بعد "تحرير" مدينة منبج بشهرين ولدت صحيفة "المسار الحر" بتاريخ 3 / 9 / 2012، لتكون من أوائل الصحف الصادرة في الريف الحلبي، ودليلا على أن كسر جدار الاستبداد يتوازى مع تحرر إرادة المجتمع ومواهبه الحرّة.
يقدم كادر "المسار الحر" الصحيفة لـ "سيريا أنتولد Syria untold"، بأنها "صحيفة سياسية فكرية ثقافية .. تسعى لنشر الوعي والمعرفة عبر رسالة إعلامية هادفة ورائدة على مستوى سوريا".
ولدت الصحيفة من رحم الأسئلة الكبرى التي طرحها على الجميع تحوّل الثورة إلى السلاح، حيث وجد كادر المجلة أنه لا بد "من إعادة تفعيل مؤسسات المجتمع المدني و الصحافة الحرة لتكون البوصلة الناظمة و القوة الفاعلة التي تضبط عمل الثورة و تصوبه. لاسيما وأن المواطن السوري كان يعيش حالة من التصحر السياسي و الفكري، فغابت المعلومة وانتشرت الإشاعة و ساد المشهد السياسي حال من القلق والخوف والترقب".
هذا الواقع المضطرب دفعهم للتفكير بمسؤولياتهم كناشطين وإعلاميين ونشطاء في المدينة، فجاءت فكرة تأسيس الصحيفة لتلعب "دور الموّجه والمصحح لمسار الثورة في المدينة. سيّما وأن المدينة كانت تعيش حالة من الفوضى و الانفلات الأمني نتيجة للفراغ الذي خلفته قوات النظام بعد انسحابها".
أغلب المواد الصحفية التي تقدمها الصحفية هي ذات طابع سياسي كالأخبار و التحليل السياسي و مقالات الرأي. وأيضا هناك جزء اجتماعي من خلال التحقيقات الأسبوعية التي تناقش مشاكل وهموم المواطن، كما لا تخلو من المواد الفكرية والثقافية والرياضية من خلال تخصيص زوايا ثابتة (قصص – خواطر – شعر – مقالات فكرية – كاريكاتور – تعريف بشخصيات أو أماكن- صفحة أخبار رياضية ) .
ويتم اختيار المواد المنشورة في الصحيفة بناء على مدى التأثير على مصالح الجمهور ومدى الاهتمام و أهمية الحدث مع مراعاة المعايير المهنية الصحفية .
تعمل الصحيفة على نشر الوعي و المعرفة لتوسيع الأفق والوصول إلى تحقيق أهداف الثورة السورية في الحرية والعدالة والكرامة فضلا عن تعزيز قيم المساواة والمواطنة لدى الجمهور، كما كان لها دور كبير في تسليط الضوء على مكامن الضعف والخلل على مستوى الإدارة في المدينة من خلال نقد الممارسات السلبية للفصائل العسكرية والقوى الثورية.
الصحيفة الآن متوّقفة عن العمل نتيجة لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" على المدينة , حيث يتمنى كادر العمل التحرر من داعش و سقوط النظام للعودة إلى العمل، لأن الصحيفة "أحدثت تغيّراً كبيرا في مستوى الوعي لدى الجمهور وكانت منبراً حرا لهم".
منذ انطلاقتها اعتمدت الصحيفة على تمويل ذاتي من خلال تبرعات كادر العمل وبعض القراء, إلا أنها كانت لا تغطي مصاريف الطباعة والورق والمصاريف الأخرى كما أن جميع الصحفيين والمراسلين والمكتتبين كانوا يعملون بشكل تطوعي مما ساعد على استمرار العمل حتى العدد الرابع والعشرين، حيث قامت مؤسسة "سمارت لدعم الإعلام الحر" بتوقيع عقد تعاون مع الصحيفة تكفلت فيه بالطباعة المجانية للأعداد في مطبعتها الخاصة، كما تكفلت بتقديم مبلغ شهري لتغطية المصاريف الأخرى وكان التعاون بناء ومثمر, إذ كفل للصحيفة الحرية الكاملة في سياستها التحريرية فيما لا يتعارض مع أهداف الثورة السورية.
وفي تقييمهم للإعلام البديل الذي ولد بعد الثورة وهم جزء منه، يقول كادر الصحيفة لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold" أن الإعلام السوري البديل وخصوصاً المطبوعات الورقية، تعاني "من إرهاصات كثيرة, فعلى مدى ثلاث سنوات من عمر الثورة لم تستطع المشاريع الإعلامية الخروج عن دائرة الممول الخارجي و إثبات نفسها كمشاريع مستدامة"، إضافة إلى أن معظم "الصحف من القطع الورقي صغير الحجم (A3 ) توّزع في نطاق ضيق لا يتجاوز عدد قراءها المئات، مع تراجع ملحوظ مقارنة ببداية الثورة", إضافة إلى ولادة كم كبير من الصحف مما جعل "مستقبل المطبوعات في خطر كبير" كما يقولون، ناهيك عن ظروف الحرب التي منحت مواقع التواصل الاجتماعي و المواقع الإخبارية الالكترونية أولوية في النفاذ من حيث سرعة الخبر و توفر الخدمة على نطاق واسع، متوّقعين أن المرحلة القادمة ستشهد توقف الكثير من الصحف عن العمل لأنها تأسست لتكون مرحلية أو تنطق باسم تيار سياسي، في حين ستتجه الصحف القوية منها نحو الاستقلال أو "البحث عن شراكة أو اندماج لتكون قادرة على الاستمرار في ظل تدهور الوضع الاقتصادي وغياب المورد الإعلاني".
"المسار الحر": حلم ناشطين سوريين سعوا لتجسيد حريتهم بمسؤولية واقتدار قبل أن يتوقفوا عن العمل بسبب سيطرة داعش، لنكون أمام حلم انكسر أمام واقع لم يتخيله هؤلاء النشطاء يوما، ومع ذلك لا زالوا يراهنون على مقاومتهم للعودة إلى إطلاق الصحيفة من جديد.