أقدم النظام السوري يوم أمس الاثنين (17/2/2014) على عقد هدنة بين العناصر المسلحة في مدينة ببيلا التابعة لريف دمشق بعد هدنات مماثلة في المعضمية ومخيم اليرموك، تقضي بسحب الأسلحة الثقيلة من يد المعارضة و تحول العناصر المسلحة إلى "لجان شعبية" تتولى حماية المدينة مقابل رفع العلم السوري داخل المدينة وإدخال الطعام لها، على أن تتولى حواجز تابعة للطرفين حماية المدينة من الخارج.
لقي الحدث تفاعلا وسجالا بين السوريين على صفحات التواصل الاجتماعي بين مؤيد للهدنة يرى أن مجرد حقن الدماء بين الطرفين هو إنجاز للسوريين جميعا، ورافض لها لأنها تصب في مصلحة النظام الذي سينقض الهدنة بمجرد أن يرتاح، في حين ذهب فريق ثالث إلى أنها دليل على دفع النظام الانتفاضة نحو السلاح، إذ قالت الناشطة ميادة الخليل: "ايه عادي.. النظام هو حولها لمسلحة والنظام هو يلي عرف يضب المسلحة............ وشهيدنا لا ما مات".
وتوافق "رامي السيد" مع "ميادة الخليل" حين رأى أنها مجرد لعبة بيد النظام: "الهدن قي جنوب دمشق مستمرة و تسير على قدم وساق، ولها فوائد عديدة أبرزها أنها كشفت الكثير من الخونة الذين عاشوا بيننا لسنين وسرعان ما عادوا وارتمو بأحضان النظام".
ما يلفت في الهدنة هذه تركيز الإعلام السوري عليها، وهتاف أصحاب الهدنة من الطرفين "إيد وحدي، إيدو حدي" وهو ما استرعى انتباه "سمير متيني" الذي قال: "قناة سما تبث من ببيلا "دمشق" مشاهد حية بين مقاتلين من الجيش الحر وقوات النظام يهتفون ايد وحدة ايد وحدة ويلتقطون الصورة المشتركة. لن نتكلم عن الظروف والمعاناة الطويلة. لكن استوقفني شعار "ايد وحدة" كيف يعني ايد وحدة هل سيقاتلون معا وضد من ياترى ...!!!؟؟؟"،
في حين احتج "عبيدة المشرف" بالقول: "بنعرف أن أهل ببيلا تعبوا وقرار الهدنة على راسنا وعينا. الرسول وقع على صلح الحديبة مع أعدائه. بس ليش ماصار هذا الهتاف تبع "ايد وحدة" بالمعضمية ؟؟؟ كلنا مع الهدنة. بس مو يروح يهتف إيد وحدة. لأنو هذا انتصار للنظام. وضربة قاسية للصامدين في مخيم اليرموك وباقي المناطق المحاصرة. كل المناطق خذلت مثل ببيلا. الرقة خذلت وحلب خذلت و الدير خذلت وحمص خذلت. بس محدا صاح مع جيش الأسد إيد وحدة. لأنو هالايد هي يلي جوّعت وهي يلي قتلت وهي يلي شردت".
البعض من السوريين رؤوا أن الهدنة هي مجرد لعبة من النظام لكسب الوقت، حيث قال "صهيب الزبين": "لمن يعرف النظام السوري، و لم يعرف ظلم من النظام السوري، و لمن تعرض لتشبيح و تعذيب النظام السوري، يعلم حق العلم .... أي مصالحة أو هدنة ستكون هشة، و هي نتيجة الحصار و التجويع و الخذلان"، في حين رأى "عبد الرحمن الحاج" أنه "بالطريقة ذاتها التي حصلت في ببيلا وشقيقاها أمس فكك بها حافظ الأسد "الطليعة المقاتلة" (وقتها) وقضى على جذوة المقاومة"، معتبرا أن "الطليعة المقاتلة" التي كانت تابعة للإخوان في ثمانيات القرن الماضي هي "مقاومة" في حين أنها إرهابية لدرجة أن الإخوان يتبرؤون منها!
وعلى ضفاف هذا الأمر سخر "علاء دخيل" من السجالات التي تجري في العالم الافتراضي حول الأمر، قائلا: "ببرزة و ببيلا تصالحو الحر و النظامي.... و ع الفيس لسى الناشطين ما تصالحو مع بعض!!!"،
في حين اعتبر البعض الآخر أن أي هدنة هي إيجابية، وأنّ كلام الفيسبوك يبقى على الفيسبوك إذ قال "كريستوفر دوني": "أي اتفاق مصالحة أو هدنة أو ووقف إطلاق يوقف عمليات القتل هو عمل ايجابي و المنتصر الحقيقي هو المواطن السوري المهدد بالموت بكل لحظة.... ! بغض نظر عن نفاق و مزاودات علاكين الفيسبوك من الطرفين!".
النشطاء كان لهم رأيهم في الأمر أيضا، إذ قالت "سيلفا كورية": "على هامش ما يجري في ببيلا وغيرها من المناطق التي نشأت فيها "مصالحة" من نوع ما....على الفيسبوك من السهل السخرية وكيل الشتائم لصور تجمع الطرفين، لكن للأسف تجميع اللايكات أثبت أنه لا يجد نفعاً.. فالأرض هناك متروكة لأمثال الشيخ أنس الطويل وغيره. .. ونحن ما زلنا نلعن ونشتم وننتظر أسلحة لن تأتي إلا لتحافظ على كفتي الميزان دون حسم لطرف على آخر...اذا كنا بعد ثلاث سنوات ما زلنا على ذات وسائل المقاومة ضد من يفترض أنه عدو يمنع سوريا عن الكرامة والحرية والتقدم، فلن نتعلم الدرس مطلقاً. نحن الذين تركنا الأرض علينا أن نعود لها..نطلق الحراك المدني فيها من جديد بعيداً عن لمال السياسي والاعلام السياسي والدين السياسي الذين أوصلنا الى ما نحن عليه..فمتى نستفيق؟".
وقال الناشط "عاصم حمشو": "لأنني لا أستطيع أن ألوم المناطق التي هادنت والتي عملت على مصالحة مع عصابة الأسد .. لكنني أستطيع أن أفاخر وأعتز بصمود وجبروت الكثير من المناطق السورية التي أهلكها الحصار، وأدمتها القذائف وحطمت بنيانها براميل الموت ... فقط أردت أن أوجه تحية لأصدقائي الصامدين في "داريـــــــا" على رفضهم لأي مساومة عن أهداف ثورتهم، وقلت أيضاً الزبداني وأيضاً وادي بردى وخان الشيح والقدم والحجر الأسود وعربين ودومــــا وزملكا... الثورة مستمرة طالما يقرر أهلها"،
في حين وجه الناشط والمقاتل مع المعارضة المسلحة "عبد الباسط الساروت" نقدا قاسيا للمناطق التي سلمت سلاحها، إذ رفع لافتة كتب عليها: " برزة، المعضمية، ببيلا، بئس البيع بيعكم إن لم تعودوا إلى رشدكم".
من حيث المبدأ أية هدنة فيها حقن لدماء السوريين هي مكسب للجميع، ولكن شرط أن تكون هدنة حقيقية تؤسس لمستقبل حر، وشرط أن يتعرف النظام بمواطنية الإنسان السوري، وهذا ما عبر عنه "عمرو خيتو" بسخرية حين قال: "أهم شي ماتخلص القصة علی تبويس شوارب وشعارات وحدة وطنية فاضية، وأنا مني عليي رضيان بولاية الشام كوطن قومي يضم جميع الرجعيين"، فهل هذا ما حصل؟
حتى الآن لا، وهو ما يجعل دماء السوريين تئن في قبرها، إذ قال "رامي السيد": "لا يحزنني سقوط منطقة بيد النظام، ولكن أكثر ما يؤلمني أن تذهب تضحيات الشهداء الذين بذلوا الغالي والنفيس لأجل تحريرها".
ومع ذلك يأمل جميع السوريين أن تكون تلك الهدنات خطوات أولى باتجاه تهدئة العنف أولا والانتقال إلى دولة القانون ثانيا، لا أن تكون مجرد "ألاعيب" نظام يناور للهيمنة بطرق طالما ألفها وعرفها السوريون لأنهم دفعوا ثمنها دما لم يجف عن ثيابهم بعد.