ عمدت سارة للبحث على الأنترنت مطولا إلى أن عثرت على الفكرة الملائمة، كما تقول لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

سرعان ما طرحت سارة الفكرة على "غروب مسكر على الفيسبوك لدعم السوريين" لتتمكن من لقاء متبرعين غير سوريين تعود أصولهما إلى البوسنة.عرفا بما يحصل في سوريا عن "طريق السوريين الذين ألتقي بهم هنا، لأتابع الأمر وأقارن ما يحصل اليوم في سوريا بما كان يحصل في بلادي عام ١٩٩٣ ، حيث أن الوضع السوري اليوم أسوأ بعشر أضعاف، لأنه في البوسنة لم يكن يوجد أسلحة ثقيلة بهذا الحجم خصوصا الأسلحة الكيمائية التي استخدمت بسوريا" كما يقول محمد لموقعنا.

الشابان البوسنيان والقيد في أيديهما. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك
الشابان البوسنيان والقيد في أيديهما. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك

وأما عن الدافع الشخصي الذي دفع محمد  للمشاركة في هذه الحملة فيقول: "عندما كنت طفلا في البوسنة، كانت أمي تفكر كثيرا بأني سأموت من الجوع لأن الطعام لم يكن متوّفرا. بالنسبة لي اليوم  لا يجوز أن يموت أي طفل في العالم من الجوع، ويجب أن لا يمر أي طفل ثاني بهذه التجربة، وأنا أفعل وسأفعل كل ما أقدر عليه مستقبلا لأجل هذا الأمر".

الفكرة تقوم على أن يقوم شابان بربط أيديهما بقيد والسير في الشوارع والطلب من الناس التبرع بعد أن يشرحوا لهم عن سوريا وأطفالها، إذ تهدف السلاسل إلى لفت نظر الناس ودفعهم لإلقاء الأسئلة، ليغتنموا بدورهم الفرصة ويطلبوا التبرع للأطفال، إذ تجاوب البعض معهم وتبرع فعلا، "في كتير ناس تجاوبت و اهتمت تسأل عن سوريا وما يجري فيها"، علما أن  "البعض الآخر  ظن أنهم " إرهابيين أو هاربين من السجن و معهم أسلحة"، وقسم آخر عاملهم "بازدراء".

كانت تهدف سارة التي تعمل مع منظمة  SAA إلى تجميع خمسة آلاف دولار وشراء حليب أطفال وإدخالها إلى داخل سوريا، وفقا للأماكن التي يمكن لهم الوصول أو إيصال المواد إليها، إلا أن الحملة لم تتمكن أن تجمع المبلغ المذكور، مكتفية بحوالي ألف دولار تم إرسالها إلى تركيا لشراء حليب وإدخالها للداخل، إذ تعتقد سارة أن "عدم تجاوب الناس يعود إلى قلة الوقت المتاح لنا لنشر القصة والتعريف بالأمر بشكل جيد" لذا هي تعمل الآن على إعادة التجربة "بترتيب أكبر عبر إعطائها الوقت اللازم الذي تستحق".

https://www.youtube.com/watch?v=av3pqzGIcLk

محمد الذي قاسى أهوال الحرب البوسنية يقول للسوريين أن "المسلمين في البوسنة لم ينسوكم وعليكم متابعة الطريق لأن الله معكم" مؤكدا أنه سيتابع النضال لأجل ألا يبقى طفل جائع في العالم، لنكون أمام شعوب جمعتها المأساة لمحاربة الجوع الكافر الذي يبدو أن مؤسسات الأمم المتحدة لم تجد بعد وسائل كافية لإبعاد شبحه عن أطفال سوريا، لتكون الوسائل الفردية التي يبدعها مواطنون عبر العالم لم تنم ضمائرهم، بوابات الأمل لإنقاذ ضمير البشرية من التلوّث في عار أن يموت أطفال من الجوع في القرن الواحد والعشرين، هذا ما يمكن ملاحظته من انطلاق حملة أخرى تهدف لجمع مبلغ من المال للإغاثة، متعهدين بعدم حلق شواربهم لحين جمع المبلغ في فكرة طريفة تهدف إلى التحايل على الضمائر النائمة لإيقاظها، لنكون أمام سؤال عالمي ينخر ضمائرنا: هل بتنا بحاجة إلى شاب لا يحلق شواربه كي نفطن أن ثمة أطفال يموتون عبر العالم؟

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد