بدفع من الأجهزة الأمنية أقدمت كلية الفنون الجميلة في دمشق على وضع أسئلة تثبت ارتهان الجامعة ومن خلفها كل مؤسسات الدولة للأجهزة الأمنية التي تعيث بها فسادا وتجيّرها لخدمة بقائها في السلطة وفق أساليب السيطرة الغامضة التي طالما عرفت بها الأنظمة المستبدة.
في امتحان مادة التشريح الفني لطلاب السنة الرابعة، فوجئ الطلاب بالأسئلة التالية:
السؤال الأول: ارسم جندياً من إخوتنا في الجيش العربي السوري في وضعية الرمي لقنبلة يدوية… قم بالرسم إعتماداً على مبدأ إختصار الكتل (15 كتلة) (10 درجات)… ثم قم برسم الجلد (عاري الصدر) واللباس ( البنطال والبوط العسكري) ( 10 درجات)… ثم قم برسم ثلاث عضلات ( من اختيارك) في الذراعين أو الجذع، موضحاً، شكلها ونقاط توضع أوتارها واتجاه أشعتها (10 درجات لكل عضلة)….
( المجموع 50 درجة)
السؤال الثاني: ارسم إحدى يديك تلعب بأحد أصابع قدميك… يشترط في الرسم أن تكون عين الناظر هي عينيك، وليست عين مراقب آخر.
ويشترط في الرسم أن تكون القدم عارية، وكأنك جالس في منزلك مطمئناً لوجود الجيش العربي السوري يحمي ظهرك ويشعرك بالأمان.
يبدو واضحا أن الأسئلة جاءت لدفع معنويات الجيش السوري، ولإثبات السلطة شرعيتها، مجيّرة التعليم لخدمة مصالح سياسية، في ظل نظام حوّل الدولة بأكملها إلى مجرد أداة لإبقائه في السلطة مما دمر الدولة، لذا كانت الثورة ضده ولا تزال.
هذا الأمر لم يمر بسلام إذ بمجرد خروج الطلاب المنزعجين من قاعة الامتحان قاموا بنشر الأسئلة على صفحات التواصل الاجتماعي، لتلقى السخرية والتعليق والتفاعل بين أخذ ورد، خاصة أن الأمر جاء في ظل قيام طائرات االجيش برمي بعض المناطق بالبراميل المتفجرة وحصار المناطق الثائرة، حيث كتبت الإعلامية "زويا بستان" ساخرة: "عطفاً على أسئلة مقرر التشريح الفني لامتحان كلية الفنون الجميلة في وطني سوريا :ارسم منديلاً عليه مخطة بطل من أبطال جيشنا العربي السوري ... وبوط رين معفن شيت ال300 ليرة وجوز جرابات نايلون لا تقل البخاويش فيه عن تسعة ... وظلل التظليل المناسب فهذه الجوارب هي ريحة الحبايب ... مع تحيات جامعة بيكاسو للجيش والقوات المسلحة ...فرع ارسم بسطار يا فنان واربح معنا علبة ألوان ".
وقد رد "عماد كشكة" بالقول: "المشكلة مو بمحبة البوط العسكري قد مو هي بالمستوى التعليمي المنحط لكلية الفنون على هيك أسئلة!!" في إشارة لاتهان الجامعة للأجهزة الأمنية وعدم استقلاليتها.
أما المصور "ميزر مطر" فقد كتب قائلا بسخرية تصل حدود البذاءة: "سؤال متوقع للامتحان القادم بكلية الفنون الجميلة: ارسم بيضات سيادة الرئيس وتخيلهم عيناك تنظر من خلالها لوجه سماحة السيد حسن نصرالله"، ليعلق "طارق العبد" ساخرا: ""منيح مافي كلية فنون جميلة عند داعش" رسم لحية أميرنا البغدادي وتخيلها حزاماً ناسفاً يفجرك لأنك تقوم بفعل منكر". فرد عليه ميزر بالقول: "لا طارق ارسم طيز أميرنا البغدادي وتخيله يضرط ويفجر كل الكفار المجوس الروافض هههههههههههههه".
أما الطالب في كلية العمارة "عدنان سلطان" فكتب: "لك منيح ماجابولنا نحن العمارة صمّم مبنى لفرع المخابرات الجوية، علما أن عدد الطوابق تحت الأرض ضعف عدد الطوابق فوقها، ولا تتجاوز مساحة الزنزانة الواحدة 5 متر مربع".
المصوّر "عبد حكواتي" فقد ربط بين البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات النظام وبين أسئلة الفنون، فقال: "مشروع تخرج لكليه الفنون الجميله ـ جامعة دمشق: اصنع مجسماً للبراميل المتفجره وهي تقتل المدنيين والسيد القائد الملهم يستمني وهو يتابع المذبحه، وأنت تلعق حذاء الطيار".ليرد عليه "لافندر البني" بالقول: "هو مشروع تخرج من الإنسانية يناسبه محكمة لاهاي ... ولا يمت للفنون بصله".
وكذلك فعل "سامي شكر" حين قال: "ارسم مشهد طفل سوري بعينه المجرده يترقب سقوط برميل من طائرة هيلكوبتر يقودها جندي من الجيش العربي السوري حامي الوطن والمواطن بمقطع طولي 10 سم واتساع حدقة العين بحجم 20 مم مع توضيح ساقط لدرجة الرعب"، لترد "سلاف أحمد" بالقول: "مابيلعب بأصابيع رجليه إلا بوجود هيك جيش!!! لك مويلعن هيك مناهج وهيك كوادر".
ردود الفعل تجاه الحدث وصلت إلى العائلات، حيث كتبت "رودي" لأختها الصغيرة: "إذا بعدك حابة تسجلي بكلية الفنون الجميلة شوفي هي الصورة ( صورة الأسئلة)"، فرد "وسيم حسن" قائلا: "شكلها لتنجح بكرا بتجبلكم عل البيت جندي من جنود الوطن كموديل لتتمرن عليه و ترسمه بالبوط العسكري"، فردت "رودي" ساخرة: "بسيطه ترسم جندي منشق"، ليسخر وسيم بدوره: "المنشق مو منيح للرسم لآنه ما بيحمي ضهرنا" في إشارة إلى ماجاء في السؤال. في حين ردت الأخت "ديالا":فظيع و أصلا من هون لصير فنون بكون تغير كل شي".
الحدث على رغم صغره وبساطته أمام ما يحدث اليوم في سوريا، إلا أنه يعكس مستوى تفكير السلطة الذي لم يتغيّر، ويعكس من جهة أخرى أسباب ثورة السوريين ضد هذا النظام الذي يثبت يوما بعد يوم استحالة الإصلاح حتى في أبسط الأشياء.