حزب الاتحاد الديمقراطي: نتاج ثوري أم وريث الاستبداد؟


23 تموز 2014

 

"حزب الاتحاد الديمقراطي إجرام كإجرام البعث، مجازر، قتل، تعذيب، اعتقال خطف تهجير"، "pyd أبعدت الشرفاء الكرد عن الثورة"، و" pyd هذه العصابات ما هي إلا نموذج إجرامي لمجرمي البعث ولمجرمي الأسد ولكن بتسمية مختلفة"...

اللافتات السابقة ليست ضد النظام المستبد أو ضد تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية (داعش) أو جبهة النصرة أو الكتائب الإسلامية المسلحة التي ورثت الاستبداد في المناطق التي رحل عنها النظام، بل رفعت ضد وريث جديد/ قديم أُشير له بوضوح في اسم جمعة 27/6/2014 التي جاءت تحت شعار "حزب الاتحاد الديمقراطي إجرام كإجرام البعث"، حيث تربط الشعارات بين الاستبدادين  البعثي و"الديمقراطي الكردي"، في الوقت الذي  يرى فيه البعض أن الحزب يعمل لثورة الكرد الخاصة في حين يراه آخرون وريثا سيئا للاستبداد في المناطق الكردية، فما هي الحكاية؟ ومن هذا الحزب؟ وما قصة هذه اللافتات التي تشبه ما رفعه  السوريون يوما ( ومازالوا) ضد نظام البعث وداعش؟

في الوقت الذي لا تزال معتقلات الأسد تمارس أقصى أنواع التعذيب بحق المعتقلين الذين يغادرون إلى الموت تباعا تحت يافطة "شهيد تحت التعذيب" نقرأ خبرا أوردته صفحة " بدنا المعتقلين" يقول: " الرحمة للشهيدة.....شهداء تحت التعذيب. نجمة أحمد السعيد من تل خلف -رأس العين –الحسكة. استشهدت تحت التعذيب على أيدي شبيحة حزب العمال الكردستاني بعد اعتقالها لمدة شهر. الرحمة للشهيدة والصبر والسلوان لذويها. (تعددت الأيدي والأماكن ...والنتيجة واحدة)" لينضم إلى قافلة كثيرة من الانتهاكات والاعتقالات والتعديات التي يقوم بها الحزب المذكور في المناطق التي سيطر عليها بعد انسحاب النظام منها، إلى درجة أنه أصبح لدى بعض الناشطين قوائم بانتهاكات الحزب وجرائمه وعدد المعتقلين له وعدد الحالات التي اعتدى فيها على إعلاميين ونشطاء ومدنيين، كما هو الأمر لدى داعش والنظام في آن.

من هو pyd؟

تأسس حزب الاتحاد الديمقراطي ( (pydعام 2003 كجزء من اتحاد الجاليات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني الذي يعتبر الحزب الأم لكل الأحزاب الفرعية له في سوريا والعراق وتركيا وإيران، حيث يعتبر الحزب المعني (byd) الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني في سوريا.

لافتة يرفعها طفل في مدينة سقبا بريف دمشق ضد حزب الاتحاد الديمقراطي. المصدر: صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد على الفيسبوك
لافتة يرفعها طفل في مدينة سقبا بريف دمشق ضد حزب الاتحاد الديمقراطي. المصدر: صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد على الفيسبوك

كان للحزب الأب (حزب العمال الكردستاني) بقيادة زعيمه المسجون اليوم في تركيا ( عبد الله أوجلان) علاقة قوية ووطيدة مع نظام الأسد الأب الذي سمح له باستخدام الأراضي السورية ضد الأتراك في إطار سياسة حافظ الأسد الرامية إلى إحداث توازن قوة بوجه الأتراك الذي يسعون للاستحواذ على مياه الفرات في ثمانيات وتسعينات القرن الماضي، حيث سُمح للحزب بفتح معسكرات تدريب في سوريا والمناطق التي كان يهيمن عليها النظام السوري في لبنان، ناهيك عن ترك مساحة حرية له لتجنيد الأكراد السوريين للقتال في تركيا. وقد بقي الأمر قائما إلى حين هددت تركيا سوريا بشكل مباشر عام 1998، طالبة إيقاف نشاط الحزب بشكل نهائي وحاسم، فرضخ الأسد الأب وغادر "أوجلان" سوريا في رحلة انتهت به إلى الوقوع في يد الاستخبارات التركية، تبعها تضييق على الحزب المعني في سوريا وإغلاق معسكراته وانتقال مقاتليه إلى تركيا وجبال قنديل في العراق.

 

الحزب وبدايات الثورة:

 

عاد الحزب للعمل بشكل سري في سوريا، حيث شكّل حزب "الاتحاد الديمقراطي" كذراع له في سوريا عام 2003. إلا أن انخراط الحزب المعنى في انتفاضة الكرد عام 2004 وتأييده لها بشكل رسمي جعله بمواجهة نظام الأسد الذي شن حملة شعواء ضده أدت إلى تجفيف كوادره في سوريا، وبقي الأمر كذلك إلى أن اندلعت الانتفاضة السورية عام 2011، حيث فوجئ الجميع بالحزب كجزء من هيئة التنسيق الوطنية المعارضة في سوريا، وبعودة مقاتلي الحزب وكوادره والأهم زعيمه "صالح مسلم" إلى سوريا، حيث ربط البعض هذه العودة بأنها تأتي بالتنسيق مع النظام السوري ورأى آخرون أنها نتاج طبيعي لتفكك قوة النظام تدريجيا، حيث يقول الإعلامي "يلماز حاج حسن" لموقعنا أن "حزب الـ pyd هو حزب جديد ولم تكن له أي سلطة أو أي وجود ولا في أي منطقة يتواجد فيها الكورد على أرض سوريا قبل الثورة. إن الـ pyd ومن خلال تشكيل الميليشيا المسمى بالـ ypg وتأمين سلاحها بهذه السرعة وبدون أن يكون لـ pyd أي مصدر تمويل ولا سيما أنه حزب جديد فهذا دليل دامغ على حصوله على سلاحه الخفيف من مسدسات وأسلحة رشاشة ليست سوى دعماً من نظام بشار الأسد".

المعطيات التي حصلت على أرض الواقع كانت تزيد الشكوك يوما بعد يوم بشأن وجود علاقة بين الحزب والنظام السوري، خاصة بعد أن سيطر الحزب على كل الأماكن التي تركها النظام من خلال ذراعه العسكري التي يطلق عليها قوات حماية الشعب (ypg)،  ومنع المعارضة السورية المسلحة من استخدام تلك المناطق عسكريا ضد النظام، و بدأ يضع مشروعه في الإدارة الذاتية موضع التنفيذ دون معارضة النظام الذي لم يتوقف عن قصف كل مكان تستولي عليه المعارضة! متبعا الأمر ببقاء قوات النظام في مراكز المدن التي يهيمن عليها الحزب المعني مثل القامشلي والحسكة، مع وجود معلومات تقول بأن ثمة تنسيق عسكري واضح المعالم بين النظام والحزب المعني الذي بدأ يؤسس لمؤسسات وجيش وشرطة خاصة به، استخدمت لتواجه الناشطين والإعلاميين وكل من يحتج ضده،إذ  وصل الأمر حد إطلاق النار على المتظاهرين ومنع سقوط تماثيل الأسد، إذ يقول يلماز أن "الـ pyd حتى هذه اللحظة لم تقم بأي مظاهرة ضد نظام الأسد في أي منطقة كوردية ولم تحمل شعاراً واحداً تدل على عداوتها لنظام بشار الأسد، بل على العكس تماماً فهي تقوم بحماية تماثيل المقبور (حافظ الأسد) والساقط (بشار الأسد)، ويتجلى الأمر أيضاً في نقط التفتيش بين الـ pyd ونظام بشار والتي لا تبعد عن بعض (في بعض الأحيان) سوى 50 متراً وهو ليس بالأمر الجديد ، وليس خفياً على أحد".

 

ممارسات شبيهة بممارسات الاستبداد:

ما سبق أتبع بسلسة من الاعتداءات والانتهاكات التي ذكرت السوريين ( كردا وعربا) بتصرفات النظام السوري، من اعتقال وسجن وتضييق على الحريات السياسية والإعلامية، وقد كنا توقفنا في "سيريا أنتولد Syria untold" عند أحدها، و في تاريخ "27/6/2013  قامت ميليشيا الـ pyd من المسلحين بإطلاق النار العشوائي على مظاهرة مطالبة بإسقاط نظام بشار، حيث سقط آنذاك 6 شهداء وأكثر من 20 جريحاً وما لا يقل عن 80 معتقلاً" كما يقول يلماز.

لافتة مرفوعة في مدينة عامودا تتضامن مع إذاعة آرتا بعد أغلاقها من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي. المصدر: الصفحة الرسمية للإذاعة على الفيسبوك
لافتة مرفوعة في مدينة عامودا تتضامن مع إذاعة آرتا بعد أغلاقها من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي. المصدر: الصفحة الرسمية للإذاعة على الفيسبوك

وهو أمر يؤكده المتحدث الرسمي باسم مركز توثيق الانتهاكات في سوريا  "بسام الأحمد" إذ يقول "جميع النشاطات المدنية في المناطق الكردية تأثرت بسياسة الحزب وتمّ منع العشرات من الصحفيين من العمل، وإغلاق العديد من القنوات التي كانت تنشر أخبار لا تتناسب مع "سياسة" الحزب، وتم الاعتداء على العديد من النشطاء وخاصة الصحفيين منهم"، إلا أنه بذات الوقت يرفض تشبيه الـ "byd" بالنظام أو داعش، لأنه "من حيث حجم الانتهاكات لا يمكن المقارنة بين الطرفين"، لأن "النظام متوّرط بمعظم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا. وداعش ارتكبت مئات الانتهاكات. و التقرير الأخير لمنظمة هيومان رايتس وتش حول pyd وانتهاكاته. طبعا لم تكن ترقى لا من حيث النوع ولا الكمية إلى انتهاكات النظام أو داعش".

ولكن تراكم هذه الانتهاكات أوصل الأمور إلى حد رفع الصوت عاليا ضد انتهاكات الـ "byd" في جمعة شعار "حزب الاتحاد الديمقراطي إجرام كإجرام البعث"، حيث ربط الناشطون بين حكم البعث المستبد الذي ثاروا عليه وحكم الحزب الجديد الذي يسعى لوراثة الاستبداد في المناطق الكردية لإعادة تشكيله من جديد، الأمر الذي دفعنا في "سيريا أنتولد Syria untold" للاستماع إلى رؤى وأفكار ناشطين عما يحصل، وعما إذا كان هذا الربط بين الاستبدادين أمر واقعي أم أنه نوع من التجني!

ضمن هذا السياق عرض موقعنا الصورة التي تربط بين نظامي البعث وداعش على عدد من النشطاء ليعطوا رأيهم فيها، حيث قال "يلماز" أن "تصرفات وسياسات الـ pyd وميليشياته من الـ ypg ليست إلا مياه فاسدة من المجاري النتنة التي فتح لها هذا المجرى آلات وآليات نظام بشار الساقط" وهو ما يعني موافقته الواضحة على أن ثمة تشابه وتماهي بين الحزب والنظام، وهو ما يوافقه عليه الناشط "جيفارا نبي" من "تنسيقية التأخي" إذ يقول: "نستطيع القول أنهم تنظيم شمولي ما يزال ينسق مع الأسد من جهة والمعارضة من جهة أخرى لضمان مصالحه ويعرف الاستفادة من بروباغندا داعش ليحكم قبضته على المناطق الكوردية"، في حين يخالفهم الرأي جزئيا "بسام الأحمد" إذ يقول: "الصورة فيها الكثير من الانحياز والتسييس بغض النظر عن موقفي من هذا الحزب، ولكن كوني ناطقاً باسم مركز توثيق الانتهاكات في سوريا فالمعيار عندنا هو مدى وحجم الانتهاكات التي يرتكبها طرف ما خلال هذا النزاع".

لافتات مرفوعة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي في مدينة إدلب. المصدر: صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد على الفيسبوك
لافتات مرفوعة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي في مدينة إدلب. المصدر: صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد على الفيسبوك

ولكن لمدير برنامج التوعية الحقوقية للمجتمعات المحلية (أنس حسن) في مركز "التآخي  Biratîللديمقراطية والمجتمع المدني" الذي نظم حملة "لا للتعذيب أينما كان" التي تعاملت مع الحزب المعني رأي مختلف نسبيا إذ يقول لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold": "في الحقيقة نحن تواصلنا مع الأسايش قيادةً وأفراد, وبالمجمل نحن نراهم أفراداً تنقصهم الخبرة الحقوقية والميدانية كونهم مؤسسة لم يتجاوز عمرها السنة, وبالتالي في تعاملنا مع هذه المؤسسة نحاول تعريفهم بالحقوق" مؤكدا لنا أن  السيد "حاج حسن عبدالخليل" الذي يرأس المركز العام لأسايش سرى أكد استعدادهم للكشف عن "سجونهم وآليات التحقيق المتبعة لديهم لأي جهة حقوقية محايدة ترغب بذلك" والكلام هنا لأنس.

