جلال الماغوط


لا يستطيع الماغوط تمييز اللحظات الأكثر سوءاً، إلا أن من اللحظات الجيدة التي كانت في حياته، هي مشاهدته لفيلم "قماش على مواد مختلفة" يُعرض في مهرجان "آنسي" في نفس تصنيف أفلام حيتان منتجي صناعة السينما في العالم، والأفلام المدعومة من المؤسسات الرسمية والكبرى في بلدانها. وهو ما عزز لديه الثقة على أنه مازال هناك مكان للعمل المستقل في وقتنا الحاضر الذي يسود فيه الاتجاه المؤسساتي في العمل الفني.

24 حزيران 2014

 

ولد الفنان جلال الماغوط في دمشق عام 1987. ومنذ صغره تفرّغ للعمل على مشروعه الخاص والذي تمثل بإصداره لمجلة قصص مصوّرة خاصة به، في ذلك الوقت كان نادراً ما يخرج من المنزل، مما دفع بأقاربه وإخوته إلى السخرية منه. لكنه لم يكترث وظل يواصل شغفه، لسنوات عدة، معتقداً أن هناك متابعين ينتظرون صدور العدد الجديد.

يتخذ الماغوط من الصورة بشقّيها الثابت والمتحول مواضيعه الأساسية محاولاً أن يكون نتاجه إبداعياً، لأنه يرى كما يقول لـ"سيريا أنتولد syriauntold": "العمق الوحيد فيما ينتجه معظم "الفنانين" المحسوبين على الثورة، هو في الخلل في فهم وظيفة الفن وأساليب التعبير الفني، إضافة إلى الخلط بين ما هو جماليّ وبين ما هو سياسي، لا يمكن إنكار أهمية التوثيق من خلال الفن، وأهمية استخدام الفن لمخاطبة غير السوريين، إلا أنه علينا أن نميّز أن هذه المهام حيادية جمالياً، وليست موكلة إلى الفنان نفسه، لذا لن تنتج أبداً عن فن مكرس لقضية ما، لأن هذا الأخير لن يكفل العناصر الفنية التي تجعله قادراً على لعب هذا الدور، وذلك ناتج عن عدم وجود وصفة خاصة بممارسات الفن في الأزمات، لأن العمل الفني، والفني فقط – أي غير المستلب – هو الجدير بتأدية تلك المهام الجانبية كتحصيل حاصل، وهو الذي يتعامل مع كافة المعطيات الموضوعية بنفس الآلية الإبداعية، دون السماح لقناعة إيديولوجية ما، بإغفال أحد هذه المعطيات أو تسليط الضوء على آخر دون غيره".

في فلسفة الماغوط العمل الإبداعي، أياً كان، ذو طبيعة ثورية، بالمعنى الثقافي والجمالي وليس السياسي، كما انه يرى أن تكريس الفن لخدمة أي قضية مهما بلغت من نبل، لا يعني أن النتيجة ستكون عملاً إبداعياً بالضرورة.

عمل للفنان جلال الماغوط. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك
عمل للفنان جلال الماغوط. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك

يصرخ جلال الماغوط بحنق "يمكننا ملاحظة كمية الانتهازيين التي ظهرت، وكمية الحقيقيين التي اختفت"، وبرأيه أن ما ساعد على ذلك هو نمو دور وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أتاحت لمن ليس له عمل أن يكتب وينشر في الفن والثورة، في ظل غياب الحس النقدي، وليس النقد–الغائب سلفاً – لغياب الفن والذي يتيح التمييز بعيداً عن الأدلجة، وهو ما يجعلنا نرى كيف أن طبقة النقاد والفنانين والكتاب تتكاثر الآن على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت معايير العمل الفني حسب حجم معارضته للنظام، ويمكن للمتابع أن يكتشف كيف أنه كلما احتوى العمل على عناصر أكثر مباشرة وفجاجة بعيداً عن أي قيمة فنية، كلما ارتفع "التقييم الجمالي" للعمل في نظرهم، لأنه لا يمكنه العيش بدون إيديولوجيا، أو خارج إطار "الشلة" التي تشبه مجموعات العمل الحزبية، والتي تدعم عمل اعضائها دون خجل. فالنقد عند هؤلاء ليس سوى تحيات نضالية وكليشيهات إنشائية.

ويعبر عن ذلك الماغوط مستنداً إلى إن التشوهات التي تصدر عن هؤلاء لا تبتعد عن التّشبيح أو عن تجارة الأزمات، وهو ما يُصعب علينا فهم قيام "فنان شهير" بتقديم مجموعة من الأعمال رسم فيها وجوه شهداء وبعض الجثث المجهولة بأسلوب بدائي ورديء، ثم وشّحها وزينها ببعض "طراطيش" اللون الأحمر.

وهو ما يجعله يحلم بإقناع "فناني" الثورة، بأن هناك الكثير من الممكنات عدا اللون الأحمر، لأنه يوجد العديد من الممكنات التي يمكن أن نعبر من خلالها عن العنف والدم والموت، إلا أنه الآن كما كل شيء لا يوجد أمل في ذلك.

يفضل الماغوط إطلاق على ما يحصل في سوريا اسم "ثورة"، رغم ما حدث منذ أكثر من ثلاث سنوات وحتى الآن من تصاعد دراماتيكي للأحداث والتعقيدات الدولية، وضربة الكيماوي، وظهور داعش. إلا أنه ينسف ذلك ويتخيّل الحدث التالي: "ثلاثة أشخاص نظّموا مظاهرة في أبعد قرية سورية عام 2011 فإنه حتى في هذا الحالة يكون هناك ثورة، والمؤيدين يعرفون ذلك جيداً مثل المعارضة، فالخلاف ليس على صفات السلطة الحاكمة أو على ما ارتكبته طوال خمسين عاماً، فالمشكلة الحقيقية هي أن هذا النظام مثل المافيا يعمل على بناء نظام معقد من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تضمن له البقاء، سواء من خلال المصلحة المباشرة، أو من خلال التدجين الإيديولوجي الذي يأخذ أشكالاً متنوعة حسب الشريحة المستهدفة، فيكون إما قومياً أو يسارياً أو دينياً كما اتضح في الفترة الأخيرة".

لأنه ومن هذا المبدأ لا بد للثورة من أن تكون تطوراً تسلسلياً لطبيعة الأشياء، وهي إن لم تحدث في عام 2011 كانت ستحدث لاحقاً. إذ ولنفس السبب لا يمكن للثورة أن يكون لها غير الاحتمال الذي تظهر فيه، وهذا رد على من يقول أنه مع الثورة بالمبدأ إلا أنه ليست هذه الثورة التي كان ينتظرها. وهو ما يجعله يصر على أن الثورة منحته التحرر والأمل والإيمان بالوطن، على الرغم من ظنه بأن هذا السؤال يخصّ الحركة التصحيحية المجيدة.

لا يستطيع الماغوط تمييز اللحظات الأكثر سوءاً، إلا أن من اللحظات الجيدة التي كانت في حياته، هي مشاهدته لفيلم "قماش على مواد مختلفة" يُعرض في مهرجان "آنسي" في نفس تصنيف أفلام حيتان منتجي صناعة السينما في العالم، والأفلام المدعومة من المؤسسات الرسمية والكبرى في بلدانها. وهو ما عزز لديه الثقة على أنه مازال هناك مكان للعمل المستقل في وقتنا الحاضر الذي يسود فيه الاتجاه المؤسساتي في العمل الفني.

في فيلمه "قماش على مواد مختلفة" ينسف النظرة المكرسة نحو طائر الغراب بوصف نذير شؤم، وكما يرى "لو سلّمنا بالنّظرةِ التقليديّةِ للغراب، وسطَ هذا الخراب المُحيط، سوف نجدُ أنّه من الواقعي للغاية أن نستجدي الأملَ والخلاص من أيّ شيء، حتّى من هذا المخلوق المشؤوم. من الآن فصاعداً، لن يجمع الغرابُ الأشياء اللامعةَ.. بل إنّ الأشياءَ اللامعة ستسلكُ طريقَها من تلقاءِ نفسِها إلى ذلكَ المكان المهجور، لن تُصيبَ أهدافها بعدَ اليَوم. ستمضي بنفسِها إلى بقعةٍ مُظلمة و بعيدة، لتستمرّ الحياة".

لمتابعة أعمال الفنان على صفحته الشخصية على الفيسبوك، يمكن الضغط هنا.

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد