"أنا واحد تور/ ملزّق بالفكساتور/ ما بسمح/ للأرض تدور/ ما في غيري تنتخبوا" لم يتوّقع كاتب كلمات المقطع السابق من أغنية "أنا نظام" أن مقولته التي كتبها في لحظة سخرية من الدكتاتور قد تصبح حقيقة مؤلمة قابلة للتحقق في ظل ما يجري تسريبه اليوم عن مؤتمر جنيف 2 والمرحلة الانتقالية التي قد تسمح ببقاء الدكتاتور أو ترشحه مرة أخرى للرئاسة في ظل الوضع المعقد الذي دخلته الانتفاضة السورية، والتي كان أحد ضحاياها أو تحولاتها ( لا ندري) فرقة "الدب السوري" الذي ينتمي له كاتب الأغنية، والتي أصبحت "من التاريخ" كما يقول كاتب الأغنيات وملحنها لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untod"، فهل هذا صحيح؟ وما هي الحكاية؟
https://www.youtube.com/watch?v=AYH502RmT1A
هم "مجموعة من الشبان والصبايا والكهول السوريين وصديقهم الفلسطيني، وجميعهم مقيمون في ألمانيا، بعضهم يعزفون على آلات موسيقية ويهوون الفقش والتصفيق وحياة اللهو والقصف والعياذ بالله!"، وهم أصدقاء قبل أن يكونوا موسيقيين، كوّنوا مع بدء الانتفاضة السورية في عام 2011 فرقة الدب السوري "لأجل الغناء والعزف والتقفيل على سيادة الدكتور بشار الأسد"، وهو أمر صحيح، تعكسه الأغنيات التسع ( وهي كل رصيد المجموعة) التي يتناول أغلبها الدكتاتور بشكل شخصي ومباشر وساخر، فأغنية "أهبل شيطان" موجهة له مباشرة، إذ تقول أهبل شيطان/بس شو منشان / عميدبح شعبه/ وشعبي كمان/حواليه أعوان/ زلم ونسوان/ .. بيكفي جنان!/ لك شو شربان؟!/ بيكفي جنان!/ بس يا حيوان!".
اتخذت الفرقة اسم الدب السوري، لأنها ضد التطوّر، إذ حرص المؤسسين لها أن تبقى كما هي، إذ "حرصنا على عدم تطويرها لأنها مشروع بسيط بدأ كذلك وأحببنا أن يبقى كما هو. سميناه الدب السوري حتى نقطع على أنفسنا منذ البداية باب التطوير. يمكن لأننا معقدون من التطوير والتحديث والإصلاح"، وربما هذا هو سبب توقف الفرقة عن الإنتاج بعد أن انتهت المرحلة السلمية من الانتفاضة السورية، إذ يقول كاتب الأغاني وملحنها "انتهى نشاط الفرقة بعد نهاية هذه الفترة، لأنني لم أعد أجد نفسي أدمدم جملة و أرددها بشكل ملحن، وإن حدث ذلك لا أجد في نفسي رغبة في العمل عليها لأصنع منها أغنية"، وقد يكون هذا عائد للأفق المظلم الذي دخلت به الانتفاضة بعد الاتجاه للسلاح، أو بسبب غياب الرؤية أو تشوّشها، حيث "كنت أجد نفسي فجأة، وغالباً أثناء تقليب صفحات الفيسبوك أو موقع الجزيرة أونلاين، أردد جملة ملحنة، فأشتغل على اللحن والكلمات إلى حين ظهورها للعلن، وأناقش الأغنية مع الدببة الآخرين فترة تتراوح بين الساعتين والستة أشهر".
https://www.youtube.com/watch?v=THd1V_nxs1M
القول السابق يعطينا فكرة عن كيفية تكوّن فكرة الأغنية في ذهن مبدعها، إذ يبدو واضحا أن بعض الأغاني مرتبط بحدث ما أو فكرة أو مشهد أو خبر حرّض الكاتب ودفعه نحو الكتابة، فأغنية " البطة في بابا عمرو" مستوحاة من زيارة الدكتاتور إلى حي بابا عمرو بعد أن دخلته قوات النظام، حيث جاء فيها: يا قطة علّي النطة يا قطة!/ يا بيشو بس تتحمّم خود البطّة!/ يا بطة وصل القطار يا بطّة! / البابا عميستنى بتاني محطّة".
وأما أغنية "شارك بالإضراب" فكتبت لتحريض الناس على المشاركة في إضراب الكرامة الذي كان لنا وقفة خاصة معه، وجا ء فيها: لو كنت عامل بناء/ لو كنت فاتح حلاق/ لو كنت داير عسواق/ حشارك بالإضراب/ ببلدك لا تكون زبون!/ لا تنفّع يلي بيخون!/ دم الشهدا عليه بيهون/ يلي بيفتح بالإضراب"، وذلك على الرغم من أن الفرقة لا تشارك بالحملات والفعاليات بسبب طبيعة الفرقة، إذ "لا يوجد لدينا تمويل لحملاتنا ونشاطاتنا. لذا لا نقوم بحملات ولا نشاطات، تلقيت مبلغاً من المال لقاء مشاركتي مع دب آخر في مهرجان في أوسلو، وقد قمت بإنفاق المبلغ على السفر إلى قطر عربي شقيق بقصد الزواج وهذا ما حصل، أما هو فأعتقد أنه صرف المبلغ على ملذاته الشخصية"، الأمر الذي يضعنا أمام طابع شخصي يطغى على المجموعة، فليس لها " أي شركاء ولا نشارك أحداً بأي شيء".
ورغم ذلك فإن المجموعة جزء من فريق "الشعب السوري عارف طريقه" المعروف بكثرة نشاطاته المدنية والسلمية التي قدّمها للانتفاضة السورية، إذ يشكلا معا "عصابة واحدة" مكنتهما من انتزاع جائزة البركس العالمية "The Golden Nica: Prix Ars Electronica"عن فئة Digital communities، وهي جائزة عالمية سنوية في مجال الفن والتكنولوجيا وعلاقتهما بالمجتمع، وهو الأمر الذي اعتبرته الفرقة "جائزة للشعب السوري المبدع ولكل من ضحى بنفسه فهم المبدعون ونحن صدى لأصواتهم".
وأما أموال الجائزة فقد استغلها الفريق لشراء "ميكروفون سجلنا فيه آخر أغنية لنا، وهي من أسوأ ما سجلناه برأيي المتواضع. قبل ذلك كنا نسجل بالاعتماد على ميكروفون نستعيره من صديقة رفيقنا الدب الفلسطيني، لكنها استرجعته منه وسافرت إلى بريطانيا ورزقت بمولود" لنكون أمام فرقة ساخرة حتى من أعضائها وأوضاعها، وقد تجلّت هذه السخرية بوضوح في الأغاني التي تحولت مرآة كاشفة للنظام والدكتاتور في آن، ففي أغنية "سيمو" التي تستمد اسمها من شراب للسعال في سوريا، معروف باحتوائه على المادة المخدرة "كودئين" و أن الإكثار منه يسبب الادمان، نلحظ تشريح عميق لبنية النظام الأمنية العميقة من جهة (النكتة نظامو و سيستيمو/ النهفة إعلامو و تعتيمو/ النكسة أقوالو و تعاليمو/ النكبة تحاليلو و تحاريمو) ، ومدى ابتعاد الدكتاتور عن الشارع السوري وتحليقه في عالم من صنعه ( عايش بمخو و مفاهيمو/ عميشرب و يتقل سيمو/ عم يحضر يفضح حريمو/ أخبار إعدادو و تقديمو).
https://www.youtube.com/watch?v=2g3hLN2LH2o
قد تكون أغنية "يمل" واحدة من أجمل الأغاني التسع التي قدمتها الفرقة، لأنها تعكس روح الشعب السوري الثائرة ضد الأبد السوري ونظام التوريث القائم، إذ تقول: "الشعب مل من الأبد/ والدٍ وما ولد/ و رح يسترجع البلد/ من أنيابك يا أسد" لتصل إلى السخرية من الدكتاتور الذي قال في أحد حواراته أنه قد يفتح عيادة طبية في دمشق حال ترك الرئاسة "افتح عيادة يا دكتور/ استثمر عرباية بُشار/ إفلح أرضك بتركتور/ القصد تفلت هالمنشار/ طالع آكل/ نازل آكل ..عمي منصور النجار".
المؤلم اليوم أن الفرقة توقفت عن الإنتاج بسبب الواقع المر والمنعطف الخطير الذي تمر به الانتفاضة السورية، إذ لم يعد الواقع بالنسبة لهم يحمل وحيا لأغنية بل إحباطا وألما يفوق التصوّر، آملين أن يكون هذا العتم الكثيف مخاض ما قبل الولادة، لتولد سوريا حرة بلا "أهبل شيطان".