خطر على الثورة:

رغم هذه التباينات إلا أن ثمة إجماعا على أن الحزب يقوم بانتهاكات باتت تشكل  خطرا على الثورة السورية من جهة وعلى السوريين ( كردا وعربا) من جهة أخرى، إذ يقول "يلماز" أن "الـ pyd يشكل خطراً على الكورد السوريين من حيث أنهم مواطنون سوريون. من خلال تشكيكهم بأي مواطن كوردي سوري وبوطنيته واتهامه بالخائن والعميل (للخارج) فيما لو أعلن تأييده للثورة، ومن هنا كانت سياستهم النازية بقتل الشريحة المثقفة والمؤثرة في آراء الكورد السوريين" ساردا العديد من التصرفات التي تدعم وجهة نظره، مثل قيام الحزب المعني "بتشكيل 3 حكومات في مناطق الكورد السوريين في كل من الجزيرة وعفرين وكوباني" في أول "تقسيم للديموغرافية الكوردية والسورية على حد سواء"، بهدف الاستحواذ على "تعاطف الناس السذج وكسب تعاطفهم ولتبيان أن الكورد أصبحوا خارج سيطرة نظام الأسد (وهو ما يمكن أن يطلق عليه اسم التمثيلية أو المسرحية المكشوفة). ناهيك عن فرضه أتاواته على الشعب الكوردي من خلال مشروع قانون يقوم بتحضيره للتجنيد الإجباري للشباب الكورد في المناطق الكوردية، وهو ما ينافي قواعد الحرب في تجنيد المواطنين العزل ممن لا يودون التدخل في الحروب".

 

ضعف المقاومة ضد الـ byd:

رغم هذه الانتهاكات ورغم الجمعة التي أعلنت الحزب شريكا للاستبداد السوري، إلا أن آليات المقاومة ضده ضيقة و غير فعالة على الأرض، إذ أغلبها محصور بالنطاق النظري الإعلامي واللافتات المرفوعة على عجل، إذ يقول يلماز: "ليست هناك أي أعمال مخصصة مباشرة لمعاداة حزب الـ pyd وميليشياته من الـ ypg، ولكن هناك مطبوعات إعلامية تقوم في بعض أعدادها بالإفصاح عن عمالة الـ pyd والـ ypg على الملأ ونشر بعض الحقائق المسربة، ونشر مقالات وآراء لبعض المثقفين العرب والكورد، كما توجد 3 راديوهات تأسست حديثاً تحاول الـ bydجاهدة تغيير مسارها الثوري لصالح سياستها وتضيق الخناق على كوادرها مثل (ردايو شبكة نوروز)، وعلى حد علمي هناك خطوة سيتم إعلانها في القريب وهي خطوة باتجاه جمع انتهاكات الـ pyd والـ ypg في ملف خاص وإرساله إلى محكمات دولية لتسليم القتلة إلى العدالة".

لافتة تندد بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وتماهي بينه وبين نظام الاستبداد. المصدر: صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد على الفيسبوك
لافتة تندد بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وتماهي بينه وبين نظام الاستبداد. المصدر: صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد على الفيسبوك

ويوافق "جيفارا نبي" يلماز حين يعترف قائلا "لم نستطع البدء بثورة ثانية في المناطق الكوردية لاحقآ بسبب العقلية العنفية المسلحة لدى أنصار الحزب. كان من الممكن جدا أن تلد ثورة ضد هذا التنظيم بكافة مرتكزاته كونه خرجنا بالعديد من المظاهرات ضده لكنّه نجح كما حليفه النظام بالاستفادة من الصراعات مع الجماعات الإرهابية , وتخويف الكورد من بعبع داعش" إذ يبدو في نهاية المطاف أن هذه الاستبدادات الثلاث رغم ما بينها من صراعات وتفاوتات في حدة وحجم الانتهاكات تتفق أو تتساند ( حتى وهي تتصارع) على وأد الحرية التي حلم بها السوريون.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد