لقاح الموت: تعددت الأسباب والموت واحد


17 أيلول 2014

 

تعدّدت الأسباب والموت واحد.

هي جملة تختصر رحلة السوريين من موت إلى موت، إذ لم يعد القاتل واحدا، بل تعدد القتلة الذين يطلقون الموت نحو السوريين "في كل مكان. وينقض عليهم (الموت) داخل الوطن وخارجه على اليابسة وفي أعالي البحار"، وكأنهم (القتلة) مسحوبين بقوة رائحة الدم والعذاب والدموع لينشبوا أنيابهم في لحم شعب أعزل وأطفال أبرياء.

من أنياب النظام وطائراته وبراميله إلى أنياب دولة العراق والشام الإسلامية (داعش) إلى أنياب الكيماوي القاتل، وأخيرا إلى أنياب "الحكومة المؤقتة" التي جاءت على دم السوريين لتحميهم، فكانت آداة قتلهم عبر ما أسماه السوريين "لقاح الموت" الذي أودى بحياة أكثر من 36 طفل نتيجة تطعيمهم بلقاحات الحصبة الملوثة الذي ترعاه الحكومة السورية المؤقتة في شمال سوريا في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، الأمر الذي جعل المسألة السورية تقترب من مصاف الملهاة، إذ لا يكاد السوريون يتحررون من قاتل حتى يأتيهم آخر، حتى لو كان الأمر نتاج خطأ أو ترهل أو "لعبة نظام" كما تبرر الحكومة المؤقتة، فالموت واحد في نهاية المطاف ولا معنى لأي تبرير بعد أن يقتل أطفال أبرياء.

https://www.youtube.com/watch?v=NWuZ5BFZlkM

دفاع الحكومة السورية المؤقتة عن نفسها برمي الأمر على كاهل النظام، وتبريراتها المخجلة، أطلق العنان لسخرية السوريين الذين صبوّا جام غضبهم على الحكومة التي جاءت باسم ثورتهم وتضحياتهم، إذ قال الكاتب "دارا عبد الله": "خلاص الموضوع سهل جداً، المسؤول عن اللقاحات الفاسدة هو "صنيعة نظام".في حين وصل "بشار يوسف" حد تشبيه حكومة المعارضة بحكومة النظام، إذ قال: "وزارة الصحة في الائتلاف السوري المعارض قررت تشكيل لجنة للوقوف على أسباب مقتل 15 طفلاً في إدلب بسبب اللقاحات الفاسدة.حكومة النظام السوري قررت تشكيل لجان لمتابعة مطالب المدنيين والقيام بالإصلاحات. كلاهما جاثم على صدور الأطفال ويستمد شرعيته من أنفاسهم الأخيرة، مع التحفظ على الفارق في الإجرام بين الأسد ومخلفاته".

وقد وصل "الكسندر سيد" حدّ الغمز من قناة حكومة المعارضة التي تنصلت من الأمر، إذ قال: "يلي بيقتل أطفال بلقاح فاسد بسبب صفقة فاسدة هو عملها, وبيرفض يتحمل المسؤولية وبيرميها على العدو.هاد بيقتل أطفال بالكيماوي وبيرميها عالعدو" في إشارة إن العقلية هي ذاتها ولم تتغير.

من جهة أخرى دعا العديد من المؤسسات والأفراد إلى فتح تحقيق واسع في الموضوع، حيث قال عبد الرحمن جلود "يجب فتح تحقيق على مستوى دولي من قبل منظمة الصحة العالمية في الأمم المتحدة. كيف تستطيع بما يسمى حكومة مؤقتة الحصول على لقاحات ؟؟؟ ومنظمة الصحة العالمية تسلم اللقاحات للدولة السورية !!!!"، في حين دعت منظمة "نجدة ناو" "كافة السلطات والجهات المسؤولة لإجراء تحقيق سريع ومهني من أجل محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة البشعة بغض النظر عن مواقعهم وجنسياتهم" دون أن يلقى الأمر أي صدى، الأمر الذي دفع "علاء دخيل" للقول: "ماتوا أولادنا. و كراسي أعضاء الحكومة و الائتلاف ما اهتزت.. تفه".

لوحة للفنان مصطفى يعقوب. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك
لوحة للفنان مصطفى يعقوب. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك

الفنانون والمبدعون السوريون كانوا أفضل من عبّر عن هذه المأساة، مقاومين عبر لوحاتهم الموت المنهمر على السوريين، إذ ربطوا بذكاء ملفت بين كل أشكال الموت السابقة التي تعرّض لها السوريون وبين الموت القادم عبر "لقاح الموت" هذا، من خلال الربط بين الأمرين، فالفنان "مصطفى يعقوب" ربط بين مجرزة الكيماوي ومجزرة "لقاح الموت" عبر لوحة رسمت إشارة الكيماوي المكوّنة من أبر اللقاحات السامة، في حين ربط "صدقي الإمام" بين الموت الهابط عبر البراميل واللقاحات عبر لوحة صوّرت اللقاح على أنه برميل يرمي الموت من السماء، في حين عبر "جوان زيرو" عن الأمر بمسدس يأخذ شكل لقاح، لتقول لوحات الفنانين في نهاية المطاف أن الموت واحد سواء جاء عبر الكيماوي أو البرميل أو الطائرات والصواريخ أو اللقاح، مماهين بذلك بين النظام والمعارضة التي باتت وجها آخر للنظام في الوقت الذي لا يزال السوريون يواصلون رحلتهم في خضم الموت وسط صمت دولي قاتل.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد