أثارت زيارة المعارض السوري كمال اللبواني إلى إسرائيل سجالا حادا وعنيفا بين السوريين على صفحات التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية كافة، إذ لم يكد ينتشر فيديو الزيارة الذي يتحدث فيه اللبواني لوسائل الإعلام الإسرائيلية حتى انهالت بوستات وتغريدات السوريين تستنكر الزيارة وتندد بها، معتبرة أنها تصب في نهاية المطاف بخدمة الأسد الذي طالما اتهم المعارضة والثورة بأنها ذات أجندة إسرائيلية أمريكية.
نظرا للمكانة التي يحتلها الصراع العربي الإسرائيلي في وجدان السوريين، امتازت ردود فعلهم بالقسوة الحادة تجاه الرجل الذي لم يعرف كيف يستقر على رأي منذ خروجه من المعتقل، إذ لطالما كان إشكاليا منذ لقائه جورج بوش عام 2005 ليعود ويعتقل من المطار قبل أن يفرج عنه بعد أشهر من انطلاق الثورة، ليؤيد السلاح أولا ثم الكتائب الإسلامية الجهادية ثانيا وليدافع عن "داعش" آخرا، الأمر الذي دفع المعارض "حازم النهار" للقول: " هناك نمط من البشر لا يمتلك أي رؤية، أو حتى مجرد فكرة، بخصوص أي شيء، أي لا يملكون إلا دماغاً فارغاً، إنما يركبهم هاجس وحيد في الحياة هو بقاء أسمائهم في الساحة، لذلك كلما شعروا أن الناس نسيتهم يقومون بسلوك ما أو يتخذون موقفاً ما بقصد إدهاش الآخرين وعودة أسمائهم إلى الساحة لا أكثر ولا أقل، لذلك من غير الحكمة أبداً مناقشة سلوكات ومواقف هؤلاء البشر من حيث صوابها أو خطئها"، في حين قال الكاتب وائل السواح: "لا ينبغي أخذ كمال اللبواني على محمل الجد. أمس كان من أكبر مؤيدي داعش، اليوم ذهب إلى هرتزليا لمكافحة داعش: ليس على المريض حرج".
الخيانة والوضاعة والصهينة والانحطاط، هي عينة من المفردات التي وصف بها السوريون والناشطون اللبواني، إذ قالت ريم تركماني "أخيراً ذهب كمال اللبواني إلى المكان الذي يتناسب مع وضاعته: إسرائيل. الزبداني ( مسقط رأسه) كانت شرفاً لا يستحقه" في حين قال بدر منصور "من ماركسي إلى إسلامي معتدل إلى متطرف إلى متصهين. هذا هو اللبواني"، في حين دعت الناشطة "مارسيل شحوار" إلى محاكمة اللبواني بعد الثورة إذ قالت: " أنا مع محاكمة كمال اللبواني بتهمة الخيانة ( بعد سقوط بشار الأسد )، وقال الكاتب "عبد الله أمين الحلاق": "كمال اللبواني.. لا قعر لانحطاطكَ، أيها المنحط".
https://www.youtube.com/watch?v=M7wjlDcj2ro
وقد وجدت الزيارة صدى سلبي لدى بعض التجمعات الثورية على الأرض، حيث رفع تجمع أنصار الثورة لافتة في حمص كتب عليها: " كمال اللبواني.. اسمع لبشار لم نركع وللصهاينة لن نركع".
زيارة اللبواني فتحت موضوع العلاقة بين المعارضة والوطنية أيضا، إذ بيّن الحدث أن ليس كل معارض لنظام الأسد هو بالضرورة وطني كما رأى بعض السوريين، حيث قالت "أرواد الهنداوي": "مو كل معارض لنظام الأسد يعتبر وطني. ومو كل معارض لنظام الأسد يعتبر ابن الثورة". وهو ما بيّنه بطريقة أخرى الكاتب "دلير يوسف" حين قال: "وهنا أورد ما قاله عمو نيلسون مانديلا حريتنا منقوصة إن لم يتحرر الفلسطينون" في دلالة على ضرورة الربط بين الوطني والقومي.
