ربما يكون "منتدى تل أبيض للمجتمع المدني" هو المنظمة المدنية الوحيدة التي ولدت من رحم العسكرة في سوريا حتى الآن، إذ ولدت كحاجة موضوعية لتئد الفتنة بين مكونات عسكرية متصارعة ومتضاربة في منطقة تل أبيض المعروفة بتنوّع مكوناتها (كورد وأرمن وتركمان وعرب)، فبعد خروج قوات النظام من المدينة التي يطلق عليها الكرد السوريون اسم "كري سبي" وقعت المدينة تحت سيطرة كتائب تابعة لـ "لجيش الحر" ذات مكونيين عربي وتركماني، مما أدى لا حقا لحصول صدام بين الأخيرة و وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي المعروف بكونه جناحا سياسيا لحزب العمال الكردستاني، كامتداد للصراع القائم بين الطرفين والذي بدأ في مدينة "سري كانييه – رأس العين" وامتد في المدينة، ليتحرك النشطاء المدنيون ويعملون على وأده، ليقوم الناشطون بعدها مباشرة بالدعوة لمهرجان "فسيفساء تل أبيض" كمنطلق للحوار بين مكونات المجتمع السوري في تل أبيض، حيث جاء تحت عنوان "من أرض وحدة خلينا نعمرها سوى" ، وبأربع لغات ( العربية ، الكوردية ، التركمانية ، الأرمنية : ليكون معبرا بحق عن كل مكونات المدينة، لتولد المنظمة من رحم كل ما سبق متخذة من شعار المهرجان شعارا لها منذ تاريخ 18 أيلول 2012.
تهتم المنظمة بثلاثة مسائل أساسية هي المجتمع المدني والعدالة الانتقالية والسلم الأهلي، مركزة نشاطاتها حول إقامة لقاءات تشاورية بين مكونات مجتمع السوري و ورشات تدريبية و توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، حيث وثق أعضائها انتهاكات تنظيم داعش في تل أبيض وريفها، حيث يحدد المنتدى نشاطاته وفقا لاحتياجات المجتمع المدني في المنطقة، ولهذا أوجد خمسة لجان هي: لجنة صناعة السلام، لجنة المرجعية المعرفية، لجنة الحوكمة، لجنة التنمية والإغاثة، لجنة التواصل والإعلام، وذلك لأجل النهوض "بمطالب وحاجات المجتمع في التنمية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية وتوليد فضاء اجتماعي متفاعل حضارياً وإنسانياً ومندمج عالميا" كما يقول أحد مؤسسي المنتدى لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".
حددت المنظمة أهدافها في نظامها الداخلي بتسع، هي:
1- توحيد جهود الأعضاء ذوو الاختصاصات المتشابهة, لتحقيق أهدافها بالوسائل السلمية والديمقراطية .
2- التدخل في حل المشاكل وفض النزاعات محليا وفي المناطق المجاورة .
3- تطوير كفاءة و قدرات الأعضاء في المنتدى, ليأخذوا دورهم في بناء وتطوير المجتمع .
4- نشر المفاهيم (المجتمع المدني ، العدالة الانتقالية ، السلم الأهلي ) بجميع الوسائل الممكنة .
5- المساهمة في تحسين الواقع الخدمي والبيئي والاجتماعي والثقافي في المنطقة.
6- عمل الدراسات والبحوث لتطوير عمل منظمات المجتمع المدني والنهوض بها لمواكبة المجتمعات المتقدمة.
7- إدانة وفضح كل الممارسات الخاطئة التي تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقوانين والمواثيق الدولي والأعراف والتي تمس المواطن السوري أينما وجد وصون كرامته.
8- نشر ثقافة حقوق الإنسان والتعريف بالحريات العامة والحقوق المدنية.
9- التنسيق والتواصل والتعاون مع كافة وسائل الإعلام المحلية والعالمية .

المنتدى الذي نفذ أغلب نشاطاته وحيدا في البداية هو اليوم جزء من التحالف المدني السوري "تماس"، وممثلهم فيه هو المهندس ابراهيم مسلم، معلنا أن مشاركته الآخرين لنشاطاتهم يكون بقدر ما يتوافق الأمر مع هدفهم المحدد بـ "تحقيق التشاركية في بناء دولة المؤسسات وإفراز قيادات مدنية وسياسية معبرة عن طموحات المجتمع السوري".
لا يربط المنتدى الذي يموّل نفسه ذاتيا عمله بسقوط نظام الاستبداد، لأنه يعتبر أن " آثار النظام ستبقى حتى بعد سقوطه. أربعين عام من حقبة النظام بحاجة إلى مزيد من العمل حتى يتم بناء المجتمع وتطويره"، وهو ما حصل حين أدى اهتزاز النظام في مناطق كثيرة من سوريا إلى ظهور "داعش" و مناطق نفوذ لحزب العمال الكردستاني وغيرها، وهو ما اضطر المنتدى لنقل أعماله من مدينة تل أبيض إلى مدينة أورفا التركية هربا من داعش.
"منتدى تل أبيض للمجتمع المدني": ثمرة مجتمع لا يريد لنفسه أن يقع في براثن الطائفية والحرب الدائرة أو الاستبداد، لذا يقاوم على طريقته كل ما من شأنه أن يدفع نحو الهاوية، آملين أن يضع منتداهم لبنة في بناء دولة الحرية والكرامة التي ينشدون.