الهدف من هذه المقالة هو تقديم مقترحات وتوصيات وحلول تساعد أيّة حكومة انتقالية مقبلة في سورية على وضع الأسس والتشريعات المناسبة التي تساهم في إنجاح عملية إصلاح القضاء وضمان استقلاله، ولا نزعم في هذه العجالة أنّنا نقدّم الأفضل، بل هي مجرد مساهمة وتحضير مسبق اختصاراً للوقت وتوفيراً للجهود لمساعدة صناع القرار الجدد في سورية في قيادة سورية بشكل آمن من دولة استبدادية إلى دولة مدنية ديمقراطية تداولية يكون فيها القضاء سلطة مستقلة يحترمها الحكام والمحكومين. باعتبار أن القضاء النزيه والمستقل يشكل اليوم أحد أهم الأسس التي تقوم عليها دولة الحق والقانون، ورافعة ضرورية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . ولا يمكن تحقيق الأمن للمواطنين والعدل بينهم بدون قضاء نزيه ومستقل يثق فيه الجميع.
ولكي نضمن النجاح في عملية إصلاح القضاء واستقلاله عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، لابد لصنّاع القرار الجدد من البدء أولاً بالإصلاح الدستوري الذي هو جزء من الإصلاح السياسي الشامل الذي تحتاجه سورية، وتأتي أهمية الإصلاح الدستوري ﻓﻲ سورية لمعالجة اﻟﺜﻐرات واﻟﻨواﻗص الموجودة في الدستور السوري الحالي والتي ﺘرﺠﻤت و ﮐرﺴت وﻋﻤّﻘت اختلالات ﺨطﻴرة ﻓﻲ علاقة اﻟﺴﻟطات ببعضها وعلاقتها بالمواطنين، وﺴﺎﻫﻤت ﻓﻲ منع قيام حكم يقوم ﻋﻟﯽ اﻟﻤﺸﺎرﮐﺔ اﻟدﻴﻤﻘراطﻴﺔ وﻋﻟﯽ ﺤﮐم اﻟﻘﺎﻨون وﻋﻟﯽ اﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ واﻟﻤﺤﺎﺴﺒﺔ.
وﻗد أدى ﻫذا اﻟواﻗﻊ إﻟﯽ ﻨﺘﺎﺌﺞ وظواﻫر ﺴﻟﺒﻴﺔ ﻋدﻴدة ﻟﻌلّ أﺨطرﻫﺎ ﺘرﺴﻴﺦ ﻨظﺎم استبدادي، واﺴﺘﻔﺤﺎل ظواﻫر الولاءات واﻟرﺸوة واستغلال اﻟﻨﻔوذ، وﻫدر اﻟﻤوارد اﻟﺒﺸرﻴﺔ واﻟﻤﺎدﻴﺔ ﻟﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، وﻤﻤﺎرﺴﺔ اﻟﻘﻤﻊ اﻟذي وﺼل إﻟﯽ درﺠﺔ الانتهاكات اﻟﺠﺴﻴﻤﺔ ﻟﺤﻘوق الإنسان، وﻟم ﺘﻨﻔﻊ اﻟﻀﻤﺎﻨﺎت اﻟدﺴﺘورﻴﺔ ﻟﻟﺤﻘوق واﻟﺤرﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺠﺎء ﺒﻬﺎ الدستور الحالي، وﻻ اﻟﻀﻤﺎﻨﺎت اﻟﻘﺎﻨوﻨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟوﻗﺎﻴﺔ ﻤن الانتهاكات اﻟﺠﺴﻴﻤﺔ والخطيرة لحقوق الشعب السوري.
ويشكل الإصلاح الدستوري أﺤد أهم اﻟﻌﻨﺎﺼر التي يرتكز عليها الإصلاح القضائي، وﻫﻲ ﻤﻬﻤﺔ ﻻ ﺘﻘﺘﺼر ﻋﻟﯽ فرد معيّن أو جهة محددة، ﺒل ﺘﻘﻊ أﺴﺎﺴﺎً ﻋﻟﯽ ﮐل اﻟﻘوى اﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ والمجتمعية التي تناضل اليوم ضد الاستبداد والطغيان ﻓﻲ تحقيق تغيير شامل ﻴؤﻫل سوريا ﻟﺘﺤﻘﻴق قيام نظام ديمقراطي .
أن اﻻﺨﺘﻼﻻت اﻟدﺴﺘورﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ التي تعانيها سورية اليوم ﻫﻲ ﻤن اﻟﻌﻤق ﺒﺤﻴث ﻴﻌد اﻹﺼﻼح اﻟدﺴﺘوري ﺒﻤﺜﺎﺒﺔ اﻟﺤد اﻷدﻨﯽ اﻟﻀروري اﻟذي ﻴﺠب أن تنطلق منه عملية إصلاح القضاء وترتكز عليه. ولا يتسع المجال هنا للحديث بشكل موّسع عن عملية الإصلاح الدستوري التي تحتاج إلى بحث مستقل يحيط بجوانب هذه العملية المهمة التي يجب أن ترتكز على مبادئ وأسس يأتي في مقدمها:
1- مبدأ المواطنة الكاملة المتساوية.
2- أن الشعب مصدر السلطات.
3- حكم القانون.
4- احترام فصل السلطات.
5- احترام الحقوق والحريات.
6- الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة.
7- التأكيد على القضاء كسلطة مستقلة تماماً عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.
8 - تعزيز دور المحكمة الدستورية العليا في مراقبة العملية التشريعية والانتخابية..الخ.
إصلاح القضاء في سورية أصبح اليوم مهمة وطنية بامتياز لما للقضاء من دور أساسي في حماية حريات الناس وحقوقهم، وتوفير بيئة ملائمة لتحقيق تنمية متوازنة، وهي مهمة تنتصب اليوم بقوة أمام أيّة حكومة انتقالية مقبلة في سورية، وهي لن تكون مهمة سهلة، لكنها ليست مستحيلة بالتأكيد، متى توّفرت النية والإرادة وتضافرت جهود المخلصين في البلاد حول تحقيق هذه المهمة الجليلة التي يجب أن ترتكز على قواعد ومبادئ من شأنها أن تضمن فعلياً قيام سلطة قضائية مستقلة وقوية وعادلة، وهذا يتطلب من أيّة حكومة مقبلة الأخذ بعين الاعتبار بكافة المقترحات والتوصيات التي تؤدي إلى إنجاح الإصلاح القضائي والتي يأتي في مقدمها المقترحات الأساسية التالية:
تطبيق مبدأ فصل السلطات بما يضمن استقلال السلطة القضائية عن باقي السلطات في الدولة.
توحيد جهات القضاء (مجلس الدولة، القضاء العادي القضاء العسكري) تحت راية مجلس القضاء الأعلى.
إلغاء كافة المحاكم الاستثنائية والقوانين التي تحجب حق التقاضي.
إلغاء محاكم الاستئناف وقضاء الإحالة.
حصر اختصاص القضاء العسكري بالجرائم العسكرية البحتة.
إحداث محاكم متخصصة بالأسرة والأطفال، وإحداث محاكم تجارية ومصرفية ومحاكم مختصة بمحاربة الفساد.
تعديل القوانين وتحديثها بما ينسجم مع العهود والمواثيق الدولية، وإصدار قانون الكسب غير المشروع.
تطوير البنية التحتية لدور المحاكم وتحديثها ورفدها بالكوادر البشرية المدربة.
الاهتمام بالقضاة وتدريبهم وتأهيلهم والعناية بهم وحمايتهم من العزل،وزيادة عددهم ومنعهم من الاشتغال بالسياسة تطبيقاً لمبدأ حياد القاضي.
تأمين احترام تنفيذ الأحكام التي يصدرها القضاء لاسيما في القضايا التي تكون الدولة طرفاً فيها
الاهتمام بنشر الثقافة القانونية بين المواطنين من خلال البرامج الإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية.. وتخصيص مقرر قانوني مبسط في المنهاج المدرسي للتلاميذ يساهم في التوعية القانونية منذ الصغر.
وأخيراً ، لابد من التأكيد على أهمية نشر روح الحرية واحترام القانون لدى الحكام والمحكومين على السواء، جعل هذه الروح حيّة على الدوام في قلوب الناس، فما قيمة النصوص والقوانين إذا خمدت روح الحرية واحترام القانون وحقوق الإنسان في قلوب الناس ..؟
هذه الحرية التي تعلو بالإنسان، ولا تحط من قيمته بالترهيب والتخويف والشتائم. فبدون الحرية لن نستطيع أن نفتح باباً، أو نرفع ظلماً أو نصد عدواناً. ولن تكون هناك أيّة قيمة لنصوص الدستور والقوانين إذا لم يقم على تطبيق تلك النصوص نقابة محامين حرة مستقلة وسلطة قضائية مستقلة.