ولكن من جهة أخرى، البعض رأى في خطوة اللبواني شجاعة رغم رفضهم للخطوة بذاتها، معتبرين أن انسجام الرجل مع نفسه أمرا يحسب له إذ قال الصحفي إياد شربجي "بغض النظر عن موقفي من ذهابه لإسرائيل، إلا أنني لا استطيع إلا أن أحيي شجاعة هذا الرجل ووضوحه وصراحته، في الوقت الذي يفعل آخرون من المعارضة أكثر من ذلك في الخفاء ثم يبيعوننا الوطنيات على العلن" داعيا السوريين للتفكير "بالقصة بعقل بارد، لو ربحنا الثورة من أول يوم وبقي الجيش السوري بكامل عافيته حنقدر يا ترى نحرر شبر واحد من الجولان، فكيف هلأ بعد ما اتدمر الجيش و البلد؟ وهل لنا مصلحة باستمرار حالة العداء مع إسرائيل للأبد واستنزاف ما تبقى من مقدرات هذا البلد والشعب المحطم في المجهود الحربي بانتظار مزيد من الحروب والدمار"، وهو الأمر الذي دفع محمد الاسكندر للتعليق على صفحته بالقول بأن "الإسرائيليين والأمريكان عملوا كل ذلك ليوصلك أنت وأشباهك ممن يدّعون العروبة إلى هذه الخانة وها أنا أراهم نجحوا بما يسمّى كمال اللبواني وهو ناقص جدا بل هو عدم .. إنهم عندما عجزوا عن إركاعنا بأساليب الحرب فهم الآن يركعوكم بطريق السلم .. واللبواني هناك وأعتقد بأنك ستلحقه قريبا"، الأمر الذي دفع "شربجي لكتابة بوست آخر ينفي فيه موافقته على زيارة اللبواني قائلا أن "إسرائيل عدو وتبقى عدوا لحين توقيع اتفاقية سلام معها بموافقة الشعب السوري" وهو الأمر الذي أعاد فتح السجال مرة أخرى ولم ينته بعد نظرا لحساسية المسألة وجذورها التاريخية ليس في سوريا فحسب، بل في العالم العربي كله.

المثقفون بدورهم انتقدوا ما قام به اللبواني وبحدة، إذ قال "خلدون النبواني"أنا بالكامل ضد زيارة اللبواني لإسرائيل بل أشعر بالقرف من هذا الإمّعة حدود الأقياء. ليس من باب التعصب ضد إسرائيل وليس من باب القوميّة العربية أو خلايا الممانعة النائمة في دمي والتي صحيت فجأة أقول هذا. يمكن في يوم من الأيام برأيي التفاوض مع إسرائيل بقصد السلام، لكن التفاوض يكون بين أطراف متساوية في القوة. ماذا يمتلك اللبواني من مصادر القوة ليزور إسرائيل؟ ماذا يمكن للأرنب أن يقدّم للضبع سوى اللحم المجاني الرخيص؟ ليس أسوأ من بشار الأسد على وجه الأرض سوى الكثير من شخصيات "المعارضة" الرخيصة"، في حين اعتبر المعارض والسجين السياسي السابق "وليد البني" أن "ما قام به كمال لبواني تجاه من يحتل الجولان ويشرد نصف مليون سوري، تجاه من ليس له مصلحة بنهضة الشعب السوري وخلاصه من الاستبداد والإرهاب، تجاه من دعم دائما كل ما يعيق الانطلاقة الحضارية السورية، لا يمت للسياسةً ولا الواقعية ولا الوطنية ولا الشعب السوري بصلة، لو لم أكن أعرف تهوره وعدم اتزانه لجزمت أنه عميل".
وبدوره، شكر المعارض والسجين السابق "محمد الصالح" كمال اللبواني بسخرية، إذ قال: "شكرا كمال, أرجو أن يفعل الجميع فعلتك, ويتجه كل مزاود إلى معلمه وبهذا الوضوح وهذه الوقاحة مما يوفر على السوريين الكثير من الغربلة" التي يبدو أنها بدأت لتكشف للسوريين ما كانوا يخشونه، حيث كشفت الزيارة أن ثمة "وجهات نظر" بدأت تنمو هنا وهناك حول إسرائيل والموقف منها، والأهم أنها أظهرت أن هناك خلافا حادا بالرأي بين العرب والأكراد السوريين حول إسرائيل ولعل هذا أهم ما كشفته الزيارة وهو ما سنسلط الضوء عليه قريبا.