ألحان المقاومة السورية


05 آذار 2014

كانت الموسيقى ولا تزال في قلب الانتفاضة السورية منذ انطلاقها في آذار 2011، ولهذا السبب نفسه كان الموسيقيون السوريون أحد الأهداف الرئيسية لرصاص وعنف النظام. الناشطة السورية-الاسبانية "ليلى نشواتي"، تعزو ذلك إلى رغبة النظام بفرض أجندته السياسية والدينية، في مقال لها نشرته في موقع freemuse باللغة الانكليزية تطرقت فيه إلى عدد كبير من الحكايات والحوارات التي نشرها "سيريا انتولد Syria untold" سابقا. وهنا نعيد ترجمته كونه يلقي نظرة موسعة عن الفن والموسيقى في مقاومة الدكتاتورية.

 

يا بشار ويا كذاب، تضرب أنت وهالخطاب، الحرية صارت عالباب، ويلا ارحل يا بشار".

هذه العبارات رافقت كل مظاهرة تطالب بإسقاط النظام. بلحنها الجذاب وكلماتها القوية رددها السوريون ملء حناجرهم، فكانت نشيداً وطنياً جديداً يرجع صداه مطالبهم بعد أربعة عقود من الصمت.

https://www.youtube.com/watch?v=a-qDRkZ1354

المغني الشعبي "ابراهيم القاشوش" استمر بقيادة مظاهرات مناهضة للنظام السوري في حماة حتى تاريخ 3 يوليو تموز 2011، حين قامت قوات الأسد باقتلاع حنجرته ورمي جثته في نهر العاصي، عقب (جمعة ارحل) 1 يوليو 2011 والتي احتشد فيها زهاء نصف مليون متظاهر في ساحة العاصي في حماة، علما أن ثمة قصة أخرى تروى عن "القاشوش" بأنه لم يقتل على يد النظام، إنما على يد "رفاق" له اتهموه بالتعاون مع النظام، ولم يتسنى لأحد حتى الآن التأكد أي الروايتين هي الصحيحة.

رغم ذلك فإن مشهد عنق القاشوش الذبيح لم يخيف المتظاهرين الذين صدحوا بأغنيته الشهيرة في الشوارع، ولم يروّع النشطاء المدنيين الذين انخرطوا في نشاطات إبداعية قادت النظام إلى حافة الجنون.

"خرابيش" الشبكة الإعلامية اللبنانية قامت بنشر فيلم كرتوني قصير أسمته "صوت المقاومة"، يوّضح كيف تم إخفاء مكبرات صوت في حاويات القمامة وفي المباني الحكومية الرسمية. المكبرات التي انطلق منها صوت القاشوش الأجش مثيراً رعباً وفوضى بين صفوف النظام.

https://www.youtube.com/watch?v=MoCXordus3Q

هذا الفعل الثوري الاحتجاجي كرره الناشطون في أماكن عامة كثيرة: الشوارع، مبنى مديرية مالية دمشق، المولات التي تعج بالمتسوقين.. يضعون المسجلات الصغيرة في أماكن غير مرئية، وما هي إلا لحظات حتى تصدح الأغاني وتلفت انتباه الناس، ليظهر رجال النظام مذعورين، وهم يبحثون عن مصدر الصوت لوأده، حيث تصوّر ذعرهم هذا كاميرات الناشطين وتبثه على وسائل التواصل الاجتماعي ليصبح النظام عاريا ومباحا ومجردا من أوج قوته التي لم تستطع وأد الأغاني.

منذ بداية الانتفاضة، كان واضحا أن الاضطهاد الممنهج للموسيقيين السوريين والشعراء، والفنانين، يهدف إلى وأد الحراك السلمي السوري في المهد، حيث تعرّض رسام الكاريكاتير الشهير "علي فرزات" للضرب وتكسير يديه.

جدار الخوف والصمت الذي استغرق بناؤه عقودا، قام المتظاهرون بتحطيمه في غضون أسابيع. وبالرغم من أن النظام أبدى وحشية لم يسبق لها مثيل ضد مظاهر المعارضة السلمية، إلا أن الموسيقى، بقوتها الناهضة والإيجابية، كانت في صميم الحركة المدنية، عصية على الإسكات.

 

على المرء أن يكون حراً ليصنع فناً حقيقياً:

 

في مقابلة لعازف البيانو والموسيقار السوري "مالك جندلي" مع "سيريا أنتولد Syria untold" يصف فيها هيمنة النظام السوري على الموسيقى قائلاً: "الطغاة بشكل عام، يخافون الفن والموسيقى، لأن الفن في جوهره هو بحث عن الحقيقة والجمال" ثم يضيف متسائلاً: "ساحل سوريا هو موطن لأقدم تدوين موسيقي في العالم، كما أنه موطن الأبجدية الأوغاريتية التي يعتقد بأنها الأبجدية الأولى للحضارة! ولكن بدلا من تكريم التاريخ الغني للبلاد، يبدأ النشيد الوطني مع إشارة إلى الجيش، إلى "حراس الوطن"، لماذا لا نتحدث عن الاختراعات السورية مثل الحروف الأبجدية والموسيقى، بدلا من القوات العسكرية والحرب؟"

https://www.youtube.com/watch?v=x2uSPsJr0vE

"مالك جندلي" الذي تعرض والداه للضرب، ومنزله الحمصي للسرقة من قبل شبيحة النظام، يرى بأن الانتفاضة قد سمحت بولادة جيل من الفنانين، حر من كل القيود التي تكبّل بها السلطة الإنتاج الفني، إذ يقول "الفن في عهد النظام لم يكن فناً حقيقياً، الإنسان بحاجة إلى حرية ليبدع، بحاجة إلى حرية لينتج فناً حقيقياً، للمعرفة والثقافة والابتكار والتقدم. بدون الحرية، لا يوجد شيء".

البحث عن الجمال الذي تحدث عنه جندلي يتخلل كل أنماط الموسيقى السورية، من الأغاني الشعبية التي تردد في الاحتجاجات إلى نغمات البيانو الكلاسيكية التي ألفها مالك جندلي في أغنيته "سوريا، نشيد الأحرار".

يمتد الأمر أيضاً إلى الأنماط الموسيقية المعروفة بغرابتها عن العالم العربي، وتحديها للأعراف الاجتماعية، كموسيقى الروك والهيفي ميتال والهيب هوب.

"منير" شاب سوري محب لموسيقى الميتال، يشرح لنا عن أجواء هذا الوسط الموسيقي قائلاً: " الروك والميتال بألوانها القاتمة وموسيقاها الصاخبة، مرتبطة في عمقها بالثورة، بالتمرد ومجابهة الأنظمة، لهذا حقيقة أن معظم محبي هذا النوع الموسيقي هم معارضون. هذا ليس محض صدفة وهو أمر لا يثير استغرابي".

أما "أناركاديا" وهي فرقة ميتال سورية، يعرف أعضاؤها عن أنفسهم كأناركيين (لا سلطويين)، كانت إحدى أولى فرق الميتال التي وقفت إلى جانب الانتفاضة السورية وضد نظام الأسد، مما دفعهم إلى الخروج من وطنهم خوفاً من الاعتقال وتهديدات القتل التي تلقوها من قوات الأمن مراراً.

كذلك الحال بالنسبة لفرقة الهيب هوب الفلسطينية-السورية "لاجئو الراب"، الذين أصدروا ألبوهم الثالث "زمن الصمت"، كناية عن الظلام الذي خيّم على سوريا لمدة عقود، فصدح صوتهم بالقول: "زمن السكوت انتهى من زمان ليش الظلم مرافق الانسان/ لازم تفيق وتصح من الأحلام/ وقت الصمت راح راح "بالكلام".

 

من الحرب إلى ولادة جديدة للحياة:

كل ما يحيط السوريين من حرب وقتل وتشريد وعنف، لم يوقف نبض الحياة فيهم، فقد تمكنوا في وضعهم المأساوي هذا من توجيه ما يقبع داخلهم من حزن و يأس وتوظيفه في الإبداع والابتكار.

"الخزاف أبو علي البيطار" ابن مدينة دوما الصامدة، قام باستخدام أجزاء من الصواريخ ، وقذائف هاون لم تنفجر وأغلفة الرصاص، في صنع المصابيح، عصي المشي، المراحيض، و مجموعة واسعة من الآلات الموسيقية.

https://www.youtube.com/watch?v=086d-2lFF58

" لقد خلق فني من قلب الألم والدمار"، يقول "أبو علي" في حوار له مع "سيريا أنتولد Syria untold"، ويتابع "الشعب السوري شعب ذكي، وشعب جبّار وشجاع، والعالم كله يشهد لحضارة السوري، نحنا دعاة سلام ولسنا دعاة حرب، ولا متعطشين للدماء".

اليوم، حين شارفت الثورة السورية على إتمام عامها الثالث،  لم يعد نشطاء الحراك المدني يجابهون النظام السوري وحده، بل المجموعات الإسلامية المتطرفة أيضاً كداعش وغيرها من الأطراف التي تحقق مكاسب في ظل غياب السلطة في المناطق المحررة. عروض الفن والإبداع العلنية باتت هدفاً لهذه الجماعات، التي قامت عدة مرات بمداهمة حفلات الزفاف والاحتفالات العامة لإيقاف الموسيقى والغناء.

إسكات الموسيقيين بالقوة هو جزء من محاولة النظام وهذه المجموعات المتطرفة الوليدة لفرض أجندات سياسية ودينية تتعارض مع تنوع وثراء النسيج الاجتماعي السوري، وقد كانت المقاومة الشعبية ذات موقف حازم وثابت ضد هذه الأشكال الجديدة من القمع كما كانت قبلها في مواجهة النظام.

ردد المتظاهرون ذلك بأعلى صوتهم، بدون خوف أو تردد: "داعش اخرجي من وطننا"، "داعش والأسد وجهان لعملة واحدة".

لايزال الناشطون السلميون والمبدعون السوريون بكافة تنويعاتهم: موسيقيين، رسامين، مغنين، شعراء، غرافيتيين.. يقاومون بالإبداع والكلمة الاستبداد وورثته الجدد، مصممين على بلوغ حريتهم، ولسان حالهم يقول: رغم العسكرة، الثورة بدأت سلمية وستنتهي سلمية". هذا ما قاله لسيريا أنتولد Syria untold" أحد الناشطين السلميين من تجمع "الشباب السوري الثائر"، ولذا هم يستعدون: لم يفقدوا الأمل رغم كل هذا الدمار.

 

 

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد