هي معركة معقدة ومتعددة الجوانب، كحال الثورة السورية الموّزعة بين استقطاب داخلي وخارجي وإقليمي ودولي، مع فارق واحد أنها معركة للبناء في حين أن كل المعارك الاخرى للهدم والدمار.
إنها معركة المرأة لإيصال صورتها في زمن الحرب ومعركة استقلالها الاقتصادي، إذ تسعى لإثبات ذاتها صارخة "لم أعد عبئا أصبحت سندا".
إنها معركة الكرامة إذ تعيد للثورة جوهرها وبوصلتها في كفر نبل التي كانت ضمير ثورة تتناهبها اليوم قوى الظلام والتشدد والاستبداد.
إنها معركة المرأة السورية المتشعبة: ضد ذكورية القبيلة، وضد الإرهاب الأكبر ( النظام)، وضد الإرهاب الأصغر ( داعش وتوابعها).. عبر أبسط الأدوات: علم الثورة منسوج من الصوف على اليد ( المخرز)، بطول 75 متر وعرض 2,25 متر، لكل لون 75 سم، فما هي الحكاية؟ ومن هن هاتي النسوة اللواتي يفكرن بصنع الأعلام الكبرى وسط المعارك والحروب غير راضخات لمحاولة إعادتهن إلى البيوت بحجة الحرب والتقاليد؟
إنهن نساء مركز "مزايا" في مدينة كفرنبل الذي تأسس بتاريخ 1/6/2013 لتأهيل المرأة وتدريبها عبر نشاطات ودورات تشمل الإسعافات الأولية والنسج ومحو الأمية والخياطة وتعلم اللغات والكمبيوتر والتزيين، بالإضافة إلى المحاضرات والنشاطات.
وسط الواقع الصعب الذي تعيشه المدينة ( كفر نبل) التي لقبّت ذات يوم بضمير الثورة، من هيمنة الكتائب المتشددة والعقلية الذكورية الرافضة لخروج المرأة بحجة حمايتها، بما يتوازى مع تهديد داعش واستبداد النظام الذي لم تتوقف طائراته عن القصف بما جعل النساء يخترن قبوا كمكان عمل لهن، وتحوّل أنظار العالم اليوم عن محاربة الاستبداد وإيقاف قتله نحو إرهاب داعش بما يترك للنظام هامشا لمتابعة دماره وقتله الذي تدفعن فاتورته الأكبر.. وسط هذا الأمر فكرت النساء بالبحث عن آلية تواجه كل ما سبق، لتوصل رسالة ولو بالحد الأدنى لما يردن قوله وتوجيه الأنظار إليه، فكانت فكرة نسج أطول علم بالعالم، لإيصال فكرة " أن طبيعة الإرهاب اللي صار عنا باسم المجاهدين هو بالأصل طرف من أطراف الإرهاب الأكبر أي إرهاب النظام. يعني بالأحرا إنهن يحاربوا النظام اللي هوي طرف من إرهاب داعش" كما تقول إحدى مؤسسات المركز لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".
ليست هذه الرسالة الوحيدة للنساء من صنع العلم، بل أردن من خلاله إيصال رسالة للذكور الرافضين عمل المرأة، مذكرات الجميع بانتماء المرأة السورية للثورة وبأنها أكثر من يدفع ثمن هذا الصراع، حيث أردن من خلال صنع العلم بالصوف وحمله في شوارع كفر نبل إيصال رسالة رمزية واضحة تقول بأنهن قادرات على فعل أكثر مما يفعله الرجل، فإذا كان "علم الرجال بيتشال بسهولة" فإن "علمنا ثقيل جدا لأنه من الصوف الخالص" وبالتالي هو أثقل، ما يعني قدرة المرأة على فعل الكثير.
ومن الرسائل الهامة التي تقدمها فكرة العلم إعادة الاعتبار لعلم الثورة المتعارف عليه بوجه الأعلام الإسلامية يرفعها الجهاديون و مؤيدو الدولة الإسلامية، الأمر الذي يجعل من نضال المرأة رافعة للعمل المدني والدولة المدنية المبتغاة، بما يعمل على المدى البعيد لإبقاء صورة كفرنبل حيّة في أذهان من عرفوها في صورتها الأبهى والأجمل وهي توّزع اللافتات والشعارات لتعبّر عن ثورة السوريين وأملهم.
المعركة الأخرى التي تخوضها المرأة من خلال العلم، هي معركة الاستقلال والتمكين الاقتصادي للمرأة، حيث قامت فكرة العمل على أن تتلقى كل امرأة أجور ما تنسجه، لتشارك في العمل حوالي خمسين امرأة وجدن أنفسهن فاعلات وفرحات لقدرتهن على سد جزء من المصروف المنزلي إلى جانب الرجل واختبار قدرتهن على الإنجاز بعد عدد كبير من الدورات اللواتي اتبعهن في المركز، إذ تقول إحدى مؤسسات مركز مزايا لموقعنا سيريا أنتولد Syria untold": "ما بتتخيلي فرحتهن الكبرى وقت عرفو إنهن رح يشتغلو بالأجرة بعد ما تعلموا النسج منيح"، الأمر الذي يربط بين التعلّم والإنتاج والإنجاز في تجربة المركز.
إلا أن الرسالة الأهم التي تقولها صاحبات أكبر علم في العالم منسوج من الصوف بشكل يدوي وهنّ يسعين لدخول موسوعة غينيس بعلمهن هذا، هي رفضهن الضمني للحرب على داعش التي تشنها قوات التحالف الدولي اليوم، إن لم تأتي في إطار القضاء على كل أنواع الإرهاب وعلى رأسها إرهاب النظام السوري، لأن القضاء على داعش وبقاء الأسد هو أسوأ الخيارات للسوريين، لإدراكهم أن هذا النظام سيعيد إنتاج داعش أخرى كلّما تهدد عرشه.